بناء منظومة الامن في القرآن دراسة تدبرية في سورة الانعام
عنوان البحث
بناء منظومة الأمن في القرآن دراسة تدبرية في سورة الأنعام
أ.د. رقية طه العلواني كلية الآداب، جامعة البحرين. بريد الكتروني: [email protected]
المستخلص
تروم هذه الدراسة توضيح مفهوم الأمن في القرآن، وعلى وجه التحديد صلته بالإيمان بلا ظلم. وقد أبرزت الدراسة ان الإيمان في القرآن يحفز الأفراد على الالتزام بالتزاماتهم وعهودهم واتفاقاتهم مع خالقهم سبحانه مانح الحياة والأمن وحرصت الدراسة على تقديم بناء منظومة الأمن من خلال تدبر سورة الأنعام، التي ناقشت الأمن بشموله، وأسسه، وانواعه المختلفة. فقد قدمت السورة امثلة على الأمن، مؤكدة اهمية بناء نظام امن شامل كمقصد السورة الأنعام من خلال التركيز على الإيمان والأمانة والعمل الصالح والالتزام بوصايا الخالق سبحانه للناس جميعا. واكدت الدراسة من خلال ذلك ان الإيمان والعقيدة هما الأساس في بناء هذا النظام، من وارتباطها بتعزيز الأمانة والالتزام بالوصايا العشر المذكورة في ختام السورة توصي الدراسة باهمية إلقاء الضوء على التطبيقات العملية لمفاهيم الأمن في القرآن، لتعزيز فهمنا لاهمية الأمن الأخلاقي وغيره كجوانب اساسية في الحياة الإنسانية، فالأمن ثمرة تتعزز من خلال التزام الفرد بالقيم الأخلاقية والمبادئ الدينية، مما يسهم في بناء مجتمع امن ومستقر.
الكلمات المفتاحية: سورة الأنعام، مفهوم الأمن، القرآن، الإيمان، الوصايا العشر، الأمن الأخلاقي.
مقدمة
يعد الأمن قوام حياة الأفراد والمجتمعات الإنسانية واستقرارها وتقدمها على مختلف الأصعدة. كما يشكل اليوم إشكالية متشبعة غاية في التعقيد في خضم عالمنا المعاصر. فالأمن الغذائي والأمن الدفاعي والأمن النفسي والأمن الاقتصادي والأمن الأخلاقي... انعكاسات حقيقية لما يرومه إنسان القرن الحادي والعشرين من تطلعات مشروعه في تحقيق الأمن.
ويبقى العالم بمؤتمراته وندواته ومواثيقه الدولية المعلنة وغير المعلنة، يصول ويجول تارة بأوراقه المكتوبة وأخرى بآلياته رحلة منهكة باحثا فيها عن خارطة طريق لمشروع الأمن !!! وقد ظهرت آثار ذلك الاهتمام والبحث في بروز عدد كبير من الكتابات في الفكر الغربي حول اهمية الأمن بكل اشكاله وخاصة الأمن الأخلاقي.
وفي الوقت الذي يقدم القرآن للإنسانية منظومة الأمن واساليب تحقيقها بكل أنواع الأمن؛ يشكل بذلك خلاصة ما يلهث الإنسان المعاصر خلفه في انفاق المجالس والمنظمات الدولية، جاعلا الأمن ثمرة للإيمان والعمل الصالح. وتعد سورة الأنعام التي نزلت في مكة من أبرز السور التي تناولت بناء منظومة الأمن وشروط تحققها في حياة الفرد والمجتمع، قال تعالى: (وكيف اخاف ما اشركتم ولا تخافون انكم اشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فاي الفريقين احق بالامن ان كنتم تعلمون * الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون) (الأنعام: 80-82)
من هنا تاتي اهمية هذه الدراسة من خلال توضيح مفهوم الأمن في القرآن المرتبط بالإيمان بلا ظلم؛ إيمانا يدفع بالإنسان الى الولوج في عالم من الالتزامات والعهود والمواثيق مع خالقه واهب الحياة والأمن. وقد جاء في القرآن الكريم الحديث عن الأمن في سور مكية ومدنية، كما عالج في أكثر من موضع إشكالية غياب الأمن وسبل معالجته واساليب تحصيله باساليب متنوعة لا تختص ببيئة معينة بل تصلح لكل بيئة وزمان. وتتناول الورقة جوانب تطبيقية لهذه القضية من خلال تدبر سورة الأنعام التي تناولت الأمن بعمومياته واسسه ومختلف انواعه مع ذكر نماذج للأمن فيها. وقد خاصت الدراسة الى ان بناء منظومة الأمن من مقاصد سورة الأنعام التي جاءت تركز على الإيمان والعقيدة وترسيخها، وانها اسست لذلك من خلال مفهوم الإيمان والعمل الصالح، والأمانة والوصايا العشر التي وردت في ختام السورة.
