د.رقية العلواني

جميع البحوث

قراءة مقاصدية في آليات تحقيق العدالة في سورة النساء

قراءة مقاصدية في آليات تحقيق العدالة في سورة النساء

د. رقية طه جابر العلواني الأستاذ المشارك بكلية الآداب جامعة البحرين

قراءة مقاصدية في آليات تحقيق العدالة في سورة النساء

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

تعد إشكالية العدالة من أكثر المفاهيم والإشكاليات الأخلاقية والفلسفية إثارة للجدل، وقد تم تناولها غالبا ضمن الحديث عن مفاهيم فلسفية أخرى كالحق والواجب.

وتكمن أهمية العدل (1) في المجتمعات بالنظر لكون العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والجماعات لا تستقيم من دون العدالة كقيمة أخلاقية. فهي مطلب إنساني يرتبط بقيمته وكينونته الإنسانية الأمر الذي يجعلها ترتبط بالحديث عن الحرية والمساواة والكرامة والحق والواجب.....

وقد تم التصدي لدراسة العدالة وآليات تحقيقها بصيغ مختلفة ومتعددة ومتضاربة في بعض الأحيان، وهذا الاختلاف يعود إلى ارتباط مشكلة العدالة بالثقافة السائدة والنموذج القيمي وما يحدده من أولويات قيمية أخلاقية وسياسية.

(1) يتم استعمال "العدل" و"العدالة" في هذه الدراسة كمترادفين بنفس المعنى في اللغة العربية قصد التبسيط، وإن ذهب بعض الباحثين في الموضوع إلى التمييز بين الاصطلاحين. انظر على سبيل المثال: آيات عادل زكريا محمد حسن مفهوم العدالة بين أفلاطون ورولز، أطروحة ماجستير، جامعة دمنهور - كلية الآداب قسم الفلسفة، ٢٠١٢م، ص. ٩-١٢ و٥٥-٥٦.

إلا أن الناظر في كتاب الله الكريم، يلحظ توجها لتناول العدالة يختلف عن كل ما سواه. وثمة سور قرآنية عظيمة اهتمت بقيمة العدالة على وجه الخصوص موضحة آليات إيجادها وصيرورتها القيمية في الفرد والأسرة والمجتمع ولعل سورة النساء من أكثر سور القرآن دلالة على ذلك. واللافت لنظر المتدبر في القرآن العظيم أن الأحكام الشرعية الواردة في تطبيقات العدالة جاءت لتجمع الناس على المقاصد الضرورية المتمثلة في حفظ الدين النفس العرض، العقل والمال، ومن ثم اندرجت تحتها منظومة الحفاظ على الكرامة الإنسانية التي تحمي وتصون القيمة الإنسانية للبشر بصرف النظر عن مستوياتهم ومعتقداتهم وألوانهم، فالسورة جعلت الإنسانية أسرة واحدة.

من هنا جاءت هذه الورقة لتتناول قيمة العدالة من خلال تدبر سورة النساء لتحاول الإجابة عن أهم التساؤلات في قيمة العدالة؛ هل العدالة في سورة النساء قيمة أخلاقية نظرية مجردة أم أنها قيمة تطبيقية عملية تحقق مقاصد الشريعة؟. وما هي الآليات التي ظهرت فيها الجوانب العملية لتنفيذ قيمة العدالة في المجتمع؟ وهل العدالة في سورة النساء مسؤولية فردية أم جماعية؟.

وتتبنى الدراسة منهج التحليل والتدبر والاستنباط للتوصل إلى الإجابة عن هذه التساؤلات، دون محاولة الدخول إلى سورة النساء بفرضيات مسبقة يمكن أن تشوش ذهن القارئ المتدبر لمقاصد السورة العظيمة ومناسباتها في إبراز قيمة العدالة وتحققها.

المبحث الأول أشكال المناسبات في سورة النساء وسياقات العدالة

أولا : مفتتح سورة النساء وسياقات العدالة

سورة النساء (1) نزلت بعد سورة الممتحنة (2)، ولكن في ترتيب المصحف هي السورة الرابعة بعد سورة آل عمران . ومن أبرز ما ينبغي الاهتمام به حين تناول

