تأثير الامراض النفسية على الاهلية في الشريعة الاسلامية
بحث فضيلة الدكتورة رقية طه العلواني أستاذ الدراسات الإسلامية قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية كلية الآداب - جامعة البحرين
ملخص البحث
في ظل زيادة انتشار الأمراض النفسية في العصر الحديث وتأثيرها العميق على مختلف جوانب الحياة، أصبح من الضروري دراسة أثر هذه الاضطرابات على الأهلية في الشريعة الإسلامية. من هنا يتناول هذا البحث تأثير الأمراض النفسية على أهلية الفرد، خاصة في الوقت الحالي نظرا للتحديات الصحية النفسية المتسارعة والمتزايدة. وتشمل الأمراض النفسية مجموعة واسعة من الاضطرابات التي قد تؤثر على وظائف العقل والسلوك والعواطف والقرارات، بما يؤدي إلى معاناة الفرد المصاب في الجوانب الشخصية والاجتماعية والعملية، وقد تؤدي في بعض الحالات إلى فقدان القدرة على التمييز والإدراك السليم وتقدير المواقف، بما ينعكس على أهليته في أداء التزاماته ومسئولياته. وتتناول الدراسة الحديث عن مفهوم المرض النفسي في اللغة والاصطلاح واهتمام القرآن الكريم بالدعم النفسي للإنسان في مواجهة صعوبات الحياة، بما انعكس على اهتمام علماء المسلمين القدامى بمعالجة الأمراض النفسية وتحليل أعراضها. كما تعرض الدراسة مفهوم الأهلية وتقسيماتها إلى أهلية وجوب؛ تتعلق بالصلاحية لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، وأهلية أداء؛ تتعلق بالقدرة على مباشرة التصرفات بوعي وإدراك. وإذ تناقش الدراسة عوارض الأهلية في الشريعة الإسلامية؛ تركز على الأمراض النفسية وتصنيفاتها المختلفة وفق المراجع العلمية المعتبرة في مجال علم النفس المعاصر. وتستخلص الدراسة أهم الأمراض النفسية المؤثرة على الأهلية مثل الخرف والفصام والهوس الاكتئابي والاضطرابات الذهانية بأنواعها الحادة والتخلف العقلي الشديد، وهي أمراض تؤدي إلى فقدان القدرة على التفكير السليم والإدراك التام واتخاذ القرارات. كما أنها تتناول الأمراض غير المؤثرة على الأهلية، مثل: اضطرابات القلق، والاكتئاب البسيط، واضطرابات النوم والأكل ونحوها، التي لا تعوق قدرة الفرد على التصرف أو تؤثر في أهليته، وتقف الدراسة كذلك على الأمراض المنقصة للأهلية، مثل: الوسواس القهري الحاد، والاكتئاب الشديد، وثنائي القطب، مؤكدة أهمية دور المتخصصين في مجال علم النفس في تحديد هذه الأعراض وآثارها في الحكم على الأهلية، إلى جانب ضرورة التقييم الدوري المستمر في متابعة حالة المريض وأهليته؛ نظرا لتداخل بعض الأعراض وتشابهها وتغيرها وفق الحالة التي يمر بها المريض التي تتراوح في كثير من الأمراض النفسية بين الخفيف البسيط والمتوسط والشديد الحاد. كما أنها تناقش الدراسة العوامل المهيئة للمرض النفسي، مثل العوامل الوراثية والأحداث الحياتية، بالإضافة إلى العوامل الحافزة للمرض النفسي، مثل: العزلة عن المجتمع، وبيئات الحروب والنزاعات. وتختتم الدراسة من خلال تبني المنهج التحليلي بتقديم توصيات تهدف إلى الحد من انتشار الأمراض النفسية وازديادها، مثل: نشر الوعي حول أهمية الصحة النفسية وتأثيراتها، وتوفير خدمات الدعم النفسي للمصابين بالأمراض النفسية وأسرهم، وإعادة تأهيلهم، خاصة في ضوء زيادة انتشار الأمراض النفسية وتأثيراتها السلبية على مؤسسة الأسرة والمجتمع، مع التركيز على فئات النساء والأطفال؛ حيث تتعرض هذه الفئات بشكل خاص لصدمات الحروب والنزاعات والهجرة واللجوء بشكل أكبر. كما تؤكد الدراسة أهمية العناية بدراسة الآثار المترتبة على هذه الأمراض على الزواج والاستقرار الزوجي والطلاق والفراق، وتربية الأبناء والحضانة... وقدمت الدراسة عددا من المقترحات العملية لتبني مشروعات وقرارات لمجمع الفقه الإسلامي الدولي بشكل خاص؛ يمكنه من خلالها الإسهام في إقامة ندوات علمية متخصصة وتشكيل لجان للإسهام في صياغة حلول عملية مبنية على أسس علمية وشرعية متكاملة لمواجهة تحديات الأمراض النفسية والتخفيف من آثارها على الفرد والأسرة والمجتمعات المسلمة المعاصرة، مع تأكيد أهمية الاستعانة بذوي الخبرة والاختصاص من علماء النفس والشريعة والاجتماع والقانون.
المقدمة
في ظل الازدياد الملحوظ لانتشار الأمراض النفسية وتأثيرها العميق على مختلف جوانب الحياة في العصر الحديث؛ تبرز الحاجة الملحة لدراسة تأثير هذه الاضطرابات على الأهلية في الشريعة الإسلامية. يسعى هذا البحث إلى استكشاف تأثير الأمراض النفسية على أهلية الفرد، خاصة في ضوء التحديات الصحية النفسية المتسارعة. تغطي هذه الدراسة طيفا واسعا من الاضطرابات النفسية التي تؤثر على وظائف العقل والسلوك والعواطف؛ مما يؤدي إلى معاناة الفرد في الجوانب الشخصية والاجتماعية والمهنية. في بعض الحالات، قد تفقد هذه الأمراض الفرد القدرة على التمييز والإدراك السليم، مما يؤثر على أهليته في أداء التزاماته ومسؤولياته.
تبدأ الدراسة بمناقشة تناول القرآن الكريم واهتمامه بالدعم النفسي للإنسان في مواجهة صعوبات الحياة، والذي انعكس على اهتمام علماء المسلمين القدامى بالأمراض النفسية وطرق معالجتها. تعرض الدراسة مفهوم الأهلية وتقسيماتها إلى أهلية وجوب وأهلية أداء، مع شرح دقيق لكل منهما.
كما أنها تسلط الضوء على عوارض الأهلية في الشريعة الإسلامية مع التركيز على الأمراض النفسية وتصنيفاتها المختلفة بناء على المراجع العلمية المعتبرة في علم النفس. تستعرض الدراسة أهم الأمراض النفسية المؤثرة على الأهلية، مثل: الخرف والفصام والهوس الاكتئابي والاضطرابات الذهانية بأنواعها الحادة والتخلف العقلي الشديد، وتناقش تأثير هذه الأمراض على القدرة على التفكير السليم واتخاذ القرارات.
وتتناول الدراسة أيضا الأمراض النفسية التي لا تؤثر على الأهلية، مثل: اضطرابات القلق والاكتئاب البسيط واضطرابات النوم والأكل، إضافة إلى الأمراض التي تنقص من الأهلية، مثل: الوسواس القهري الحاد والاكتئاب الشديد وثنائي القطب. تؤكد الدراسة أهمية دور المتخصصين في مجال علم النفس في تحديد هذه الأعراض وآثارها، وأهمية التقييم الدوري المستمر لمتابعة حالة المريض وأهليته.
تناقش الدراسة العوامل المؤهلة للأمراض النفسية، مثل العوامل الوراثية والأحداث الحياتية، بالإضافة إلى العوامل المحفزة للأمراض النفسية، مثل: العزلة الاجتماعية، وبيئات الحروب والنزاعات. تطمح هذه المناقشة إلى فهم الأسباب الجذرية للأمراض النفسية وتأثيرها على الأهلية.
تُختتم الدراسة بتقديم توصيات تهدف إلى الحد من انتشار الأمراض النفسية وتأثيراتها، مثل: نشر الوعي بأهمية الصحة النفسية، وتوفير خدمات الدعم النفسي للمصابين وأسرهم، وإعادة تأهيلهم، خاصة في ضوء زيادة انتشار الأمراض النفسية وتأثيراتها السلبية على الأفراد والأسر والمجتمعات، مع التركيز على الفئات الأكثر تعرضا للصدمات مثل النساء والأطفال في مناطق الحروب والنزاعات.
تسعى الدراسة إلى تقديم مقترحات عملية ومشروع قرار لمجمع الفقه الإسلامي الدولي بشكل خاص للمشاركة في صياغة حلول عملية مبنية على أسس علمية وشرعية متكاملة لمواجهة هذه التحديات، والتخفيف من آثارها على الأفراد والأسر والمجتمعات، من خلال التعاون مع جميع ذوي الخبرة والاختصاص من علماء النفس والشريعة والاجتماع. وجاءت الدراسة في ثلاثة مباحث مفصلة لهذه العناوين موظفة المنهج التحليلي الاستقرائي.
المبحث الأول
مفهوم المرض النفسي وتأهيل الإنسان نفسيا
أولا : مفهوم المرض النفسي
-
المرض لغة: السقم، وهو نقيض الصحة، وهو اسم للجنس، يقال: مرض فلان مرضا بفتح الراء، ومرضا بسكون الراء، فهو مارض، مرض، مريض، وهو كل ما خرج بالكائن الحي عن حد الصحة من علة أو نفاق أو تقصير في أمر (١).
-
تعريف المرض اصطلاحا:
عرفه الجرجاني بأنه: أمر عارض يخرج البدن عن الوظائف المعتادة إلى وضع خاص (٢). فهو كل ما خرج بالكائن الحي عن حد الصحة والاعتدال من علة أو نفاق أو تقصير في أمر. وهنا تظهر الإشارة غير المباشرة إلى المرض النفسي فهو أمر لا يتعلق بالبدن فحسب. أما تعريفه عند المعاصرين؛ فالمرض النفسي هو: اضطراب يصيب الإنسان في أي مرحلة من حياته نتيجة لعوامل نفسية المنشأ، ويظهر في صورة أعراض سلوكية، وانفعالية، ومعرفية، وجسدية متفرقة تؤدي إلى عدم توافق المصاب نفسيا واجتماعيا. وقد تعددت تلك التعريفات عندهم؛ ويبدو أن المتفق عليه بينهم أنها حالة تؤثر ـ سلبا ـ على تفكير الإنسان، مشاعره، أحكامه على الأمور، وسلوكياته إلى درجة قد يختل فيها إدراكه وانتباهه وذاكرته؛ بما يمكن أن يستلزم التدخل لتوفير الرعاية والعلاج اللازمين لمصلحته الخاصة أو مصلحة من حوله. وعلى الرغم من تعقيدات تشخيص الأمراض النفسية مقارنة بالجسدية التي يمكن تأكيدها بواسطة الفحوصات الطبية، فإن المرض النفسي عادة ما يلاحظ من خلال التغيرات في سلوك الشخص أو نظرته للعالم، أو كلاهما(٣)، ويمكننا القول بأن الأمراض النفسية مجموعة من الانحرافات التي لا تنجم بالضرورة عن اختلال بدني، أو عضوي، أو تلف في تركيب المخ حتى ولو كانت أعراضها بدنية أو عضوية، وتأخذ هذه الانحرافات مظاهر متنوعة من أهمها التوتر النفسي، والكآبة، والقلق والوساوس. وتختلف تصنيفات الأمراض النفسية ونوعها كما سيأتي توضيحه في موضعه.
ثانيا : المرض والدعم النفسي في القرآن الكريم
لم يذكر المرض النفسي بصريح العبارة في القرآن الكريم إلا أن القرآن يعبر عن ألفاظ قد تشابه المرض النفسي من بعض الزوايا، ومنها: «مرض القلب»، في الإشارة إلى أنواع معينة من الفساد والاضطراب الداخلي الذي يؤثر على الفكر والإرادة والسلوك. وهذا النوع يمكن أن يكون نتيجة للشهوات التي تحجب رؤية الحق أو الشبهات التي تدفع الإنسان نحو الباطل. وهذا بخلاف المرض النفسي كما سيأتي على تفصيله.