المبحث الأول: المدخل المفاهيمي للأمن
والدراسات السابقة
أولا: مفهوم مفردة الأمن في اللغة
الأمن ضد الخوف، وهو عدم توقع مكروه في الزمن الآتي، وأصله طمأنينة النفس وزوال الخوف، يقال: أمن أمناً، أي: اطمأن ولم يخف، فهو آمن، وأمن البلد، أي: اطمان فيه اهله.
والفيروز أبادي، يرى ان الأمن والأمن كصاحب يعنيان الضد من الخوف، والأمانة والأمنة تعنيان الضد من الخيانة. ومن يؤمن بهما ويعتمد عليهما فهو أمين وأمان والإيمان يعني الثقة وإظهار الخضوع، والأمين هو القوي، وناقة أمون هي الناقة الثابتة الخلق وثقافة. وأعطيته من امن مالي تعني انه تمت مكافاته بسبب صدقه وثقته. 1
وجاء في في القاموس المحيط: أمن، امنا وإمنا، بالكسر فهو أمن وأمين، ، كفرح وأمير . فهو آمن وأمن وأمين. و (أمن الخطر) ومن الخطر: سلم منه. و (أمن خصمه): جعله آمناً. و (الأمان): الطمانينة.2
وفي اللغة العربية، يطلق مصطلح الأمن على عدم الخوف والحفظ والثقة، وطلب الحماية والسلام وما الى ذلك. وهناك ثراء لغوي كبير في ذلك، حيث يصعب فصل هذه المعاني عن بعضها نظرا لتداخلها وترادفها في بعض الأحيان. وتلعب هذه المفردات دوراً تكامليا في إثراء مفهوم الأمن بشكل عام.
كما وردت كلمة (الأمن) في المعاجم العربية بعدة اشتقاقات وغير خاف ما للمشتقات من اثر قائم في وفرة الألفاظ بحسب ما تقتضيه الحاجة والسياق وذلك لأن: "لكل نوع من المعنى نوعاً من اللفظ هو به أخص وأولى، وضروباً من العبارة هو بتأديته أقوم وهو فيه أجلى.3
فمشتقات الأمن على الإجمال هي: (أمن وأمناً وأماناً وأمنةً وأمانة وإيماناً ومأمنا).
ثانيا: الأمن في القرآن
الأمانة والأمن والإيمان مصطلحات قرآنية مركزية متقاربة متناغمة في جذرها الاشتقاقي واصوات حروفها كما في دلالتها ومعناها كما يقول محمد جبل: جاء ذكر لفظة (الأمن) في كتاب الله ومشتقاته في نحو ثمانية واربعين موضعا، وباشتقاقات عدة.4
رأى الاصفهاني في مفرداته ان اصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف، والأمن والأمانة والأمان في الأصل مصادر، ويجعل الأمان تارة اسما للحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن وتارة اسما لما يؤمن عليه الإنسان... و (آمن) تقال على وجهين أحدهما متعد بنفسه، يقال: امنته اي جعلت له الأمن، ومنه قيل الله مؤمن والثاني غير متعد، ومعناه صار ذا امن والإيمان هو التصديق الذي معه امن، وليس من شان القلب ما لم يكن مطبوعا عليه ان يطمئن الى الباطل.