(1) سورة النساء سورة مدنية وتسمى سورة النساء الكبرى لتمييزها من سورة النساء الصغرى وهي سورة الطلاق، وقد عنيت سورة النساء ببيان أحكام النساء واليتامى والأموال والمواريث والقتال وتحدثت عن أهل الكتاب وعن المنافقين وعن فضل الهجرة ووزر المتأخرين عنها وحتت على التضامن والتكافل والترحم وبينت حكم المحرمات من النساء. كما حثت على التوبة ودعت إليها وسيلة للتطهر ودليلا على تكامل الشخصية واستعادة الثقة بالنفس والشعور بالأمن والاطمئنان وعدد آيات سورة النساء ١٧٦ آية، وعدد كلماتها ٣٧٤٥ كلمة». انظر: التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور - ط الدار التونسية للنشر (٢١١/٤)، الموسوعة القرآنية خصائص السور الجعفر شرف الدين - ط ١ دار التقريب بين المذاهب الإسلامية (٢/ ١٠٧).

(2) انظر : التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي ط 1 شركة دار الأرقم (١٧٦/١). ويقول الطاهر بن عاشور في تفصيل بديع: اتفق العلماء على أن سورة النساء نزلت بعد البقرة، فيتعين أن يكون نزولها متأخرا عن الهجرة بمدة طويلة والجمهور قالوا: نزلت بعد=

أي مفهوم من المفاهيم في القرآن العظيم؛ مسألة التناسب بين الآي والسور في القرآن الكريم فواتحها وخواتيمها وعلاقتها بالسور الأخرى ....

وسورة النساء بدأت بقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ) [النساء : 1] والآية الأخيرة في سورة آل عمران يقول الله عز وجل – فيها : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران: ۲۰۰] .

فالخطاب في آخر سورة آل عمران وصية للمؤمنين: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» والخطاب في مفتتح سورة النساء يبدأ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ».

وقد انتقلت الآيات من خطاب للمؤمنين إلى خطاب العالم والناس فالرسالة في هذه السورة رسالة عالمية على وجه الخصوص، لا تختص بالقوم الذين شرفهم الله بنزول القرآن فيهم أولا، بل هي رسالة للعالم لكافة تشريعاتها. ذاك أن مطلب العدالة لا تستقيم حياة البشرية إلا به.

فكانت الوصية بالتقوى أول ما بدئ به في سورة النساء التي حوت الكثير من الأحكام والتعاليم الخاصة بإيصال الحقوق وأداء الأمانات والعدل بين

آل عمران، ومعلوم أن آل عمران نزلت في خلال سنة ثلاث أي بعد وقعة أحد، فيتعين أن تكون سورة النساء نزلت بعدها. » انظر: التحرير والتنوير ط الدار التونسية للنشر (٢١١/٤-٢١٢).

الناس..... والبدء بالتقوى ) له دلالة ومقصد خاص لذا جاء التذكير به في أول سورة النساء {اتَّقُوا رَبَّكُمُ} .

ومن وجوه العلاقة والتناسب بين مفتتح السورة وسياقات العدالة؛ قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء : ١] . فالآية جاءت بالتذكير بالمساواة بين البشر في أصل الخلقة والقيمة الإنسانية مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ». فهي دعوة تظهر فيها المناسبة بين وحدة النوع ووحدة الاعتقاد كذلك(٢).

(1) التقوى لغة من الوقاية. وهي حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره، أما في الشرع فهو أن يجعل العبد بينه وبين معصية الله مانعا يقيه من عذاب الله. انظر الراغب الأصفهاني، في المفردات في غريب القرآن - ط ١ دار القلم - بيروت (ص ٨٨١). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٧ / ١٦٣): اسم التقوى إذا أفرد دخل فيه فعل كل مأمور به وترك كل محظور. قال طلق بن حبيب : التقوى: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو رحمة الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله».

(2) ابن عاشور، التحرير والتنوير، مرجع سابق، تفسير سورة النساء، ص ٧٧.

ثانيا : نماذج من آيات سورة النساء وسياقات العدالة

حوت السورة العظيمة نماذج عدة تؤكد سياقات العدالة فيها، ومنها على سبيل المثال؛

أ- قوله تعالى: ﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (1). [النساء: ٢] فهنا بدأت الآية بحقوق اليتامى وأهمية الحفاظ عليها، لأن قيمة العدالة التي يؤسسها القرآن عدالة لا ترتبط بأوضاع الناس الاجتماعية، بل هي عدالة