وعلى الرغم من عدم ذكر القرآن الكريم بشكل صريح الأمراض النفسية فإن التركيز فيه يوجه إلى وسائل الشفاء منها وهداية الإنسان وتوجيهه نحو السلوك الصحيح، لتحقيق الطمأنينة النفسية إزاء المواقف والصدمات المختلفة. وهو ما بات يعرف في علم النفس بتأهيل الإنسان نفسيا والدعم النفسي وهو عملية شاملة تهدف إلى تعزيز الصحة النفسية للفرد وتمكينه من مواجهة التحديات الحياتية بشكل فعال من خلال آليات وأساليب معرفية وسلوكية، وتتضمن هذه العملية عدة مراحل وأساليب متكاملة تطمح إلى تحسين الوضع النفسي للفرد. ويشمل هذا التأهيل العديد من الأدوات والأساليب كتوفير بيئة دعم من الأسرة والأقران والمجتمع وتأكيد أهمية العلاقات الاجتماعية وتقويتها(١). ولقد حوى القرآن الكريم العديد من النصوص التي تشير إلى أهمية تأهيل الإنسان نفسيا ودعم الأسرة والمجتمع له، مما يبرز العناية الربانية بالصحة النفسية والاجتماعية للفرد قبل أن تتطرق إليها الدراسات الحديثة. بل إن النصوص القرآنية ذهبت إلى أبعد من هذا حين جعلت التوجيهات والإرشادات التي تعزز التماسك الاجتماعي؛ أسسا داعمة للإيمان والتقوى والعمل الصالح.
ولا يخفى أن الحفاظ على العقل والنفس من الضروريات الخمس في الإسلام، بما يعزز قدرة الفرد على اتخاذ القرارات السليمة وتحمل المسؤوليات بوعي وإدراك. فالإنسان الصحيح نفسيا وعقليا قادر على العمل الفعال وتحقيق التراحم والتعاون بين أفراد المجتمع، وهو ما تؤكده الشريعة الإسلامية. كما أن تحقيق التوازن النفسي والعاطفي، يساعد الفرد على مواجهة التحديات والضغوطات الحياتية بثبات يعزز من القوة النفسية والروحية له.
من هنا كان اهتمام القرآن الكريم في معالجة الأمراض النفسية، بل الوقاية منها ومعالجتها منذ بداياتها من خلال توجيهاته الحكيمة التي تساعد الأفراد على التعامل مع الضغوط النفسية والقلق بطرق إيجابية وفعالة.
إذ يؤكد القرآن على سبيل المثال أن تلاوته وتأمله يمكن أن يخففا من الحزن والقلق، كما جاء في قوله تعالى: ﴿ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين﴾ [يونس: ٥٧]. كما أن الإيمان بالله والتمسك بتعاليمه يعدان أساسا قويا لصحة النفس. إذ يبعث الإيمان بالله الطمأنينة والسكينة في قلب المؤمن؛ كما جاء في قوله تعالى: ﴿الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ [الرعد: ٢٨]. والطمأنينة هي عامل مهم في التخفيف من التوترات والاضطرابات النفسية، حيث تزيل الخوف والقلق من نفس المؤمن وتمنحه شعورا بالأمان والاستقرار.
ويؤكد القرآن أهمية الصبر ويعلم المؤمنين تغيير طريقة نظرهم إلى الابتلاءات والمحن والصدمات كاختبارات من الله تعالى، وأن الصبر عليها يزيد من قوتهم النفسية ويمنحهم الجزاء العظيم إلى جانب تقوية عوامل مواجهتها بأساليب حكيمة؛ يقول الله تعالى: ﴿وبشر الصبرين * الذين إذا أصبتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون﴾ [البقرة: ١٥٥، ١٥٦]. هذا الصبر يساعد المؤمن على مواجهة الصعوبات بتفاؤل وقوة، مما يسهم في تحسين حالته النفسية.
ويحاصر القرآن اليأس ويقضي عليه الذي هو حالة نفسية تتمثل في فقدان الأمل في الخير، ويعده نقيضا للرجاء. فاليأس يعاني من فقدان الإرادة، ضعف النشاط، والخوف الدائم. بالإضافة إلى الهواجس والقلق والحقد على الآخرين. ويوضح القرآن أن اليأس ينشأ نتيجة أحد أمرين: زوال النعمة أو الرحمة، قال تعالى: ﴿ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعنها منه إنه ليئوس كفور﴾ [هود: ٩]. وعلماء النفس يؤكدون أهمية ودور الأمل في علاج العديد من حالات الأمراض النفسية. وقد تحدث القرآن عن أهمية الأمل وعدم وأمره به صراحة، معتبرا اليأس نوعا من الكفر؛ فالإحباط حالة يمر بها الإنسان عندما لا يتمكن من تحقيق هدف معين. ويصف القرآن هذه الحالة بقوله: ﴿ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين﴾ [الزمر: ٦٥] ـ كما يؤكدون أن معظم الأمراض النفسية، وخصوصا الإحباط، تعود إلى عدم الرضا عن الواقع والظروف المحيطة، وعدم الرضا عن النفس(١). بل وفي الحالات الشديدة، يمكن أن يتحول الإحباط إلى مرض نفسي في حد ذاته يصعب علاجه والتعافي منه. ويرى عدد من علماء النفس أن الحالة النفسية تؤثر على وضعية الجسم وحركاته ومظهره. وينصحون بالتظاهر بالفرح والسرور حتى يبدأ الشعور بالتحسن تدريجيا(٢).
فإذا ما تدبرنا في القرآن؛ وجدنا توجيه النصوص القرآنية الإنسان إلى الاستسلام لله والتأمل وتفويض الأمور إلى الله سبحانه؛ مما يوضح الأثر الفاعل لذلك: ﴿ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور﴾ [لقمان: ۲۲]. لقد عرض القرآن الكريم آليات العلاج والدعم والوقاية للإنسان من الوقوع في براثن الأمراض النفسية. كما قدم الخطوات العملية لكيفية التعامل مع المشاكل والظروف والتغيرات التي يمكن أن يواجهها الإنسان. فهو يعد أداة فعالة للعلاج والدعم النفسي والوقائي للمؤمن بما يحقق السلام النفسي والتغلب على العديد من الأمراض النفسية.
ولا يخفى كذلك ما يقدمه القرآن للفرد من وسائل وقائية من الأمراض النفسية شل: الروابط الاجتماعية، العلاقات الاجتماعية القوية والدعم النفسي من الأصدقاء والعائلة... كلها عوامل تسهم في الوقاية من الأمراض النفسية. وتعتبر الشبكات الاجتماعية مصدرا أساسيا للدعم العاطفي بحسب الدراسات النفسية المتخصصة(٣).
ونظرا لكثرة المراجع والدراسات المتعلقة بجزئيات تبين الصلة الوثيقة العميقة بين ما جاء ذكره في القرآن الكريم وبين أحدث الدراسات العلمية في الصحة النفسية (١)؛ يكتفى هنا بالأمثلة السابقة مع تأكيد الدراسة أهمية مواصلة الباحثين المتخصصين في هذه المجالات للكشف عن تلك الدقائق واللطائف القرآنية التي تكفل للإنسان حياة نفسية سليمة رغم الظروف المحيطة به لتجعل منه مكلفا قادرا على تحمل مهمة الاستخلاف في الأرض، بل يمكن أن تشكل دعائم لتأسيس علم نفس إسلامي واقعي(٢).
ثالثا : مفهوم المرض النفسي في التراث الإسلامي
لقد كان للقرآن الكريم دور كبير في محاربة كل أشكال الخرافات والشعوذة ليوجه الناس إلى التداوي القائم على العلم والملاحظة والتجربة. وبهذا بلور مفاهيم الاحترام والتكريم لعقل الإنسان وتحرير العقل من سلطة الخضوع للكهنة والمشعوذين والدجالين الذين غالبا ما كانوا يدعون قدرتهم على التعامل مع الأمراض النفسية وغيرها بأساليب لا تخرج عن الكهانة والشعوذة والخزعبلات المتوارثة.
وعلى النقيض من ذلك فقد اعتبر علماء المسلمين علاج النفس البشرية أساسا لتحقيق التوازن والاعتدال النفسي، وحاول بعضهم الربط بين العقل والجسد؛ ويعد أبو بكر الرازي من أوائل من أدرك هذه العلاقة مؤكدا أهمية العلاج النفسي جنبا إلى جنب مع العلاج السريري، وكتب عن الأمراض النفسية مثل: الاكتئاب والقلق، ووصف طرقا لعلاجها، رافضا فكرة الثنائية والاختلاف بين صحة الجسد والصحة النفسية، فالصحة العقلية ومدى احترام الذات هي إحدى العناصر التي تؤثر ـ بشكل مباشر ـ على مستوى صحة الشخص ومقدار عافيته وسلامته (٣). ويمكننا القول: إن علماء المسلمين القدامى تناولوا الظواهر النفسية من زوايا اهتمامهم العلمي المختلفة، لكنهم عالجوها بوعي تام بأنها وظائف وعمليات وعلاقات في النفس الإنسانية تعالج بأساليب قائمة على العلم، ولم ينظر إليها على أنها وصمة عار أو خزي تستدعي العزلة عن المجتمع أو دالفا للدخول في عالم الخرافات والشعوذة.
المبحث الثاني
مفهوم الأهلية في الشريعة الإسلامية أنواعها ومناطاتها
أولا : مفهوم الأهلية
الأهلية في اللغة الصلاحية؛ إذ يقال «فلان أهل لبيع ما يريد» بمعنى أنه صالح لذلك. أما في الاصطلاح الفقهي، فالأهلية تعني صلاحية الإنسان لأن تثبت له الحقوق وتلزمه الواجبات، وأن يكون مؤهلا لإبرام العقود وإنشاء التصرفات، بما يعني صلاحيته للالتزام غيره والالتزام نفسه(١).
وتتحقق الأهلية الكاملة عندما تجتمع في الشخص أوصاف الإسلام، العقل، البلوغ، العدالة، والحرية، ولا يعتد بتصرفات من يفقد هذه الأوصاف. ومن الجدير بالذكر أن هناك صلة قوية بين الأهلية والذمة حتى إن كثيرا من الفقهاء، ساوى بينهما، فاعتبر الذمة هي الأهلية، كما أشار إلى ذلك القرافي في «الفروق»؛ حيث قال: «اعلم أن الذمة أشكلت معرفتها على كثير من الفقهاء، فهناك جماعة تعتقد أنها أهلية المعاملة»(٢). إلا أن الذمة وأهلية الوجوب الكاملة متلازمتان في وجودهما، ولكنهما متغايرتان في مفهومهما.
وتتدرج الأهلية مع سن الإنسان وتنقسم الأهلية إلى أهلية وجوب وأهلية أداء؛ حيث تبدأ أهلية الوجوب منذ تكون الإنسان جنينا، وعند بلوغ السابعة يعتبر الصغير غير مميز فلا تثبت له واجبات تجاه الغير. وتتطور الأهلية هنا بمرور الزمن؛ فمن سن السابعة إلى الرشد يكون للصبي أهلية أداء ناقصة يجوز له خلالها ممارسة بعض التصرفات المنفعة، وعند البلوغ والرشد، يتمتع الشخص بأهلية أداء كاملة، شريطة عدم وجود عوارض تمنع ذلك، يكون متمتعا بكامل قواه العقلية، وغير محجور عليه.
ثانيا : أنواع الأهلية
أهلية الوجوب تنقسم أهلية الوجوب إلى ناقصة وكاملة؛ الناقصة تمكن الجنين من تثبيت حقوق مثل الميراث والنسب، في حين تبدأ الكاملة بالولادة وتشمل الحقوق المالية وبعض الواجبات التي يمكن أداؤها بالنيابة. تعتبر الذمة المالية المحور الذي يتمحور حوله مناط أهلية الوجوب الكاملة.