كما ان الأستاذ محمد العفيفي، من خلال كتابيه القرآن ودعوة الحق) و (القرآن تفسير الكون والحياة، اعطى بعداً جديداً لمفهوم المفردة القرآنية عندما قال: - فان كل كلمة في القرآن تعطيك مع اتصالها فصلاً خاصاً بها وحدها، لا يتكرر في القرآن كله بعد ذلك.5
الأمر الذي يتطلب تتبع مفردة الأمن في القرآن، وما يحققه تتبع هذه المفردة في كتاب الله من حقائق حولها. يقول الأستاذ العفيفي: (فكلما تدبرنا اي كلمة قرآنية متعددة المواقع، في موقع جديد من مواقعها فان تعداد المواقع إنما هو تحقيق الاستجابة لحاجاتنا اليه ...... عندما نجد الكلمة قد جاءت في القرآن مرة واحدة، فالحياة كلها، على إمتدادها، والوجود كله على امتداده، لا يمكن ان يكون ايهما بحاجة الى كلمة اخرى، ما دامت الكلمة القرآنية قد (احكمت) فجاءت موفية بالحاجة حيث لا يحتاج لغير هذه الكلمة القرآنية الواحدة أبداً ... اما اذا كانت هناك حاجتان اثنتان لا ثالث لهما، فلا بد ان لهاتين الحاجتين، كلمتين مفصلتين، وإن كانت صيغتهما القولية واحدة).6
من هنا فإننا يجب ان نتدبر كل مفردة قرآنية من خلال اتصالها بمواقعها وعلاقاتها في القرآن كله. وعند تتبع كلمة الأمن في القرآن نجد انها مرتبطة بجنسها من مفردات. فقد وردت لفظة الأمن في القرآن بمعنى الأمانة ضد الخيانة، ومنه قوله سبحانه وتعالى: (فان امن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن امانته وليتق الله ربه). (البقرة: 283) ونحو ذلك في سورة آل عمران: (ومن اهل الكتاب من ان تامنه بقنطار يؤده اليك).
وجاء في معاني الأمن في كتاب الله المقابل للخوف كما في قوله تعالى في سورة الأنعام ومن معانيه كذلك المكان الأمن، ومنه الآية في سورة التوبة: (وإن احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مامنه (التوبة: 6).
من هنا تتضح اهمية الاهتمام بالمفردة القرآنية والنظر في سياقات ورودها، وعند تتبع مفردة الأمن في القرآن الكريم يتضح لنا تجاوزها للمعنى المعجمي وعمق الترابط بين المعاني التي وردت لها بحسب السياق.
كما تتضح الصلة الوثيقة فيما بين تلك المعاني للمفردة؛ فكل لفظ منها يتضمن معنى اللفظ الآخر بنحو ما في (الإيمان) يفيد الطمأنينة والسكينة والأمان؛ و (الأمانة) تفيد التصديق بمن تامنه على شيء، والاطمئنان له؛ و الأمن يفيدها كلها فهو يتحقق بوجود الإيمان والأمانة. الأمر الذي يشير الى ان الأمن ثمرة ونتيجة ومحصلة نهائية ينعم بها الأفراد والمجتمعات عند تحقق شروطها ومقتضياتها.
وثمة امر اخر يتضح للمتدبر حين يقف عند مفردة الأمن في القرآن الكريم ويبحث في السور التي وردت فيها المفردة انها غالبا وردت في سور مكية وسبع سور منها فقط مدنية.
ولا تذهب الدراسة الى ما ذهب اليه بعض الكتاب ان الحكمة من وراء ذلك؛ حاجة العهد المكي الى مزيد من الأمن المفقود يومئذ للمؤمنين، فلما هاجر المسلمون الى المدينة المنورة وقامت لهم دولة اصبح الحديث عن الأمن حسب الحاجة والضرورة بل ترى الدراسة ان منظومة الأمن بدأ العمل على تحصيل مقتضياتها منذ بدء الرسالة القرآنية في مكة فكانت الحاجة الى ورود مفردة الأمن قوية، ثم لما انتقل المؤمنون الى المدينة بات تحصيل ثمرة الأمن واضحا في حياتهم ومجتمع المدينة الأول فكان ورودها في سبع سور مدنية فقط.