(1) قال ابن أبي زمنين في تفسيره - ط ١ دار الفاروق الحديثة ( ١ / ٣٤٥): «وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالهم } يَعْنِي : إِذا بلغُوا { وَلا تَتَبَدَّلُوا الخَبيث بالطيب } قَالَ الحسن: الخبيث: أكل أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظلما، وَالطَّيب : الَّذِي رزقكم الله ؛ يَقُول : لا تذروا الطيب، وتأكلوا الْخَبِيتُ { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالَكُم} يَعْنِي: مَعَ أَمْوَالكُم {إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} أي: ذنبًا عظيمًا» اهـ. وقال البغوي رحمه الله في تفسيره ط 1 دار إحياء التراث العربي (١/ ٥٦٢) تعليقا على الآية: «واختلفوا في هذا التبديل، قال سعيد بن المسيب والنخعي والزهري والسدي: كان أولياء اليتامى يأخذون الجيد من مال اليتيم ويجعلونه مكانه الرديء، فربما كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من مال اليتيم ويجعل مكانها المهزولة، ويأخذ الدرهم الجيد ويجعل مكانه الزيف ويقول : درهم بدرهم، فنهوا عن ذلك، وقيل: كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء والصبيان ويأخذ الأكبر الميراث، فنصيبه من الميراث طيب، وهذا الذي يأخذه من نصيب غيره خبيث، وقال مجاهد : لا تتعجل الرزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال. «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالَكُم» أي : مع أموالكم، «إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا» أي: إثما عظيما»

ترتبط بإنسانية الإنسان. فقد يحدث نتيجة لتقلبات الزمان والتغيرات في المجتمعات الإنسانية، أن تُهدر أموال هذه الفئة لسبب أو آخر؛ فكان البدء بها تنبيه للمجتمع بأن المجتمع الذي تُصان فيه حقوق اليتامى، هو الأقرب إلى تطبيق العدالة بكافة صورها.

ب فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا . [النساء:٣]. يقول ابن القيم حول هذه الآية: "سياق الآية إنما هو في نقلهم مما يخافون الظلم والجور فيه إلى غيره ، فإنه قال في أولها : ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) فدلهم سبحانه على ما يتخلصون به من ظلم اليتامى ، وهو نكاح ما طاب لهم من النساء البوالغ ، وأباح لهم منه ، ثم دلهم على ما يتخلصون به من الجور والظلم في عدم التسوية بينهن فقال : ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ) ، ثم أخبر سبحانه أن الواحدة وملك اليمين أدنى إلى عدم الميل والجور"(1).

ت ومن جوانب التناسب في الآيات وسياقات العدالة كذلك ما جاء حول مهور النساء لتأتي الآيات الكريمة على كافة العادات القديمة والحديثة التي حرمت المرأة من هذا الحق الذي منحها الخالق سبحانه لها. ومنها قوله تعالى في الآية الرابعة : ﴿وَآتُوا النِّسَاءِ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا . ومن المتعارف عليه أن غالب

(1) ابن القيم، تحفة المودود بأحكام المولود، ص ۱۷-۲۰.

القبائل العربية في العصر الجاهلي لم تكن تعطي المرأة مهرا أصلا، أو أن المهر في الأصل يكون من حق الولي(1).

ث ومن النماذج لسياقات العدالة في السورة؛ حقوق الميراث للنساء والصغار. فنزلت الآيات لتقطع الطريق على الممارسات القائمة على الظلم الاجتماعي في المجتمع الجاهلي الذي كان يحرم النساء والصغار من حق الميراث، على اعتبار باطل جدًا أن الفئات الأولى بالميراث هي هذه الفئات التي تقوم بواجب الحماية والدفاع عن العشيرة والأسرة والقبيلة وهي الأحق بالمال؛ بينما تلك الفئات من النساء والصغار لا يقومون بأي حماية، فيحرمون من نيل شيء منه. قال تعالى: (2)

(1) قال الدكتور محمد إسماعيل المقدم في المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية - دار ابن الجوزي - القاهرة (ص ۲۹۷ - ۳۰۰ ) : «لقد كان عرب الجاهلية يرونه ثمنا للمرأة عند زواجها، ويطلقون عليه النافجة» أي الزيادة والكثرة، وكان من حق الأب، لا الابنة المخطوبة، ولذا كانت العرب في الجاهلية تقول للرجل إذا ولدت له بنت: «هنيئا لك النافجة» أي المعظمة لمالك، وذلك أنه يزوجها، فيأخذ مهرها من الإبل، فيضمها إلى إبله، فينفجها، أي يرفعها، ويكثرها.