وأهلية الأداء تمثل أعلى مستويات الأهلية الشرعية، ولا يتم اكتسابها إلا وفق شروط معينة. تتطلب هذه الأهلية توفر العقل والتمييز، وتنقسم إلى أهلية ناقصة وأهلية كاملة. تبدأ الأهلية الناقصة من سن السابعة وتزداد تدريجيا حتى يصل الشخص إلى سن الرشد. تمنح الأهلية الكاملة للإنسان القدرة على تنفيذ جميع التكاليف الشرعية والتصرف الكامل في أمواله. (١)
فأهلية الأداء هي التي تجعل الإنسان أهلا للمعاملة مع الناس، وعباراته صحيحة لقبول وثبوت الحقوق له أو عليه، ومناط هذه الأهلية التمييز والعقل.
ثالثا : ضوابط الأهلية ومناطاتها
ثمة ضوابط يجب مراعاتها والتقيد بها عند مناقشة أي عارض في جميع التصرفات والتكاليف الشرعية. وتعد هذه الضوابط أساسية عامة تشمل جميع الحقوق المرتبطة بالمكلف، ويمكن أن يضاف إليها ضوابط فرعية خاصة بكل عارض، حسب الحالة أو الظاهرة.
ففي الشريعة الإسلامية، مناط أهلية الوجوب: «الصفة الإنسانية»، ولا علاقة لها بـ«السن»، أو «العقل»، أو «الرشد»، بل إن كل إنسان في أي طور أو صفة، حتى وإن كان صغيرا أو مجنونا، يعتبر متمتعا بأهلية الوجوب.
فالصفة الإنسانية هي الضابط الأول لأهلية الوجوب. أي أن أهلية الوجوب تبنى على تحقق الذمة ووجودها لدى من تثبت له الأهلية، ومن هنا يختص الإنسان بالوجوب دون الحيوانات التي ليست لها ذمة. أما الذمة فهي وعاء اعتباري يقدر وجوده في النص لتثبيت الديون وسائر التزامات التي تترتب على الشخص. كما أن التكليف لا يتوجه إلى أحد إلا إذا كان متمتعا بالقدرة البدنية بجانب العنصر العقلي؛ لأن التكاليف الدينية العملية تتطلب القدرة البدنية، وتشمل العبادات كالصلاة والصيام والحج، وكذلك الواجبات العملية الكفائية المختلفة.
رابعا : عوارض الأهلية
الأهلية تتأثر بأنواع مختلفة من العوارض والأقسام والقواعد والأحكام التي تعتمد على حالة الإنسان وطوره ووضعه الطبيعي الذي ولد فيه. فمن الممكن أن يتعرض الشخص لعوارض جسدية أو عقلية تؤثر على أهليته بشكل كلي أو جزئي، وتتفاوت درجة تأثير هذه العوارض بناء على نوعها وطبيعتها. لذلك، قسم علماء الأصول هذه العوارض إلى قسمين:
العوارض السماوية أو الأصلية، وتعرف أيضا بالعوارض الجبلية.
والعوارض جمع كلمة عارض أو عارضة، وتعني الخصلة الطارئة أو الآفة الطارئة. وتفهم كلمة «عوارض» هنا على أنها ليست من الصفات الذاتية. فالعارض الطبيعي أو الجبلي هو الأمر الذي يصيب الإنسان دون أن يكون له دور في حدوثه أو توقيته. فوجوده ووقوعه يرجعان إلى مشيئة الله سبحانه وتعالى؛ حيث إن هذه العوارض تأتي خارجة عن إرادة الإنسان واختياره. (٢)
والحديث في هذا السياق عن عوارض الأهلية من حيث إنها الحالات التي يبلغ فيها الإنسان سن الرشد عاقلا سليما (كامل الأهلية) ثم يصاب بعارض ينقص من تلك الأهلية أو يعدمها، وقد يبلغ سن الرشد مصابا بعارض من عوارض الأهلية ينقصها أو يعدمها.
فهل تدخل الأمراض النفسية تحت هذه العوارض بما يؤدي إلى نقص أهلية الأداء أو فقدانها وانعدامها؟
المبحث الثالث
أنواع الأمراض النفسية وتصنيفاتها وتأثيراتها في الأهلية
استعمل أغلب الفقهاء مصطلح (الجنون) كمصطلح عام وشامل يحيط بجميع أنواع الأمراض العقلية والنفسية لكونه يؤثر في سلامة الإدراك والعقل؛ إلا أن مفهوم الجنون في مصطلحات الطب العقلي والنفسي لا يشمل ولا يعبر عن كل الاضطرابات العقلية والنفسية التي قد تصيب الشخص. كما أنه في ظل التطورات والتغيرات الحاصلة في مجال الطب النفسي والتشخيص وأساليب العلاج؛ فإن تحديد عوارض الأهلية من فقدها ونقصها من الناحية الطبية ـ بالشكل الذي اعتمده الفقهاء السابقون رحمهم الله: (الجنون والعته والسفه والغفلة) ـ يعد من الأمور التي تحتاج إلى التواصل الجاد والمستمر بين أهل الاختصاص وعلماء الشريعة؛ إذ لا بد من الأخذ بالاعتبار تطور تصنيفات الأمراض النفسية عند أهل الاختصاص وتحديد أعراضها وتمييزها لما يحدث من تداخل بينها وبين أعراضها وتطور علاجاتها وتغيره من حالة لأخرى ومن مرحلة إلى غيرها.
الأمر الذي يؤكد حاجة المجامع الفقهية والموسوعات المعتبرة في الفقه الإسلامي إلى النظر والتقصي في التصنيفات الحديثة للاضطرابات النفسية والعقلية المفقدة للأهلية والمنقصة لها؛ مما يقتضي أهمية تقريب المصطلحات الطبية للأمراض النفسية وغيرها بأسماء ومفردات فقهية مناسبة، تتسق مع مقاصد الشريعة والأحكام المترتبة عليها، كما ينبغي أن يؤخذ بآراء الخبراء في كل مجال.
أولا : أنواع وتصنيفات الأمراض النفسية وأكثرها شيوعا
تتنوع الأمراض النفسية وتتفاوت وتختلف من حيث شدتها وتأثيرها على الإنسان المصاب بها. ونظرا لتعدد هذه الأمراض واختلاف تأثيرها على الإنسان، حاول علماء الطب النفسي تصنيفها إلى فئات من أجل تسهيل دراستها وبيان أعراضها. ويعد تصنيف منظمة الصحة العالمية الأشهر والأكثر دقة وشمولية (ICD-10)(١). وهو تصنيف تتم مراجعته بشكل دوري؛ نظرا للتطور في فهم الأمراض النفسية مع تقدم الأبحاث في مجال العلوم النفسية والعصبية؛ إذ يتغير فهم الأمراض النفسية تبعا لذلك، كما تسهم الاكتشافات الجديدة في تحسين التشخيص والعلاج، مما يستدعي تحديث التصنيفات لتكون متوافقة مع أحدث المعارف العلمية. كما أن المعايير المستخدمة لتشخيص الأمراض النفسية مع مرور الوقت تتغير، بناء على الأبحاث السريرية والمراجعات العلمية. هذه التغييرات يمكن أن تؤدي إلى إعادة تصنيف بعض الأمراض أو إضافة أمراض جديدة لم تكن معروفة سابقا.
فمراجعة التصنيفات تساعد على تكييف إستراتيجيات الصحة العامة لتلبية الاحتياجات المتغيرة للسكان في مختلف أنحاء العالم وتحسين دقة التشخيص وتطوير علاجات أكثر فعالية.
وتتفرع الأمراض النفسية إلى ٣٠٠ مرض نفسي وفقا لشدة خطورتها؛ منها ما هو شديد الخطورة، ومتوسط الخطورة، ومنخفض الخطورة.
والأمراض النفسية ـ وفق التصنيف الأشهر الصادر عن منظمة الصحة العالمية ـ على النحو التالي:
- الاضطرابات النفسية العضوية: وتشمل الخرف، وهو مجموعة من الأعراض التي تصيب الدماغ بحيث تعيق الوظائف الدماغية الطبيعية، مثل: التفكير والقدرة على حل المشاكل واستعمال اللغة، وهذا ـ بدوره ـ يعيق أداء الشخص الوظيفي والاجتماعي. كما تشمل الاضطرابات كذلك: الهذيان وهو خلل في الوعي وإدراك البيئة المحيطة، يتميز بصعوبة التركيز والانتباه، وتغيرات في الإدراك، مما يؤدي إلى النسيان وعدم الوعي بالزمان والمكان، والتلعثم في الكلام. قد يشعر المريض بعدم القدرة على التعرف على الأماكن المألوفة ويعاني من الهلوسات، مثل تخيل أصوات وأشياء غير موجودة، إلى جانب اضطرابات في الكلام والحركات مثل رجفان الأصابع والأيدي، وأحيانا تصرفات عنيفة وتغيرات عاطفية مفاجئة. وقد تستمر هذه الأعراض لفترات قصيرة تتراوح بين ساعات وأيام قليلة وتكون متقلبة. ومنها: متلازمة فقدان الذاكرة وهي اضطراب دماغي عضوي يؤدي إلى اضطراب الذاكرة على المدى القصير. يمكن أن ينجم عن عدة أسباب، مثل: تعاطي الكحول، وإصابات الرأس، ونقص الأكسجين في الدماغ، وانسداد الشرايين، وسوء استخدام الأدوية، والتسمم، والتهاب الدماغ، ونقص سكر الدم. تتجلى الأعراض في صعوبة تذكر الأشياء، صعوبة التعلم واكتساب معلومات جديدة، والشعور بالإحباط(١).
- الاضطرابات النفسية والسلوكية الناجمة عن تعاطي المؤثرات العقلية: مثل الكحول، والأفيون، والحشيش، والمهدئات، والمنومات، والتبغ.
- اضطرابات الفصام: وهو اضطراب نفسي يتميز بسلوك اجتماعي غير طبيعي وفشل في تمييز الواقع. تشمل الأعراض الشائعة لهذا الاضطراب الأوهام، اضطراب الفكر، الهلوسة السمعية، بالإضافة إلى انخفاض المشاركة الاجتماعية، التعبير العاطفي، وانعدام الإرادة. غالبا ما يعاني المصابون بالفصام من مشاكل نفسية أخرى مثل اضطراب القلق، الاضطراب الاكتئابي، واضطراب تعاطي المخدرات. وعادة ما تظهر الأعراض تدريجيا، حيث تبدأ في مرحلة البلوغ وتستمر لمدة طويلة(١). ويعد انفصام الشخصية أو الشيزوفرينيا من أكثر أنواع الأمراض النفسية الخطيرة والمزمنة، التي تؤثر - سلبا - على السلامة العقلية للمريض؛ إذ تختلف الأعراض وفقا لشدة خطورتها ونوعها.
- الاضطرابات المزاجية (الوجدانية): تتضمن نوبات الهوس والاضطراب الوجداني وهو اضطراب نفسي مزمن ووراثي، يتميز بتقلبات مزاجية غير عادية تشمل نوبات من الاكتئاب والهوس أو كليهما بالتناوب في حياة المريض. قد يظهر هذا الاضطراب أحيانا من دون أعراض واضحة أو يكون مصحوبا بأعراض خفيفة، والنوبة الاكتئابية، والاضطراب الاكتئابي المتكرر وهو: حالة مزاجية تعتري الإنسان لأسباب معينة، أو قد يكون من دون سبب، وقد تصل هذه الحالة إلى الشدة بحيث تؤثر على التفكير والسلوك والانفعالات والصحة البدنية، وقد يدفع المصاب به إلى إيذاء نفسه والآخرين(٢).
- الاضطرابات العصابية المرتبطة بالكرب والاضطرابات جسدية الشكل: مثل اضطرابات القلق الرهابي، الاضطراب الوسواسي القهري، والاضطرابات المرتبطة بالقلق الأخرى، وهي مجموعة من الاضطرابات النفسية التي يثير فيها القلق والخوف حالات معينة بشكل غير منطقي ومفرط؛ مما يؤدي إلى تجنب هذه المواقف أو الأشياء بشكل قهري. تشمل هذه الاضطرابات عدة أنواع، مثل: الرهاب الاجتماعي، الذي يتسم بالخوف من المواقف الاجتماعية أو الأداء أمام الآخرين، والرهاب المحدد، الذي يتعلق بالخوف من أشياء أو مواقف محددة، مثل: الطيران أو المرتفعات أو الحيوانات. تتميز هذه الاضطرابات بمستوى عال من القلق الذي يتجاوز بكثير التهديد الفعلي الذي تشكله هذه المواقف أو الأشياء.(١)
- المتلازمات السلوكية المصحوبة باضطرابات فسيولوجية وعوامل جسمية: مثل: اضطرابات الأكل، واضطرابات النوم غير العضوية، وخلل الوظيفة الجنسية غير الناجم عن اضطراب أو مرض عضوي.