والأمانة والإيمان والأمن يرتبط بعضها ببعض من جهة البناء اللغوي، ومن جهة المعنى الشرعي، فلا يتحقق الأمن الشامل إلا بأداء الأمانة كاملة، ولا يؤدي الأمانة كاملة إلا من حقق الإيمان الكامل، فمن اتى بالإيمان كاملا تخلق بالأمانة، فتحقق له الأمن الشامل في الدنيا والآخرة وبقدر نقص الإيمان تنقص الأمانة فينقص بنقصها الأمن.
وفي السنة ما يدل على ارتباط الإيمان بالأمانة في أحاديث كثيرة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: الا اخبركم بالمؤمن؟ من امنه الناس على اموالهم وانفسهم .... رواه احمد. وفي حديث اخر "والمؤمن من امنه الناس على دمانهم واموالهم "رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
ما ان فقد الأمانة يدل على بداية فقد الإيمان كما قال ابن مسعود رضي الله عنه ان اول ما تفقدون من دينكم الأمانة......
وهذه الآية الواردة في سورة الأنعام (الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الأمن) (الأنعام: 94)، جاءت تعبر عن سنة من السنن القرآنية في الأنفس والمجتمعات مفادها انه لا يوجد امان بدون إيمان، ولا يوجد مبرر لتفسير معنى "الأمان" في هذه الآية بالتقييد بالأمان في يوم القيامة فحسب، بل يشمل المفهوم الأمن الروحي والأمن الدنيوي بكل جوانبه ومعانيه.
كما يلاحظ ان الآية الكريمة تضع شرطا لكفاية الإيمان ودوره في احداث وتحقيق الأمان وهو عدم خلط الإيمان بالظلم ولم يلبسوا ايمانهم بالظلم، وبالحقيقة فان هذا الشرط لا يتعارض مع جوهر الإيمان بل هو من ضرورياته وتكملاته، فالإيمان لا يتوافق ولا يجتمع مع الظلم.
والأمن ضرورة لا قيام للعمران ولا للتمدن الا به، يقول الماوردي: اعلم ان ما به تصلح الدنيا حتى تصير احوالها منتظمة، وامورها ملتئمة، ستة اشياء، هي قواعدها وإن تفرعت، وهي: دين متبع، وسلطان قاهر، وعدل شامل، وامن، وخصب دار، وامل فسيح فجعل الأمن احد القواعد الكبرى التي تصلح بها الدنيا، فإذا فات ال امرها الى الفساد. ثم يشرح هذه القاعدة فيقول: فهي امن عام تطمئن اليه النفوس، وتتيسر فيه الهمم، ويسكن فيه البريء، ويأنس فيه الضعيف، فليس الخائف راحة، ولا لحاذر طمأنينة".7
ويجعل الجويني الأمن والعافية، من اهم النعم على الإنسان، فيقول: «لا تصفو نعمة من الأقذار، ما لم يأمن اهل الإقامة والأسفار من الاخطار والاغرار .. فالأمن والعافية قاعدتا النعم كلها، ولا يهنا بشيء من دونها «فمقصد حفظ الأمن ياتي في مقدمة مقاصد الدين، فيحفظه يأمن الناس على دينهم، وعباداتهم، وأنفسهم، وأعراضهم، ومعاشهم، وحرياتهم، وغير ذلك مما يتعلق بالحياة.
يقول الغزالي: ان نظام الذين لا يحصل الا بنظام الدنيا.. فنظام الدين بالمعرفة والعبادة، لا يتوصل اليهما الا بصحة البدن، وبقاء الحياة، وسلامة قدر الحاجات من الكسوة، والمسكن والأقوات، الى ان يقول: فلا ينتظم الدين الا بتحقيق الأمن على هذه المهمات الضروريات8".