(٢) يقول الدكتور توفيق برو في تاريخ العرب القديم - ط ٢ دار الفكر (ص: ٢٧٠): «كان الإرث من حق الرجل فقط، وقد حرمت منه المرأة والأولاد الصغار والجواري والبنات. ويظهر أن هذا الحق قد خص به الذين يركبون الخيل ويحملون السلاح، وقاعدتهم في ذلك: «لا يرث الرجل من ولده إلى من أطاق القتال وللرجال أن يرثوا من النساء، وأن يرثوهن أنفسهن، كما يرثون المتاع فيرث الابن الأكبر زوجات أبيه. ومن مات عن بنات ولم يكن له أبناء ذكور يرثه إخوته، وتحرم بناته من ميراثه..» ويقول الدكتور عبد الله عفيفي الباجوري في المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها - ط ٢ مكتبة الثقافة بالمدينة =

الرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا . [النساء: ٧]. ج- ومن نماذج سياقات العدالة في السورة ذلك التوجيه الرباني الذي أقام العدالة قواعد الحفاظ على أعراض الناس وأموالهم. قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ . [النساء : ٢٩].

وقد حذر النبي – صلى الله عليه وسلم من انتهاك أعراض الناس وأموالهم، وجعلها بينهم محرمة، في أعظم خطبة وأشملها وأوعاها وفي مشهد لم يشهد مثله، في أواخر حياته – صلى الله عليه وسلم - فقال في ذلك المشهد المهيب في خطبة الوداع: «يا أيها الناس أي يوم هذا؟»، قالوا: يوم حرام، قال: «فأي بلد هذا؟»، قالوا: بلد حرام، قال: فأي شهر هذا؟»، قالوا: شهر حرام، قال: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا في شهركم هذا فأعادها مرارا ، ثم رفع رأسه فقال: اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت». متفق عليه(۱).

المنورة (۲/ ۳۳): من سنن العرب - أي في الجاهلية - أن النساء لا يؤول إليهن من ميراث الرجال شيء. وكانوا يقولون في ذلك: «لا يرثنا إلا من يحمل السيف ويحمي البيضة» فإذا مات ورثه ابنه، فإن لم يكن فأقرب من وجد من أوليائه أبا كان أو أخاً أو عما. على حين يضم بنات الميت ونساءه إلى بنات الوارث ونسائه، حتى جاء الإسلام فصدع ذلك الضرب من الظلم، واختص النساء بنصيب مما ترك الرجال.

(1) انظر البخاري (۱۷۳۹) واللفظ له، وبنحوه عند مسلم (١٦٧٩).

ح ومن ذلك أيضا ما فصلته السورة في نظام المواريث بشكل يحقق عدالة الإسلام ويقيم أسس المساواة، ويراعي وشائج المجتمع : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين. [النساء: ١١]

والنماذج في السورة عديدة جاءت كلها في سياقات العدالة والمتدبر في السورة، يلحظ أنها تناولت الحديث عن العدالة مع مختلف الفئات؛ عدل مع اليتامى والنساء ممن قد لا يتمكنون من أخذ حقوقهم في مؤسسات الأسرة والمجتمع، عدل مع الأعداء، عدل مع الأحباب والأقارب والأصحاب...

كما أخذت قضية العدالة مع النساء الحيز الأكبر في السورة في آيات عدة منها؛ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا. وَآتُوا النَّسَاءِ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا . [النساء: ٣].

يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءِ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضٍ مَّا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا . [النساء : ١٩] .

وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِينا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا . [النساء: ٢٠-٢١].

وَلَا تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ . [النساء : ٣٢].

فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا . [النساء : ٣٤].

وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا . [النساء: ١٢٧].

وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا . [النساء : ١٢٩].

وبهذا أصلت السورة للعدالة وآليات التطبيق لها وتحقيقها في الفرد والأسرة والمجتمع على حد سواء، لتجعل منها قيمة عملية كسبية يسعى الإنسان المؤمن بتزكية نفسه من خلال تطبيقها في حياته(1).

فآيات السورة العظيمة أقامت نظامًا اجتماعيًا قائمًا على تطبيق توحيد الله سبحانه والسير وفق نهجه في علاقة الإنسان بربه في واقع الحياة من خلال إحسان تعامله مع الآخرين، فبدأ بقضية الزوجة أولًا في داخل الأسرة، ثم انتقل من الأسرة البيت – إلى البيت الأكبر، المجتمع.

(1) راجع حول ذلك التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، تأليف نخبة من علماء التفسير وعلوم القرآن، إشراف مصفى مسلم، جامعة الشارقة، ٢٠١٠م.