- اضطرابات شخصية البالغين وسلوكهم: تشمل اضطرابات الشخصية النوعية، مثل: اضطراب الشخصية التجنبية، اضطرابات العادات والنزوات، اضطرابات الهوية الجنسية.
- التخلف العقلي: يشمل درجات وأنواع التخلف العقلي المختلفة.
- اضطرابات النماء النفسي: تتضمن الاضطرابات النمائية النوعية في الكلام واللغة والمهارات الدراسية، والاضطرابات النمائية المنتشرة، مثل: اضطرابات ذاتوية الطفولة (التوحد).
- الاضطرابات السلوكية والانفعالية التي تبدأ عادة في الطفولة والمراهقة: مثل اضطرابات فرط الحركة، اضطرابات التصرف اضطراب السلوك)، اضطراب قلق الانفصال في الطفولة، واضطراب التبول اللاإرادي غير العضوي(٢).
وتشمل الأمراض النفسية بأنواعها تحديا صحيا عالميا متزايدا؛ إذ تؤثر على ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم. وتشهد المجتمعات في الوقت الحاضر ارتفاعا ملحوظا في انتشار هذه الأمراض، مع تأثيرات كبيرة على الأفراد والأسر والمجتمعات بأكملها.
حيث تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن الاضطراب النفسي يصيب شخصا واحدا من كل ٨ أشخاص في العالم. وتنطوي الاضطرابات النفسية على اختلالات جسيمة في التفكير أو ضبط المشاعر أو السلوك هناك أنواع كثيرة ومختلفة من الاضطرابات النفسية. ويتميز الاضطراب النفسي باختلال سريري جسيم في إدراك الفرد أو ضبطه لمشاعره أو سلوكه، وعادة ما يرتبط بالكرب أو بقصور في مجالات مهمة من الأداء، علما بأن أنواع الاضطرابات النفسية كثيرة ومختلفة.
وفي عام ٢٠١٩، كان شخص واحد من كل ٨ أشخاص، أو ٩٧٠ مليون شخص في جميع أنحاء العالم، مصابين باضطراب نفسي، وكان القلق والاكتئاب الشكلين الأكثر شيوعا من تلك الاضطرابات. أما عام ٢٠٢٠، فقد شهد ارتفاعا كبيرا في عدد من يعانون من اضطرابات القلق والاكتئاب بسبب جائحة كوفيد -١٩، حيث تبين التقديرات الأولية زيادة في اضطرابات القلق بنسبة ٢٦٪ واضطرابات الاكتئاب الرئيسة بنسبة ٢٨٪ خلال عام واحد فقط.. ورغم وجود خيارات فعالة في مجالي الوقاية والعلاج، فإن معظم المصابين بالاضطرابات النفسية لا تتاح لهم رعاية فعالة، كذلك يعاني كثيرون من الوصم والتمييز وانتهاكات حقوق الإنسان.
كما تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن الاكتئاب يؤثر على أكثر من ٢٨٠ مليون شخص حول العالم. وخطر الإصابة باضطراب الاكتئاب الرئيس لدى النساء أعلى بما يقارب الضعف مقارنة بالرجال؛ يعزى ذلك إلى التغيرات الهرمونية في مرحلة البلوغ والحمل والإجهاض، بالإضافة إلى التوتر الذي تتعرض له في أثناء موازنتها لضغوطات البيت والعمل (١).
كما يعاني حوالي ٢٨٤ مليون شخص من اضطرابات القلق، وتشمل هذه الاضطرابات: اضطراب القلق العام، واضطراب الهلع، والقلق الاجتماعي أو الرهاب. كما يصيب الفصام حوالي ٢٠ مليون شخص ـ عالميا ـ ويؤدي إلى اضطرابات شديدة في التفكير والسلوك.
أما الاضطراب ثنائي القطب؛ فيعاني منه حوالي ٤٥ مليون شخص، وهو اضطراب يتسم بتقلبات مزاجية حادة بين الهوس والاكتئاب، وتنتشر اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD) - بشكل خاص ـ في المناطق المتأثرة بالنزاعات والحروب، ويؤثر على ملايين الأشخاص الذين تعرضوا لتجارب صادمة(١).
ويشكل هذا الارتفاع مؤشرات خطيرة على مؤسسة الأسرة ـ بشكل خاص ـ إلى جانب الفرد، كما يؤثر ـ بشكل كبير ـ على جميع أفراد الأسرة. فقد تواجه العائلات العزلة الاجتماعية بسبب الوصمة المرتبطة بالأمراض النفسية، مما يؤدي إلى تقليل الدعم الاجتماعي لها. كما قد تتغير الأدوار والمسؤوليات داخل الأسرة للتكيف مع احتياجات الفرد المصاب؛ مما يسبب توترا بين الأفراد، إضافة إلى تكلفة العلاج والأدوية المرتفعة لغالب الأمراض النفسية؛ بما يشكل عبئا ماليا على الأسرة. كما يظهر الأطفال الذين يعيشون في بيئة متوترة في الغالب سلوكيات غير منتظمة أو يعانون من مشاكل بسبب القلق المستمر والتوتر الحاصل في الأسرة. الأمر الذي يقتضي الاهتمام بهذه الموضوعات في سياق الحديث عن الأمراض النفسية.
كما أن الوضع يستدعي الاهتمام بأسر المرضى النفسيين من خلال الدعم من مستشارين نفسيين، أو مجموعات دعم، أو مؤسسات صحية متخصصة إلى جانب تثقيف أفراد الأسرة حول المرض النفسي وكيفية التعامل معه؛ يمكن أن يساعد على تقليل الخوف والوصمة، وتحسين قدرة الأسرة على التكيف.
ثانيا : أسباب انتشار الأمراض النفسية
تتداخل عدة عوامل في تطور الأمراض النفسية وانتشارها، ويمكن تصنيف هذه العوامل إلى ثلاث فئات رئيسة: العوامل المهيئة، والعوامل المظهرة، والعوامل البيئية. كل من هذه الفئات تسهم ـ بطريقة مختلفة ـ في ظهور وتفاقم الاضطرابات النفسية.
- العوامل الوراثية: تلعب الجينات دورا كبيرا في احتمالية الإصابة بالاضطرابات النفسية. فالأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي من الأمراض النفسية يكونون أكثر عرضة للإصابة. كما أن التغيرات الكيميائية في الدماغ؛ إذ إن الاختلالات في النواقل العصبية، مثل السيروتونين والدوبامين يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات مثل الاكتئاب والقلق (١).
- العوامل المظهرة (الحافزات): يمكن إجمال العوامل المحفزة في النقاط الرئيسة التالية:
- التعرض لأحداث مؤلمة، مثل: فقدان شخص عزيز، الحوادث، الاعتداءات، يمكن أن يحفز ظهور اضطرابات نفسية، مثل اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب.
- الضغوط المزمنة الناتجة عن العمل أو العلاقات الشخصية أو المشاكل المالية يمكن أن تكون حافزا لظهور اضطرابات القلق والاكتئاب (٢).
- الإصابة بأمراض مزمنة أو خطيرة، مثل: السرطان أو أمراض القلب يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات نفسية نتيجة للضغط النفسي والجسدي المرتبط بهذه الأمراض.
- تعاطي المخدرات والكحول يمكن أن يسهم في ظهور أو تفاقم الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب والقلق والذهان.
- التوتر والضغط النفسي: الضغوط اليومية المتزايدة، سواء من العمل أو الحياة الشخصية؛ تسهم في زيادة معدلات القلق والاكتئاب.
- وتسهم الظروف الاقتصادية الصعبة في زيادة معدلات القلق والاكتئاب مثل الفقر، البطالة، غلاء المعيشة، الأوبئة وانتشارها، مثل جائحة كورونا.
- العزلة الاجتماعية: قلة الدعم الاجتماعي والوحدة يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الاضطرابات النفسية.
- ويبدو أن ازدياد الضغوط الحياتية بشكل كبير في المجتمعات المعاصرة بسبب التغيرات الاقتصادية والاجتماعية السريعة - الفقر، البطالة، وارتفاع تكلفة المعيشة - يسهم في زيادة مستويات القلق والاكتئاب. (١)
- كما يشكل الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي عاملا في زيادة معدلات القلق والاكتئاب، والشعور بالعزلة، والمقارنة الاجتماعية السلبية، وتدني احترام الذات ... مما يستدعي الترشيد والتوعية في التعامل معها.
- العوامل البيئية: تسهم النزاعات والحروب في ازدياد معدلات اضطراب ما بعد الصدمة والقلق إلى جانب الأحداث الكارثية، مثل: الزلازل والفيضانات التي يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات نفسية بين الناجين. وفي السياق الحالي الذي يشهد تصاعدا في الحروب والتوترات العالمية، والذي ينعكس على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام، يتعرض الأفراد لضغوط نفسية واجتماعية قد تؤثر ـ بشكل كبير ـ على ارتفاع الأمراض النفسية وتزايد أعراضها إلى جانب ظهور اضطرابات اجتماعية تتراوح بين القلق والاكتئاب إلى حالات أكثر خطورة، مثل: اضطرابات الإجهاد النفسي الشديد واضطرابات ما بعد الصدمة.
ويعد اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): اضطرابا نفسيا يتطور بعد التعرض لحدث صادم أو مرعب. وتشمل الأحداث الصادمة الشائعة: الحروب، والاعتداءات الجسدية أو الجنسية، والحوادث الخطيرة، أو الكوارث الطبيعية. (٢) وهي حالة نفسية لم تكن معروفة في الطب النفسي قبل عام ١٩٨٠م. وكان العلماء، قبل ذلك يستخدمون مصطلحات مختلفة، مثل: «صدمة القصف» أو «صدمة المعارك». وفي عام ١٩٨٠م أدخلت الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA) مصطلح PTSD للإشارة إلى اضطراب نفسي يتبع حدوث الصدمة بسبب الحرب. وقد كشفت بعض الدراسات الحديثة أن الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة بدرجة شديدة أو متوسطة؛ لا يفصلون بين الواقع والخيال، فالمصاب يخلط بين أحلامه وواقعه مع وجود الأرق والإرهاق الذهني والجسدي. وهذه الصعوبات يمكن أن تؤدي إلى تدهور واضح في وظائف الأسرة التي يعيش فيها المصابون، وزيادة في حالات العنف المنزلي(١).
وتعد الحروب من أخطر الظروف التي تتسبب في حدوث اضطراب ما بعد الصدمة بوجه عام، وبشكل الأمر خطورة أكبر بالنسبة للأطفال، إلا أن الدراسات التي تناولت هذا الموضوع عند الأطفال لا تزال محدودة بصورة عامة.
وهكذا تتداخل العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية والبيئية لتؤدي إلى زيادة معدلات الأمراض النفسية. الأمر الذي يجعل من الضروري تعزيز الوعي حول الصحة النفسية، وتوفير الدعم اللازم للأفراد المتأثرين وأسرهم، والعمل على تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية لتقليل العوامل المسهمة في انتشار الاضطرابات النفسي.
وعلى الرغم من انتشار الأمراض النفسية، إلا أنه في كثير من الأحيان لا يتم تشخيصها، ويبقى العديد من المرضى يترددون في طلب المساعدة الطبية. الأمر الذي يترتب عليه تفاقم الآثار والنتائج المترتبة على الفرد المصاب وأسرته ومن حوله.