ثالثا: الدراسات السابقة
تناولت العديد من الدراسات قضية الأمن في القرآن الكريم منها على سبيل المثال: اولا: كتاب مدخل الى نظرية الأمن والإيمان في سعادة الإنسان وتقدم المجتمعات المؤلفه عبد الوهاب المصري9. وقد اوضح الكاتب انه على المسلمين ان يسعوا جاهدين لتحقيق الأمن في جميع جوانب الحياة، سواء كان ذلك الأمن الشخصي او الاجتماعي او الروحي. كما اوضح ان القرآن الكريم يقدم توجيهات شاملة لتحقيق الأمن والسلام، ويعلم المؤمنين ان الأمن هو نتيجة تحقيق العدل والتوازن والتقوى في الحياة الفردية والمجتمعية.
ومن المؤلفات في هذا الموضوع كذلك مقومات الأمن الاجتماعي في الإسلام للدكتور محمد عمارة. حيث ناقش الدكتور محمد عمارة مفهوم الأمن الاجتماعي واهم مقوماته في الإسلام وكيف نحقق العدل والتكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي. كما ناقش اهميته بالنسبة للعمران الإنساني بالنسبة للفرد على وجه التحديد، ومصادر انبعاث الخوف والنتائج المترتبة على ذلك، وسيل الأمن في مجتمعنا المعاصر، ومفهوم الرؤية الإسلامية للأمن الاجتماعي للفرد على معاشه ومقومات حياته المعيشية من خلال نظرية الإستخلاف الإلهى للإنسان لاستعمار الأرض وحقوق الإنسان كمقوم من مقومات هذا الأمن، ومنها الحرية، المساواة المشاركة في الشئون العامة10.
وهناك من تناول مقصد حفظ الأمن في القرآن ضمن سلسلة محاضرات او ندوات عملية قدمت فيها بعض الأوراق العلمية11.
اضافة الى ذلك فقد تعدد الكتب والرسائل العلمية التي تناولت سورة الأنعام المباركة منها:
- تفسير سورة الأنعام للأستاذ الدكتور طه العلواني رحمه الله حيث جاء تفسيره للسورة انموذجا لتفسير القرآن بالقرآن مع التركيز على بعض الأدوات التفسيرية للسور مثل مفهوم «عمود السورة» و «نجوم السورة»، وكذا قراءته لآيات القتال في القرآن، إلا انه تظل المساحة الأكبر لاشتغال العلواني هي في تأسيس هذه الفكرة كسمة من سمات حاكمية القرآن ككتاب منهج 12. آيات العقيدة في سورة الأنعام دراسة بلاغية تحليلية لمريم بنت سلمان العبيد الطباق في سورة الأنعام دراسة تحليلية بلاغية سيتي نورديانا، لمحات من إعجاز سورة الأنعام لحسن محمد باجودة13.
وثمة كتب ودراسات اخرى اختصت بالحديث عن الوصايا العشر في سورة الأنعام واهميتها في تقوية علاقة الإنسان بالله عز وجل، وذلك من خلال تدريب المسلمين على العبودية والتوحيد وتقوية علاقة الإنسان باسرته من خلال نشر البر والإحسان والعطف بني الناس، واوضحت ان تلك الوصايا ايضا تهدف الى حفظ الأموال والأعراض، بالإضافة الى نشر جانب من الوفاء بالعهود، وتؤكد اهمية اتباع شرع الله عز وجل منها على سبيل المثال الوصايا العشر للشيخ محمود شلتوت حيث عرض باختصار لطيف معاني واثار هذه الوصايا العشر التي تحدد ضرورات الدين الخمس ايضاً الكتاب لطيف ويسهل قراءته وفهم معانيه، ملامح الإعجاز البياني في الوصايا العشر عند الشيخ محمود شلتوت لمؤلفه اسماعيل محمد الأنور؛ وهو بحث نشر في مجلة محكمة.14
المبحث الثاني: أسس بناء منظومة الأمن في سورة الأنعام
تمهيد
اسست السورة المباركة دعائم الأمن على الإيمان الذي يصنع التغيير وهو إيمان يرتبط بالعمل الصالح الذي يصحح كل الوان الفساد والانحراف وتعد سورة الأنعام العظيمة انموذجا واضحًا لفهم منظومة الأمن في القرآن الكريم.