ويمكن القول بأن السورة من الآية الأولى إلى الآية الخامسة و العشرين ثم من الآية ٣٣ إلى الآية ٣٥ ، هكذا الآيات ۱۲۷ إلى الآية ۱۳۰، تناولت الحديث عن حقوق اليتامى والنساء، و طريقة تقسيم الإرث بين الجنسين، وحقوق الفئات المختلفة فيه، وحق المرأة بالمهر و حرمة الزواج من بعض أصناف النساء منها حرمة الزواج من زوجة الأب... كل ذلك في إطار الحفاظ على ضروريات الدين والنفس والعرض والعقل والمال. كما تناولت آليات تحقيق العدالة في الأسرة و ضرورة رعاية العدل والإنصاف في الصلح والنزاع والخلافات بين الزوجين وخارج إطار العلاقة الزوجية كذلك.

ثالثا : التناسب والتلازم بين التقوى وقيمة العدالة في سورة النساء

سورة النساء تتكلم في كل آياتها عن العدالة (ا)، وتحقيقها بكل صورها؛ ومن ذلك الاهتمام بالوفاء بحقوق الآخرين دون ضرورة مطالبتهم بها، كما في حال اليتامى وغيرهم من الفئات التي ذكرتها السورة.

(۱) قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن العدالة والمعادلة: لفظ يقتضي معنى المساواة، والعَدْلُ والعِدْلُ يتقاربان، لكن العَدْلُ يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام، وعلى ذلك قوله : { أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِيامًا } [المائدة/ ٩٥]، والعدل والعَدِيلُ فيما يدرك بالحاسة كالموزونات والمعدودات والمكيلات، فالعَدْلُ هو التقسيط على سواء، وعلى هذا روي : بالعَدْلِ قامت السموات والأرض» تنبيها أنه لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائدا على الآخر أو ناقصا عنه على مقتضى الحكمة لم يكن العالم منتظما .

والسورة العظيمة تربط منذ بداياتها بين العدالة والحق الذي هو صنوان العدل وإقامته .

وتوضح السورة أن العدالة تكون في المشاعر الإنسانية كما هي في القول؛ عدالة في العمل والسلوك عدالة مع النساء، عدالة مع الصغار، مع الكبار، عدالة مع الأقوياء، عدالة مع الضعفاء كان لابد من التقوى التي تبني في النفس الإنسانية قيمة العدالة وتحميها من العبث بها. وهو أمر لا يمكن تحققه بعيدا عن تعزيزه في علاقة الإنسان بخالقه وأداء حقوقه سبحانه والقيام بها خير القيام ومن ثم الوفاء بحقوق الآخرين ضمن التزامات الإنسان نحو خالقه سبحانه. فصورة العدالة تتجسد في النفس الإنسانية على قدر ما يحمل الإنسان من التقوى.

من هنا جاء الحديث عن التقوى في موضعين في الآية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ... ﴾ [النساء : 1] وفي نفس الآية: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء : ١]

والعلاقة بين التقوى والرقابة الذاتية وطيدة أظهرتها الآية بعمق، فالعدالة تحتاج إلى رقابة عالية . من هنا جاء الارتباط بين التقوى والعدالة في بدايات السورة محققا لهذا المقصد العظيم. كما أن في الآية تأكيدا لمقصد إنساني يرتبط بالرقابة يتمثل في أن العدالة لا يمكن لها أن تتحقق في مؤسسة أو مجتمع بدون مراقبة لمسيرة تحقيقها. فالعدالة لا تتعلق بسن القوانين والأنظمة فحسب دون وضع آليات لمراقبة تحققها، وهذا مقصد عظيم جاءت به هذه السورة الكريمة.

بل إن السورة جعلت مبدأ: «فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ» الضمانة الحقيقية لتحقيق العدالة بكافة صورها. فالعدالة ليست مطلبا يطالب به الناس ولا مجرد حق مكتسب يسعى وراءه البشر، وإنما العدالة التي تبنيها سورة النساء عدالة واجب.

والفارق بين هذا وذاك أن العدالة حين تصبح واجبا عينيا، حينها يجب على كل إنسان أن يقوم بذلك الواجب ويؤديه ويقوم بحمايته، ومن ثم ستتحقق تلك العدالة على كل المستويات المختلفة. فالعدالة ليست مسؤولية مؤسسات فحسب بل مسؤولية أفراد شركاء في صناعتها والحفاظ عليها.