ثالثا : تأثير الأمراض النفسية بأنواعها على الأهلية
تختلف الأمراض النفسية في أنواعها ومدى تأثيرها على أهلية الإنسان، كما أنها تتفاوت وفقا لدرجة فقدان الإدراك والتمييز التي يعاني منها المريض. فإذا كان المرض يؤدي إلى فقدان الإدراك والتمييز بالكامل بين الصحيح والخاطئ؛ فتنطبق عليه أحكام الجنون ويكون فاقدا لأهلية الأداء بشكل كامل. أما إذا كان الإدراك والتمييز يتناقصان تناقصا جزئيا فحسب، فإنه يمكن إلحاق المريض بالمعتوه حيث يتم تطبيق أحكام خاصة تعترف بتناقص قدراته العقلية والتمييزية في بعض الجوانب. وهذا المصاب يختلف عن الأصحاء الذين يحتفظون بإدراكهم وتمييزهم بشكل كامل طوال الوقت. والمعيار الأساس لتحديد نوعية حالة المريض النفسي وتأثير الأمراض النفسية على الأهلية يعتمد على تقييم أهل التخصص النفسي، فهم يقومون بتحديد مدى تأثير الاضطرابات النفسية على قدرات المريض على التفكير والإدراك والتمييز، وبناء على ذلك، يتخذون القرارات المناسبة بشأن العلاج وتقييم الحالة والدعم اللازم.
والعوارض التي تؤثر في الأهلية؛ منها ما يؤثر على العقل، ومنها ما يؤثر على الرشد. فالعوارض التي تؤثر في العقل اثنان، وهما: الجنون والعته، والعوارض التي تؤثر في الرشد اثنان كذلك: السفه والغفلة. وهذه الدراسة تختص بالحديث عن العوارض التي تؤثر في العقل.
ومن العوارض التي تؤثر في الأهلية بشكل عام: الجنون، وهو: حالة عقلية تؤدي إلى فقدان الشخص القدرة على التمييز والتحكم في تصرفاته. إلى جانب الصغر، وهو: مدة الطفولة التي لا يمتلك فيها الإنسان النضج العقلي الكامل، والهرم، وهو: حالة الكبر في السن التي تصاحبها ضعف القدرة العقلية والجسدية إضافة إلى المرض العقلي الذي هو حالات صحية عقلية تؤثر على الإدراك والتصرفات بشكل كبير.
فالإنسان إذا كان كامل الأهلية ومتمتعا بقواه العقلية وأصيب بعارض من العوارض التي تذهب العقل الذي هو مناط الرشد والتكليف؛ فإن أهليته تسقط أو تنقص بحسب حال العارض قوة وضعفا واستمرارا وتقطعا، وإذا زال ذلك العارض فإن أهليته تعود إليه مرة أخرى، ويمكنه ممارسة حياته بصورة طبيعية، والقيام بكل ما كان يقوم به من واجبات دينية وتصرفات والتزامات وبيع وشراء فالعوارض تنتهي آثارها بمجرد زوالها، ويعود الإنسان كامل الأهلية كما كان من قبل.
وحيث إن الأهلية في الفقه الإسلامي تنقسم إلى نوعين رئيسين: أهلية الوجوب التي تشير صلاحية الإنسان لأن تثبت له الحقوق وتجب عليه الواجبات. هذه الأهلية تثبت لكل إنسان بمجرد كونه إنسانا، من لحظة كونه جنينا وحتى وفاته. فهذه الأهلية لا تتأثر بأي نوع من أنواع الأمراض النفسية. فهي صفة ثابتة لكل إنسان، وما وجب على المجنون بمقتضى هذه الأهلية؛ من واجبات مالية يؤديها عنه وليه. وإذا اعتدى على نفس أو مال فإنه يؤاخذ بذلك ماليا لا بدنيا. وأما أهلية الأداء التي تشير إلى صلاحية الإنسان لصدور القول أو الفعل منه بشكل يعتد به شرعا. قبل البلوغ، تعتبر أهلية الأداء قاصرة، وتصبح كاملة بعد البلوغ، بشرط تحقق شروط التكليف. فإذا اختلت هذه الشروط أو بعضها؛ أثر ذلك على أهلية الإنسان. وعلى هذا؛ فإن عوارض الأهلية أنواع:
- عوارض مزيلة للأهلية: هي الحالات التي ينعدم فيها العقل والتمييز، مثل: الجنون والنوم والإغماء. في هذه الحالات، تنعدم أهلية الشخص كما تنعدم أهلية الصبي غير المميز.
- عوارض منقصة للأهلية: هي الحالات التي ينعدم فيها التمييز، مثل: حالة الصبي المميز، حيث تعتبر تصرفاته النافعة له نفعا محضا.
- عوارض تؤثر في بعض التصرفات: هي الحالات التي تؤثر على الحكم في بعض التصرفات، مثل: السفه والسكر ومرض الموت.
من هنا يمكن تصنيف تأثير الأمراض النفسية على الأهلية (أهلية الأداء) إلى:
- أمراض نفسية مزيلة للإدراك مؤثرة ومفقدة لأهلية الأداء:
وتشمل هذه الفئة كل مرض أو اختلال يؤدي إلى انعدام الإدراك والتمييز لدى المصاب بها كليا أو جزئيا، بحيث يصبح المصاب بها في حكم المجنون. فالأساس في تحديد وتصنيف الاختلالات والأمراض النفسية المفقدة للأهلية وإن اختلفت مسمياتها، على أنها حالة جنون أو عته؛ هو زوال الإدراك وذهاب العقل، سواء كان كليا فيعبر عنه بالجنون، أو جزئيا فيعبر عنه بالعته (في مصطلحات الفقهاء)، ولا عبرة بتسميات هذا النوع من الاضطراب سواء كان ذهانا أو عصابا أو غيرهما، وعليه فمتى سلم إدراك الشخص وتمييزه؛ فإن المضطرب نفسيا يعد مكلفا مؤهلا عاقلا مسئولا عن تصرفاته مهما كان نوع اضطرابه(١). وعليه، فإن فاقد الإدراك سواء سمي معتوها أو مجنونا أو كان له اسم آخر بحسب تصنيفات الأمراض النفسية الحديثة؛ فالعبرة في اكتساب أهلية الأداء وقيام المسئولية هو وجود الإدراك فإذا انعدم الإدراك في بعض الاضطرابات وإن اختلفت مسمياتها وتعددت مظاهرها كانت النتيجة هي فقدان الأهلية وإزالتها (٢). وهذا الأمر مهم في الحفاظ على خصوصية المصطلحات الشرعية والطبية كل في مجاله دون خلط مع تأكيد أهمية الوقوف عند المقصد وعدم الاشتغال بالمسميات المتغيرة.
ومن أمثلة هذه الأمراض:
- الخرف المتدهور: الذي يؤدي إلى فقدان العديد من القدرات المعرفية الأساسية للمريض، بما في ذلك: الذاكرة في مراحلها المختلفة، والتركيز، والقدرات التفكيرية وعملياتها، وحتى القدرة على الكلام وفهمه ومعرفة أسماء الأشياء (٣). ومن أهم أسباب الخرف المتدهور هو مرض الزهايمر، بالإضافة إلى أسباب أخرى، مثل: الخرف الوعائي، الخرف الجبهي الصدغي، وهذا يؤدي إلى فقدان القدرة على تكوين إرادة صحيحة، ومن ثم يؤدي إلى فقدان الأهلية (٤).
- التخلف العقلي الشديد: الذي يعطل القدرات العقلية الأساسية؛ حيث يصبح المريض غير قادر على التفكير السليم، والتركيز، والانفعال الصحيح، رغم أنه قد يكون واعيا بما حوله، لكنه لا يستطيع التمييز أو الإدراك الكامل. فهو حالة من الاضطرابات التنموية التي تتسم بتأخر شديد في التطور العقلي والوظيفي، ويؤثر - بشكل كبير ـ على قدرة الشخص على التفكير والتعلم والتكيف مع الحياة اليومية (١). وهو بهذا المعنى يقارب العته، الذي هو: خلل عقلي أقل من الجنون يصيب الشخص فيذهب بإدراكه ويفقده التمييز، والمعتوه يختلف عن المجنون في مظهره الهادئ غير العنيف. والناظر في كلام الفقهاء يجد أن العته يسلب صاحبه التكليف، وهو: ضعف في العقل ينشأ عنه ضعف في الوعي والإدراك ويتضح من خلال فساد الفهم وضعف التدبير؛ ويعتبر المعتوه ناقص الأهلية. أما الجنون فهو: اختلال في العقل ينشأ عنه اضطراب أو هيجان ويعد فاقدا للأهلية. والمبدأ العام في المجنون أنه يعتبر كالصغير غير المميز في جميع أحكامه. أما المعتوه فهناك خلاف في تصرفاته والغالب معاملته معاملة الصغير المميز؛ فتخضع تصرفاته للإجازة، والبعض فصل تعاملاته في أن أهليته تسمح له بإبرام العقود النافعة نفعا محضا دون العقود الضارة ضررا محضا، أما العقود الدائرة بين النفع والضرر فتكون موقوفة على إجازة الولي أو الوصي (٢).
- نوبة الفصام الحادة: وفيه يتأثر التفكير لدى المريض بشكل كبير، ويصبح محكوما بما يسمعه من هلاوس وما يقتنع به من ضلالات وأفكار وهمية، تعكس انقطاع المريض عن الواقع وفقدانه القدرة على التمييز بين الواقع والخيال؛ بما يؤدي إلى تصرفات وسلوكيات معينة تنطلق من تلك الأفكار، مما يجعله فاقدا للإرادة والاختيار، ومن ثم يصير فاقدا للأهلية.
- نوبات اضطرابات ثنائي القطب الحادة (Bipolar Disorder): التي تفضي إلى فقدان الوعي والإدراك (٣). ويمر المريض ببعض الفترات الطبيعية تماما. ويلحق بها كذلك نوبات الصرع الحادة التي ينجم عنها فقدان الوعي فهي تفقد وتزيل الأهلية؛ فإذا فقد الإنسان عقله وفقد القدرة على التمييز والحكم على الأمور من حوله، فإنه يصبح عديم الأهلية، كالمجنون والطفل الصغير. لذا، لا تعد التصرفات الصادرة منه صحيحة ولا ترتب عليها آثار شرعية. وهذه الحالة تعرف عند الفقهاء بـ (الجنون المتقطع) (١) إذا كانت تأتي وتذهب من حين لآخر، وإذا كان الإدراك يزول أو يضعف في حالة أو حالات معينة، ولكن المريض يدرك إدراكا تاما فيما عدا ذلك؛ فإنه يكون مكلفا فيما يدركه مؤهلا، ومجنونا في النواحي التي ينعدم أو يضعف فيها إدراكه أو تمييزه، فتسقط أهليته تبعا لها؛ وهو ما يعرف بالجنون المتقطع.
- أمراض نفسية غير مؤثرة في أهلية الأداء:
ذكرنا أن المعيار في الحكم على أهلية المريض؛ فقد الإدراك المستوجب فقد أهلية الأداء، ولا يضير اختلاف المسميات في تصنيفات هذه الأمراض النفسية؛ إذ العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني. الأمر الذي يسمح بالإفادة من تصنيفات وتسميات علم النفس المعاصر والمختصين فيه عند الحديث عن تأثير الأمراض النفسية على الأهلية. وأشهر الأمراض التي لا تؤثر في الأهلية إن كانت درجة المرض في المستويات الخفيفة؛ هي:
- الوسواس القهري: هو حالة تتميز بالأفكار والتصرفات التي لا تستطيع الشخص المصاب التحكم فيها، على الرغم من علمه بأنها غير منطقية وغير مقبولة. يتعرض المريض بالوسواس القهري لأفكار متكررة ومحيرة تجبره على القيام بأفعال متكررة بشكل مفرط، ويكون ذلك خارجا عن إرادته الحقيقية. ويشعر المصاب بالوسواس بالضغط النفسي الشديد نتيجة لهذه الأفكار والتصرفات القهرية؛ مما يؤثر على قدرته على اتخاذ القرارات بشكل صحيح ومنطقي. كما أنه قد يعوق الفرد عن أداء مهامه اليومية بسبب القلق المستمر وصعوبة التركيز، مما يؤثر على قدرته على الوفاء بالتزاماته. والمريض يعجز عن تحقيق الحكم السليم والمدروس في مواقف معينة بسبب الأفكار والأعمال التي يفرضها عليه الوسواس. على الرغم من وعي المريض بأن تصرفاته وأفكاره غير معقولة، فإنه يجد نفسه غير قادر على التحكم فيها أو التخلص منها بسهولة.(١) فهذا النوع من الأمراض يؤثر في الإرادة لكنه لا يؤثر في سلامة الإدراك والتمييز في درجته الخفيفة.