كما أن سورة النساء حين تأتي بحقوق اليتامى والنساء والأبناء وتشريعاتها ضمن سياق التقوى تؤكد أن البناء القيمي لا يتحقق من خارج الذات بل لابد من تحقيقه أولا في الذات. ولو نظرنا إلى سورة النساء في آياتها، لوجدنا أن التقوى حاضرة في العلاقات الأسرية وتحديدا العلاقات الزوجية، وفي حقوق الزوجية بدءً من المهر والحقوق المالية والنفسية...

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء: ٢١]. فالإنسان تعترضه حالات مرتبطة بالمحبة أو الكره؛ إلا أنها أمور نسبية لابد من إخضاعها لقيمة العدالة المطلقة. ويمكن القول بأن من الآيات التي أوضحت التلازم بين التقوى والعدالة في السورة؛

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا . [النساء : 1].

لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9].

وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا. [النساء: ١٢٨].

ولَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا. [النساء: ١٢٩].

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا. [النساء: ١٣٥].

ثانيا: التناسب بين المساواة وقيمة العدالة في سورة النساء

قيمة العدالة التي تتحدث عنها سورة النساء فيها محور آخر قائم على المساواة بين الخلق، المساواة في القيمة الإنسانية مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ». فالعدالة لا بد لتحقيقها من الارتكاز على الشعور بأن الخلق متساوون فيما بينهم، متساوون في أصل خلقتهم وعبوديتهم لخالقهم سبحانه وتعالى.

من هنا بدأ بالحديث عن اليتامى، وهو الأمر اللافت للنظر في الآية الثانية: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [النساء: ٢] (1). فالبدء باليتامى والحديث عن

(1) قال البغوي رحمه الله في تفسيره ط ١ دار إحياء التراث العربي (١/ ٥٦٢) تعليقا على الآية: «واختلفوا في هذا التبديل، قال سعيد بن المسيب والنخعي والزهري =

حقوقهم جاء لأن قيمة العدالة التي تؤسسها سورة النساء لا ترتبط بأوضاع الناس الاجتماعية، بل بإنسانية الإنسان والنظر إلى قيمته الإنسانية غير الخاضعة لأحواله الاجتماعية أو مستواه المعيشي ....

فبدأت السورة بهم لتؤكد أن المجتمع الذي يصون حقوق هذه الفئة سيكون أكثر صيانة وحفاظًا على قيمة العدالة مع كل أمم وشعوب الأرض على اختلاف أجناسهم وألوانهم وطبقاتهم.

ثم بعد ذلك تنتقل الآيات إلى الكلام عن النساء، وفي ذلك تأكيد آخر على قيمة المساواة في أصل الخلقة بين البشر رجالا ونساء)، وأهميتها في الوفاء بالحقوق وتحقيق العدالة في المجتمع من هنا جاءت الآيات على عشرات الممارسات في المجتمع الجاهلي التي كانت تقوم في الأصل على اعتبار عدم المساواة في أصل الخلقة بين البشر.

كان الوضع في الجاهلية يقوم على خرق هذه القيم العدالة، الرحمة، الأمانة، المساواة، ولماذا كانت هذه الخروقات في المجتمع الجاهلي!.

والسدي: كان أولياء اليتامى يأخذون الجيد من مال اليتيم ويجعلونه مكانه الرديء، فربما كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من مال اليتيم ويجعل مكانها المهزولة، ويأخذ الدرهم الجيد ويجعل مكانه الزيف، ويقول: درهم بدرهم، فنهوا عن ذلك، وقيل: كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء والصبيان ويأخذ الأكبر الميراث، فنصيبه من الميراث طيب، وهذا الذي يأخذه من نصيب غيره خبيث.

عند التدبر في آيات السورة نجد أن العلاقة بين الإنسان والخالق كانت علاقة شركية قائمة على اتخاذ الشركاء (١). فحين أخطأ الإنسان الجاهلي وتخبط في علاقته مع االله - عز وجل - نتج عن ذلك كل أشكال وصور التخبط في مجال العلاقات والسلوكيات الإنسانية، فوقع في الظلم؛ ظلم اليتامى، ظلم النساء، ظلم العبيد، ظلم كل الطبقات التي استضعفها في اتمع.

وقد أكدت السورة المساواة من خلال تحقيق العدالة

قراءة مقاصدية في آليات تحقيق العدالة في سورة النساء
تنزيل البحث ←