- الاكتئاب المزمن من الخفيف والمتوسط: وللاكتئاب أنواع وتصنيفات عديدة تبعا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية: الإصدار الخامس DSM-V يصنف الاكتئاب النفسي ضمن اضطرابات المزاج(٢). من هنا تبرز أهمية حكم أهل التخصص النفسي على حالة المريض بالاكتئاب وغيره من الاضطرابات النفسية ودورهم الحاسم في تقدير وتحليل حالة المريض، وتأثير ذلك على الأهلية يعكس القدرة على التفكير السليم واتخاذ القرارات الصائبة وفقا للمعايير الأخلاقية والقانونية. فالأطباء النفسيون هم المرجع الأساس لتحديد نوعية الاضطراب النفسي لدى المريض وتقدير حالته بدقة. فهم يمتلكون المعرفة والخبرة اللازمة للتعرف على أعراض الاكتئاب والتمييز بين الدرجات المختلفة من الشدة والتأثير على القدرات العقلية للمريض، مثل: القدرة على التركيز، والتفكير السليم، والقدرة على التفاعل الاجتماعي بشكل صحيح. فهذه الأمراض ـ في درجتها الخفيفة غير الحادة والشديدة ـ لا تفقد المصاب بها القدرة على الإدراك والتمييز؛ وبذلك يعد الإنسان كامل الأهلية في الأداء وتكون جميع تصرفاته معتبرة، وتترتب عليها الحقوق والواجبات الشرعية. ويكون الإنسان صالحا للتكاليف الشرعية كافة. ويلحق بها اضطرابات الأكل والنوم وهلع الأماكن العالية والمرتفعة... فهي لا تفقد المصاب بها القدرة على الإدراك أو التمييز؛ كما أن المصاب بها يطلب العلاج للتخلص من مثل هذه الحالات.
- أمراض نفسية منقصة للأهلية:
الأمراض النفسية ليست على درجة واحدة، والبعض منها تتفاوت حدته من وقت لآخر، فمنها ما هو خفيف لا تختل فيه الوظائف المعرفية والإدراكية ومنها ما يكون حادا؛ الأمر الذي يؤكد دور الطبيب النفسي المختص في تشخيص حالة المصاب والتعامل معها مع الأخذ بعين الاعتبار تداخل بعض الأعراض المصاحبة لها مع بعضها البعض، وصعوبة التشخيص أحيانا(١).
وعلى هذا فإن الحالات التي سبق ذكرها كحالات الاكتئاب المزمن، والوسواس القهري، والفصام وغيرها قد تؤدي بالمصاب إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة في أثناء نوبات الهوس والهيجان أو عدم القدرة على القيام بأي نشاط، مما يؤثر على أهلية الفرد في الالتزام بواجباته اليومية والمهنية(٢) ويكون لها أثرها في إنقاص الأهلية وتخفيف التكليف لا رفعه (٣).
فالاكتئاب - على سبيل المثال ـ حالة نفسية تتميز بالشعور بالحزن الشديد والانخفاض في المزاج، وقد يصاحبه فقدان الاهتمام والمتعة في الأنشطة اليومية والشعور بالإرهاق والقلق. يمكن أن يؤثر الاكتئاب الشديد بحسب درجته على الأهلية، ولكنه لا يعدمها، أي القدرة على اتخاذ القرارات وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية ومعايير الأخلاق والأعراف الاجتماعية.
كما تؤثر حالات الاكتئاب الشديدة على الأهلية بسبب التأثير السلبي على القدرة على التفكير السليم والتحليل العقلي (٤). يعاني المصاب بالاكتئاب غالبا من صعوبات في التركيز واتخاذ القرارات المدروسة؛ مما قد يؤدي إلى تقييم غير دقيق للأمور واتخاذ قرارات غير مدروسة أو غير مناسبة.
وعلى هذا فبحسب درجة الاكتئاب؛ يكون اعتباره عاملا مؤثرا في القدرة على تحمل المسؤولية، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف في الإرادة والاختيار؛ ومن ثم يؤدي إلى نقص في أهلية الأداء، بحسب تشخيص الدرجة والحالة. وكذلك الوسواس القهري في أثناء شدته؛ وعلى هذا ذهب الأساس؛ ذهب العلماء إلى أن صدور لفظ الطلاق - على سبيل المثال ـ من المصاب بالوسواس القهري؛ ينظر فيه إلى درجته بمعنى:
- إما أن يكون غير زائل العقل، أن يكون الطلاق بسبب غير الوسوسة كشخص وسوسته غير الطلاق كالطهارة مثلا، ثم طلق امرأته رغبة عنها، فيقع الطلاق اتفاقا؛ لأنه شخص مكلف طلق مختارا(١).
- وإما أن يكون الطلاق حين تشتد الوسوسة بالموسوس، وأن يحدث نفسه بالطلاق، فإذا حدث نفسه بالطلاق ولم يتلفظ بالطلاق، فقد اختلف الفقهاء في حدوث الطلاق من عدمه على قولين(٢): المختار منهما عدم وقوع الطلاق؛ وبه قال جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة ودليلهم على ذلك: أن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولو قلنا بصحة طلاق الموسوس بمجرد حديثه مع نفسه لكان ذلك تكليفا للإنسان بما ليس في وسعه، وهو منفي بنص القرآن؛ وهو الراجح وفق ما ذكر.
ويلحق بهذه الحالات كذلك: اضطراب ما بعد الصدمة الشديد؛ إذ يمكن أن يؤثر على الأهلية وينقصها؛ حيث يعاني المصاب من ضعف التركيز والذاكرة، الخوف الشديد والاكتئاب بما يؤدي إلى تدهور الحالة النفسية للشخص في حالته الحرجة. وهنا تظهر أهمية الحاجة إلى تقييم طبي ونفسي لتحديد مدى تأثير الاضطراب على أهليته. ويمكن للفقهاء والأطباء العمل معا لتقديم الرعاية المناسبة والتوجيه الشرعي لمثل هذه الحالات.
خلاصة القول إن الأمراض النفسية إذا أدت إلى فقد الإدراك والتمييز كليا؛ فإن المريض يدخل تحت أحكام الجنون؛ ومن ثم يفقد الأهلية، بخلاف الأمراض النفسية المؤدية إلى فقد الإدراك الجزئي، ففي هذه الحالة يمكن إلحاق المريض بالمعتوه ويأخذ أحكامه (٣). أما إذا كانت الحالات لا تؤثر في إدراك المريض وقدرته على التمييز؛ فهي لا تؤثر في أهليته.
وتشير التقارير العالمية إلى أن الأمراض النفسية باتت هاجسا وتحديا حقيقيا متزايدا للصحة العامة في مختلف أنحاء العالم. وتتراوح زيادة شيوعها بين القلق والاكتئاب، كما باتت فئات الشباب والنساء والأطفال من أكثر فئات المجتمع تعرضا للأمراض النفسية بمختلف أنواعها. كما سبقت الإشارة إلى أن درجات الاكتئاب تختلف وأنه - بشكل عام - لا يؤثر على الأهلية من حيث فقدان الإدراك والتمييز، إلا أنه يمكن أن يؤدي إلى: ضعف التركيز وصعوبة في اتخاذ القرارات، وانخفاض الطاقة والدافعية، مما يؤثر على قدرة الفرد على القيام بالمهام اليومية والعملية، كما أنه يمكن أن يؤثر على قدرة الفرد في تحمل المسؤوليات الاجتماعية والأسرية (٤).
رابعا : آليات تحديد أثر الأمراض النفسية على الأهلية وتخفيفها
لتحديد أهلية الإنسان للأداء والوجوب في الشريعة الإسلامية، من الضروري مراعاة الجوانب الطبية والشرعية معا. وهذا الأمر يتطلب هذا تعاونا وثيقا بين الفقهاء والأطباء النفسيين إضافة إلى الجهات القضائية المختصة؛ لضمان تقييم دقيق وعادل لحالة الفرد.
- الفحص الطبي: يجب أن يخضع الفرد لفحص طبي شامل يجرى بواسطة طبيب نفسي مختص لتحديد نوع المرض النفسي وشدته وتأثيره على القدرات العقلية.
- التشخيص الدقيق: يعتمد التشخيص على معايير محددة مثل: DSM-5 أو ICD-10، مع مراعاة الظروف الشخصية والثقافية للفرد.
- التقييم الدوري: فالأمراض النفسية قد تكون متغيرة؛ لذا يجب إجراء تقييم دوري للحالة النفسية للفرد لمتابعة التحسن أو التدهور. فعلى سبيل المثال: الاضطراب الوجداني ثنائي القطب يمكن أن يؤثر على الأهلية لدى المرضى المصابين به. الأهلية هنا تعني القدرة على اتخاذ القرارات بشكل صحيح وفقا للمعايير القانونية والأخلاقية. تتأثر الأهلية - بشكل رئيس ـ بالقدرة على التفكير والتمييز، وهذا ما يمكن أن يتأثر به المرضى ثنائيو القطب خلال فترات الهوج (ألمانيا) أو الاكتئاب الشديد. في أثناء فترة الهوج، يمكن أن يكون المريض غير قادر على التفكير بشكل منطقي ومتزن؛ مما قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات متهورة أو غير مناسبة. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون هناك زيادة في النشاط الجسدي والانفعالات المفرطة التي تؤثر على القدرة على الحكم السليم. من ناحية أخرى، في أثناء فترات الاكتئاب الشديد، يمكن أن يكون المريض مصابا بانخفاض شديد في المزاج وفقدان للاهتمام بالأمور اليومية؛ مما يمكن أن يؤثر على القدرة على التفكير واتخاذ القرارات. لذا، يجب أن يتم تقييم الأهلية لدى المصابين بأمراض نفسية خاصة: ثنائيي القطب - الاكتئاب - الفصام ... بشكل دقيق ومستمر، وقد يتطلب ذلك التدخل الطبي والقانوني المناسب لحماية مصالحهم ومنع وقوع أضرار جسيمة نتيجة لقرارات غير مدروسة خلال حالات الانزلاق الوجداني.
- استشارة الفقهاء وعلماء الشريعة: بعد الحصول على تقرير طبي مفصل، يتم استشارة فقيه متخصص لتحديد الأثر الشرعي للحالة الصحية مع ضمان تقديم الدعم النفسي للفرد المصاب من خلال جلسات علاجية منتظمة، ومساعدته على تحسين حالته النفسية.
- المراقبة المستمرة: متابعة حالة المصاب بشكل دوري؛ لتعديل التوصيات الشرعية إذا لزم الأمر، بناء على التغيرات في حالته الصحية (١).
فمسألة التحقق من أهلية الإنسان الذي تعرض لمرض نفسي، لا بد فيها من اتباع خطوات منهجية تتضمن التقييم الطبي والنفسي، بالإضافة إلى اتباع المعايير القانونية والأخلاقية؛ لضمان تحقق العدالة والنزاهة في الحكم الصادر، وبناء التصرفات عليه.
وتذهب الدراسة إلى أهمية وجود لجنة مشتركة بين المتخصصين في علم النفس والتشخيص وبين القانونيين وعلماء الشريعة. وبناء على ذلك يمكن إجمال الخطوات والإجراءات فيما يلي:
- تقديم تقييم طبي شامل لإجراء فحوص لتحديد الحالة الصحية العامة للمريض، بما في ذلك الفحوصات الجسدية والمخبرية. الهدف هو استبعاد أي أسباب عضوية قد تؤدي إلى أعراض نفسية.
- تقديم تقييم نفسي من قبل اختصاصي نفسي أو طبيب نفسي معتمد عند جهات الاختصاص والقانون. يتضمن هذا التقييم المقابلات السريرية، الاختبارات النفسية القياسية، وتقييم التاريخ النفسي والاجتماعي للمريض (١). خاصة وأنه من الصعب تشخيص بعض الاضطرابات، مثل اضطراب ثنائي القطب؛ لأن أعراضه تشبه بعض الحالات الأخرى، فيقوم الطبيب بطرح العديد من التساؤلات ومعرفة التاريخ المرضي، ونوبات الهوس والاكتئاب، خاصة أن العديد من الأطباء يقومون بتشخيصه أنه انفصام الشخصية وليس اضطراب ثنائي القطب؛ وهذا ينطبق على كثير من الحالات النفسية الأخرى كالفصام وغيره.
- تقييم قانوني لتحديد أهلية المريض من الناحية القانونية، بما في ذلك قدرته على اتخاذ القرارات المهمة المتعلقة بحياته وصحته وأموره المالية. يتم هذا التقييم عادة بالتعاون بين الأطباء والمحامين (٢). وقد يكون من المفيد إجراء تقييم للبيئة الاجتماعية للمريض، بما في ذلك الدعم العائلي والمجتمعي، وقدرته على التعامل مع الضغوط الاجتماعية. مع تأكيد أهمية مراعاة خصوصية المريض والحفاظ على كرامته وعدم المساس بها(٣).
- ومن التوصيات المهمة في هذا السياق تكوين مجموعات دعم من بين المرضى وبين المتعافين منهم لمشاركة تجاربهم ومعاناتهم وتقديم الدعم النفسي المتبادل.
- توفير دورات تدريب الأئمة والقادة الدينيين على تقديم الدعم النفسي والمعنوي للمصابين النفسيين، وخاصة المصابين باضطرابات ما بعد الصدمات، وتأكيد أن المرض النفسي لا علاقة له بضعف الإيمان وزيادته في أغلب الحالات.
- دعم المكتبة العربية الإسلامية في مجالات علم النفس والتأهيل النفسي بالمزيد من الدراسات الأصيلة الجامعة بين دراسات القرآن الكريم والسنة النبوية - بشكل خاص ـ وبين دراسات التأهيل والدعم النفسي ـ من جهة أخرى - للخروج بدليل إرشادي نفسي ومرجع موثوق في هذا السياق. إذ مما يلاحظ أن الإصدارات المختلفة تعتمد اعتمادا شبه كلي على الكتب المترجمة من لغات أخرى إلى العربية.
الخاتمة والتوصيات
تشكل أهلية الإنسان دورا حاسما في تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية وفي قيامه بمهمة الاستخلاف وعمران الأرض. وتتجلى أهمية الأهلية في تمكين الإنسان من الحفاظ على دينه والالتزام بأحكام الشريعة، وما ينضوي تحتها من - حفظ النفس والعقل وإدارة المال بحكمة، والحفاظ على العرض والنسب، وتكوين أسر صالحة تقوم على أسس الشريعة، وتعليم الأبناء القيم الإسلامية. وتشمل أهلية الإنسان من منظور الشريعة الإسلامية الجوانب العقلية والأخلاقية والعملية، وهي ضرورية لتحقيق مقاصد الشريعة وأداء مهام الاستخلاف وعمران الأرض بما يحقق الخير للفرد والمجتمع. إلا أن هذه الأهلية قد يعرض لها من الاضطرابات ما يؤثر على العقل والسلوك في الجوانب الشخصية والاجتماعية والعملية الشرعية. والشريعة الإسلامية فيها من عناصر الشمول والمرونة والقدرة على المواكبة لمتغيرات الحياة الإنسانية؛ وهو ما يجعلها قادرة على معالجة ما يعرض للمكلف في حياته من عوارض الأهلية، بل ووقايته من كل ما يمكن أن يؤثر على أهليته وقدرته على القيام بمهمة الاستخلاف والعمران.
ومع تزايد انتشار التحديات النفسية في الوقت الحاضر، بات من الضروري دراسة تأثيرها على مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك أهلية الإنسان في الشريعة الإسلامية. من هنا تناولت هذه الدراسة مفهوم الأهلية في الوجوب وهي الصلاحية لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، والأداء التي تتمثل في القدرة على مباشرة التصرفات بوعي وإدراك. كما أنها تناولت عوارض الأهلية في الشريعة الإسلامية التي تؤثر على قدرة الفرد على التصرف بشكل صحيح من حيث الأمراض النفسية المؤثرة على الأهلية كالفصام، والهوس الاكتئابي، والاضطرابات الذهانية التي تؤدي إلى فقدان القدرة على التفكير السليم واتخاذ القرارات وانعدام الإدراك والتمييز في بعض الحالات. هذا إلى جانب الأمراض غير المؤثرة على الأهلية، مثل: اضطرابات القلق، والاكتئاب البسيط، واضطرابات النوم والأكل، التي لا تعوق قدرة الفرد على التصرف؛ ولا تؤثر في الأهلية، إلى جانب المنقصة للأهلية مثل تلك الحالات التي تتفاوت حدتها، ولكنها لا تصل إلى فقدان الوعي والتمييز والإدراك. وأشارت الدراسة إلى العوامل المهيئة للمرض النفسي، مثل: العوامل الوراثية، والعوامل المظهرة كالأحداث الحياتية، بالإضافة إلى العوامل البيئية للمرض النفسي، مثل: العزلة عن المجتمع وبيئات الحروب، ودور النزاعات والحروب في زيادة اضطرابات ما بعد الصدمة.
وتؤكد الدراسة أهمية تحديد وسائل الوقاية والدعم النفسي بما يعيد الاهتمام بتأهيل الإنسان المسلم المكلف نفسيا واجتماعيا في ظل التحديات المعاصرة. وتستخلص جملة من التوصيات، التي يمكن تطبيقها للإسهام في الحد من انتشار الأمراض النفسية وازديادها.
ومن أبرز هذه التوصيات: ضرورة نشر الوعي حول أهمية الصحة النفسية وتأثيراتها على أهلية الإنسان، ودور المتخصصين في علم النفس والقانونيين في تحديد تأثيراتها، وتوفير خدمات الدعم النفسي للمصابين بالأمراض النفسية وأسرهم، أهمية إعادة تأهيل المرضى النفسيين خاصة مع زيادة انتشار الأمراض النفسية وآثارها السلبية على الفرد والأسرة والمجتمعات.
وإذ توضح الدراسة أثر الأمراض النفسية في الأهلية من منظور الشريعة الإسلامية؛ فإنها تؤصل الدعم التأهيلي النفسي للمكلف من خلال الرجوع إلى نصوص القرآن الكريم التي عنيت عناية كبيرة بالخطوات السلوكية والعملية التي ينبغي للفرد اتخاذها إزاء التغيرات والمواقف الحياتية التي قد تؤثر على صحته النفسية بما ينعكس ـ بشكل خاص ـ على مسئولياته الأسرية والمجتمعية.
وتوصي الدراسة بأهمية تخصيص ندوات علمية متكاملة تجمع مختلف التخصصات؛ للوصول إلى مشروع متكامل في تأصيل إجراءات وخطوات إعادة تأهيل المكلف في الشريعة الإسلامية من مختلف الجوانب، وبيان أثر ذلك في تحقيق رسالة العمران ومقاصد التشريع في الواقع الإنساني من جهة، وتخصيص ندوات خاصة بحقوق ورعاية فئات النساء والأطفال الذين يعيشون في مخيمات اللجوء والنزوح والهجرة والصراعات والنزاعات التي تؤثر ـ بشكل مباشر ـ على الصحة النفسية لهذه الفئات ـ بشكل كبير ـ.
وتوصي الدراسة بتخصيص مجمع الفقه الإسلامي الدولي ندوة خاصة لموضوع تأثير الأمراض النفسية والعقلية على استقرار الحياة الزوجية، ووقوع حالات الطلاق خاصة في ظل ازدياد حالات الطلاق ونسبها في الوقت الحاضر وأثر الحالات النفسية في ذلك، وأهمية التوعية النفسية قبل الزواج من خلال دمج إجراءات في النظام الصحي والاجتماعي، يمكن نشر الوعي حول أهمية الصحة النفسية وتحسين الثقافة الصحية بين الأفراد بما يؤدي إلى مجتمع أكثر وعيا، واستعدادا لدعم أفراده نفسيا وعاطفيا.
ومن الجانب القانوني، يمكن للحكومات والمؤسسات الرسمية أن تلعب دورا كبيرا في تطبيق هذا الإجراء من خلال سن قوانين وتشريعات تلزم المقبلين على الزواج بالخضوع لفحص نفسي شامل. كما أنه يمكن تقديم برامج تدريبية وتوعوية للأزواج المخطبين؛ لزيادة فهمهم لأهمية الصحة النفسية وكيفية الحفاظ عليها.
كذلك تؤكد الدراسة أهمية الآليات والإجراءات الواجب اتباعها للتأكد من أهلية المريض النفسي أو عكسها؛ لضمان اتخاذ قرارات عادلة ومنصفة تعكس الحالة النفسية للفرد وقدرته على تحمل المسؤوليات والتكليفات، بما يتفق ومقاصد الشريعة الإسلامية القائمة على تحقيق العدالة والنزاهة والشفافية وأثر ذلك في تحقيق الاستقرار للفرد والمجتمع. وفي هذا السياق يمكن الإفادة من مبادئ الأمم المتحدة في مجال مبادئ حماية الأشخاص المصابين بمرض عقلي، وتحسين العناية بالصحة العقلية(١).
وكذلك توصي الدراسة بضرورة إنشاء وتأسيس ومساندة مجموعات الدعم للمرضى النفسيين في المجتمعات المسلمة بكل الفئات العمرية، خاصة بين الأطفال والنساء(٢).
مشروع قرار وتوصيات خاصة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي
- عقد ندوات متخصصة من قبل مجمع الفقه الإسلامي الدولي حول الأمراض النفسية التي يمكن أن تدخل تحت ما يطلق عليه (العيوب المبيحة للخيار في فسخ عقد الزواج)، والتكييف الفقهي لها؛ حيث تعد بمنزلة الأمراض التي لم يعرف علاجها في زمن أئمة الفقه السابقين. إذ إن هذه الأمراض الحادة المستعصية على العلاج في بعض الحالات من الأسباب القوية التي تحول دون تحقيق مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية من السكن والمودة والاستقرار الاجتماعي والحفاظ على الأبناء ومصالحهم؛ بل على العكس يحصل بها النفور بين الزوجين ـ خاصة وأن البعض منها ـ مثل ثنائي القطب الحاد ـ يعد من الأمراض التي لم يتم التوصل إلى علاج شاف لها كلية، وغيرها من العيوب التي تبيح فسخ عقد النكاح مع اعتبار أن استكحام العيب يعطي الحق للطرف الآخر المطالبة في فسخ النكاح(١).
- عقد ندوات خاصة حول تصرفات المريض نفسيا وآثارها في مجال الزواج والطلاق بشكل خاص، مع الأخذ بعين الاعتبار لتغير الحالة والأعراض والحدة فيها من وقت لآخر في عدد من الأمراض. ويمكن تضمين هذه الندوات بعض الأبحاث المتعلقة بتغطية التكلفة المادية الباهظة للعلاج من جراء انتشار الأمراض النفسية وسبل التغطية.
- عقد ندوات خاصة حول موضوع الوصاية والرعاية الشرعية للمرضى النفسيين التي تتطلب توازنا دقيقا بين الأحكام الشرعية والممارسات الطبية الحديثة، إلى جانب كيفية تحديد الوصي الشرعي المناسب بناء على ترتيب الأولوية الشرعية؛ مواصفات الوصي الشرعي وأهمية ضمان توفير الرعاية الصحية اللازمة للمريض النفسي، التي تشمل العلاجات الدوائية والاستشارات النفسية بناء على رأي الأطباء المختصين، بالإضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي من خلال برامج إعادة التأهيل ومجموعات الدعم، ودور العلماء والدعاة الدينيين في تقديم الدعم النفسي والمعنوي للمصابين وأسرهم. إلى جانب تناول الناحية المالية، والإنفاق على المريض النفسي من أمواله الخاصة إذا كان لديه أموال، أو من أموال الأسرة والأقارب، مع الأخذ في إمكانية الاستفادة من أموال الزكاة والصدقات والمنح والمساعدات الحكومية في حالة فقر المريض، أو كونه في مخيمات اللجوء والنزوح.
- أهمية تشكيل لجان مشتركة من خلال المجمع تضم خبراء من الهيئات القضائية والصحية والحكومية بشكل عام، بما في ذلك الأطباء، النفسيين، وعلماء النفس، والاختصاصيين الاجتماعيين، إلى جانب قضاة ومحامين لدراسة وتحليل الحالات المحالة إليها بدقة في كل بلد من بلدان العالم الإسلامية. مع ضرورة أن يكون هناك تواصل مستمر بين الهيئات القضائية والصحية لضمان متابعة حالات المرضى المحالين إليها، وتقديم التقارير الدورية حول تطور حالته.
- إنشاء منصات عالمية من خلال مجمع الفقه الإسلامي الدولي لتبادل الخبرات بين الدول الأعضاء حول التجارب المختلفة والحالات المتعددة فيها، ويمكن استخدام أنظمة إلكترونية لتبادل المعلومات بسرعة وجودة وكفاءة فيما بينها.
- من المهم قيام المجمع بتقديم دورات حول أهمية الإرشاد الديني والدعم النفسي والاجتماعي للنازحين والأطفال المهجرين والنساء المتضررات من الحروب والنزاعات خاصة، ممن يعيشون اضطرابات ما بعد الصدمات مع التركيز على كيفية تقديم الدعم النفسي من منظور إسلامي، وتوضيح الأحكام الشرعية المتعلقة برعاية الأطفال المهجرين وضمان حقوقهم، بالإضافة إلى تقديم النصائح العملية حول كيفية التعامل مع النساء اللواتي يعانين من اضطرابات ما بعد الصدمة، وأن تشمل الدورات بيانا للجوانب العلاجية والتأهيلية التي تهدف إلى إعادة دمجهم في المجتمع. كما يمكن توجيه الدعوة من خلال المجمع إلى المختصين والعاملين في المجال الإنساني بشكل خاص، لتزويدهم بالأدوات والمهارات اللازمة لتقديم الدعم الفعال والمناسب من الناحية الشرعية والنفسية.
- عقد ندوات من خلال المجمع حول توجيه أموال الزكاة والصدقات لدعم الفئات المحتاجة من المرضى النفسيين، خاصة مع ازياد وارتفاع الأعداد من جهة والتكلفة الباهظة للعلاج من جهة أخرى، والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني بما يعزز من روح التضامن والتكافل الاجتماعي.
- عقد ندوات متخصصة حول تحديث نظام كفالة اليتامى في الشريعة الإسلامية، مع الاستجابة لتحديات العصر بمرونة وتكيف، فالأوضاع المعاصرة تشهد ظواهر متنوعة، مثل: موجات النزوح الكبيرة، وهجرة القاصرين من دون ذويهم إلى أوروبا، والحروب، والكوارث الطبيعية والأوبئة التي تؤثر ـ بشكل كبير ـ على الأطفال اليتامى وأساليب كفالتهم ودعمهم وحمايتهم من الاستغلال، والتعرض للإساءة، والاتجار بالأعضاء، والبشر.
- تحديث القوانين الوطنية لضمان حقوق المصابين بالأمراض النفسية، وضمان عدم التمييز ضدهم في جميع جوانب الحياة، والمشاركة في إعداد سياسات شاملة للصحة النفسية تتضمن خططا للعلاج والتأهيل ودمج المرضى في المجتمع، وضمان وصول المصابين بالأمراض النفسية إلى خدمات الرعاية الصحية النفسية المناسبة والفعالة دون عوائق. إلى جانب أهمية تدريب العاملين في مجال الصحة النفسية على أحدث الأساليب العلاجية والتشخيصية لضمان تقديم أفضل رعاية ممكنة.
- حض الدول الأعضاء على تنظيم حملات توعية مستمرة لزيادة فهم المجتمعات للأمراض النفسية والحد من الوصمة المرتبطة بها، وربطها بضعف الإيمان، إلى جانب تضمين موضوعات الصحة النفسية في المناهج التعليمية وبرامج التدريب المهني لزيادة الوعي والفهم. - توفير برامج تأهيل شاملة تساعد المصابين بالأمراض النفسية على تطوير مهاراتهم والعودة إلى الحياة العملية والاجتماعية، مع تقديم الدعم والمشورة لأسر المصابين بالأمراض النفسية؛ لمساعدتهم في التعامل مع الحالة ودعم المريض بشكل أفضل، ودعم الأبحاث والدراسات الخاصة بمجال الصحة النفسية.
قائمة المراجع
المراجع باللغة العربية:
- ابن تيمية، تقي الدين. (١٣٦٨هـ). مجموع الفتاوى. دار الكتب العلمية.
- ابن القيم الجوزية، محمد بن أبي بكر. (١٤٢٣هـ). زاد المعاد في هدي خير العباد. مؤسسة الرسالة.
- ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي. (۱۳۷۹هـ). فتح الباري بشرح صحيح البخاري. دار المعرفة.
- أبو زهرة، محمد. (٢٠٠٤م). أصول الفقه. دار الفكر العربي.
- البخاري، محمد أمين بن محمود. أصول الفقه والقواعد الفقهية - تيسير التحرير - المجلد الثاني، ص۲۷۷.
- البلخي، أبو زيد. (۲۰۰۳م). مصالح الأبدان والأنفس. تحقيق: مالك بدري ومصطفى عشوي. مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات، الرياض.
- الجرجاني، علي بن محمد. (التعريفات). ص۲۱۱.
- الخضري بك. (۱۹۸۷م). أصول الفقه. دار العلم، بيروت.
- خلاف، عبد الوهاب. (١٩٥٦م). علم أصول الفقه (الطبعة السابعة). مصر.
- الزحيلي، وهبة. (١٩٨٦م). أصول الفقه الإسلامي. دار الفكر، دمشق.
- زكريا، مها. (۲۰۲۳). الأمراض النفسية في التراث الطبي العربي الإسلامي العصر العباسي نموذجا. المجلة العربية للبحث العلمي Retrieved from https://www.qscience.com/content/journals/10.5339/ajsr.2023.8?crawler=true
- سعدي، أبو حبيب. القاموس الفقهي لغة واصطلاحا. دار الفكر، دمشق، سوريا.
- العمري، محمود. (۲۰۱۸). علاقة الذمة بالأهلية في الفقه الإسلامي. دراسات، علوم الشريعة والقانون، المجلد ٤٥، عدد ٤، ملحق ٤، ٢٣٠.
- القرافي، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس. (١٣٤٤هـ). الفروق. دار إحياء الكتب العربية.
- الغول، محمد أحمد، والقضاة، علاء أحمد محمود. (۲۰۱۹). طلاق المريض النفسي في الفقه الإسلامي. مجلة دراسات، علوم الشريعة والقانون، المجلد ٤٦، العدد ١، ملحق ١، ١٠٥ وما بعدها.
- عبد اللطيف، إبراهيم. (۱۹۹۷). الاكتئاب النفسي، دراسات نفسية. دار النهضة، القاهرة.
- عبد الأمير جابر، محمد. (۲۰۲۲). رحلة في حضرة الاكتئاب النفسي. أوراق ثقافية، مجلة الآداب والعلوم الإنسانية، ١٧ (٣)، ٣٣٣ - ٣٤٧.
- فوقية عبد الفتاح. (٢٠٠٥). علم النفس المعرفي بين النظرية والتطبيق. دار الفكر العربي، القاهرة.
- كمال، علي. (١٩٦٧). النفس وانفعالاتها وأمراضها وعلاجها. ط۱، دار واسط، جامعة بغداد.
- كمال، علي. النفس وانفعالاتها وأمراضها وعلاجها. ص ٤٢١، ط ١، دار واسط، جامعة بغداد.
- نوري، أنوار زهير. (۲۰۱۲). النفس الإنسانية وثغراتها وكيفية تغييرها والارتقاء بها. جامعة بغداد، كلية التربية للبنات.
- نصيب، إيمان. الاضطرابات النفسية وأثرها في أحكام الزواج والطلاق، دراسة فقهية مقارنة. جامعة الشهيد خميس.
- مرسي، أسامة. (۲۰۲۳). أثر الاكتئاب النفسي على الأحكام الفقهية المتعلقة بالأحوال الشخصية. مجلة كلية دار العلوم، العدد ١٤٤، مارس، ص ٣١٥ وما بعدها.
- محجوب، محمد. (۲۰۲۲). مفهوم الأهلية في الفقه الإسلامي والقانون. مجلة العلوم القانونية والاجتماعية، ٧ (٤)، ٩٥٢. Retrieved from https://www.asjp.cerist.dz/en/article/205916
- محمد توفيق بن علي. (٢٠٠٤). الوسوسة القهرية وأثرها في عقد النكاح. جامعة أم القرى. (ص ٣٥٥).
- محمد، حاتم أمين. الأمراض النفسية وأثرها على أهلية إنشاء عقد الزواج. جامعة الأزهر. (ص ٣٥١٩).
المراجع باللغة الإنجليزية:
- American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and statistical manual of mental disorders (5th ed.). Arlington, VA: American Psychiatric Publishing.
- American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and statistical manual of mental disorders (DSM-5). American Psychiatric Publishing.
- Barlow, D. H. (Ed.). (2014). Clinical handbook of psychological disorders: A step-by-step treatment manual (5th ed.). New York, NY: The Guilford Press.
- Beck, A. T., & Emery, G. (2005). Anxiety disorders and phobias: A cognitive perspective. New York, NY: Basic Books.
- Beck, J. S. (2011). Cognitive behavioral therapy: Basics and beyond (2nd ed.). New York, NY: The Guilford Press. Bonnie, R. J., & Gostin, L. O. (2006). The law and mental health: A case-based approach.
- Corrigan, P. W., Mueser, K. T., & Bond, G. R. (2012). Principles and practice of psychiatric rehabilitation: An empirical approach. New York, NY: The Guilford Press.
- Doufesh, H., Faisal, T., Lim, K. S., & Ibrahim, F. (2014). EEG spectral analysis on Muslim prayers. Retrieved from https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/21965118.
- Goyal, M., et al. (2014). Meditation programs for psychological stress and well-being: A systematic review and meta-analysis. JAMA Internal Medicine, 174(3), 357-368.
- Kaplan, H. I., & Sadock, B. J. (2014). Kaplan and Sadock’s comprehensive textbook of psychiatry (9th ed.). Philadelphia, PA: Lippincott Williams & Wilkins.
- Kawachi, I., & Berkman, L. F. (2001). Social ties and mental health. Journal of Urban Health, 78(3), 458-467.
- Koenig, H. G. (2012). Religion, spirituality, and health: The research and clinical implications. International Scholarly Research Network (ISRN Psychiatry).
- ueser, K. T., & Gingerich, S. (2006). The complete family guide to schizophrenia: Helping your loved one get the most out of life. New York, NY: The Guilford Press.
- Pratt, C. W., Roberts, M. M., Gill, K. J., & Barrett, N. M. (2013). Psychiatric rehabilitation (3rd ed.). San Diego, CA: Elsevier.
- Sadock, B. J., & Sadock, V. A. (2005). Kaplan and Sadock›s comprehensive textbook of psychiatry (8th ed.). Philadelphia, PA: Lippincott Williams & Wilkins.
- Wang, J., et al. (2018). Social support and mental health in Chinese immigrants in the United States. Social Psychiatry and Psychiatric Epidemiology, 53(4), 407-415.
- World Health Organization. (2017). Depression and other common mental disorders: Global health estimates. Retrieved from https://apps.who.int/iris/handle/10665/254610.
- World Health Organization. (2020). Depression and other common mental disorders: Global health estimates. Retrieved from https://www.who.int/publications/i/item/depression-global-health-estimates.
- Yalom, I. D., & Leszcz, M. (2005). The theory and practice of group psychotherapy (5th ed.). New York, NY: Basic Books.
مواقع ومراجع إلكترونية:
- جمعية علم النفس الأمريكية. «التوتر والصحة النفسية». Retrieved from https://www.apa.org/helpcenter/stress
- https://www.horiaty.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A/
- https://dspace.univ-guelma.dz/jspui/bitstream/123456789/14527/1/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A9.pdf