وسورة الأنعام سورة مكية اتفاقا في الجملة.. اياتها مائة وخمس وستون اية. وعن ابن عباس رضي الله عنه انها نزلت بمكة جملة واحدة ليلا، معها سبعون الف ملك يشيعونها قد سدوا ما بين الخافقين لهم زجل بالتسبيح والتحميد والتمجيد، وعن اسماء بنت يزيد، قالت: نزلت سورة الأنعام على النبي - صلى الله عليه وسلم - جملة، وأنا آخذة بزمام ناقة النبي – صلى الله عليه وسلم - ان كادت من ثقلها لتكسر عظام الناقة. وهذا هو القول الراجح الذي تؤيده الأدلة وسياق الآيات.15
وفي ترتيب المصحف جاءت بعد سورة المائدة التي هي من اواخر ما نزل على النبي عليه الصلاة والسلام. وسورة المائدة هي سورة المواثيق والعقود واعظم ميثاق بين الإنسان هو ذاك الميثاق بينه وبين خالقه عز وجل عقد الإيمان والخضوع والاستسلام لأمره سبحانه. وسورة الأنعام تتصل بسورة المائدة اللاحقة لها في وقت النزول بمواصلة العقد والميثاق مع الخالق سبحانه ومقتضيات ذلك في الواقع الإنساني وتفاصيله، هذا الى جانب ما جاءت به مثيلاتها من السور المكية من تأكيد مفاهيم الوحدانية الله سبحانه وتعالى.
وسميت هذه السورة بسورة الأنعام، لما تكرر فيها من ذكر لفظ الأنعام ست مرات من قوله: (وجعلوا لله مما ذرا من الحرث والانعام نصيبا...) (الأنعام: 136) الى قوله (اذ وصاكم الله بهذا) (الأنعام 144) ولانها هي السورة التي عرضت لذكر الانعام على تفصيل لم يرد في غيرها من السور، فقد ورد ذكر الأنعام في مواضع كثيرة من القرآن عرضا، اما سورة الأنعام فقد جاءت بحديث طويل عن الانعام استغرق خمس عشرة اية من اول الآية 136 الى اخر الآية 150.
والعلاقة بين بناء منظومة الأمن وسرة الأنعام وثيقة الأمر الذي يقتضي الكشف عن مقاصد هذه السورة المباركة.
أولاً: مفهوم مقاصد السورة القرآنية وفوائد الاهتمام به:
يراد بمقاصد القرآن القضايا العامة والمحاور الكبرى الرئيسية التي جاء القرآن لتقريرها وعليه فمقاصد الشريعة جزء من مقاصد القرآن، وليست كل القرآن، اما مقاصد السور فهي جزء من مقاصد القرآن، اذ نزلت كل سورة من سوره لتحقيق تلك المقاصد الكبرى من هداية البشر الى توحيد الله سبحانه وتزكية النفس والقيام بالخلافة على الأرض وعمارتها بالإيمان والعمل الصالح.
ولم يفرد غالب العلماء المتقدمين علم مقاصد السور بتاليف مستقل، بل جاء في ثنايا كتبهم في التفسير وعلوم القرآن مختلطاً بغيره كما هو الغالب في كثير من الموضوعات المماثلة. الا ان الكثير من العلماء الأقدمين اهتموا ببيان الأهداف والمقاصد لسور القرآن الكريم، منهم الفيروزابادي (817هـ) في بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز.
وممن اهتم بمقاصد السور البقاعي رحمه الله حيث يقول: ان من عرف المراد من اسم السورة عرض مقصودها، ومن حقق المقصود منها عرف تناسب ايها وقصصها وجميع اجزائها، فان كل سورة لها مقصد واحد يدار عليه اولها واخرها ويستدل عليه فيها، فترتيب المقدمات الدالة عليه على اكمل وجه وأبدع منهج، واذا كان فيها شيء يحتاج دليلا استدل عليه. وهكذا في دليل الدليل وهلم جرا ثم قال: "وتتوقف الاجادة فيه – أي علم المناسبة – على معرفة مقصود السورة المطلوب ذلك فيها".16
ويظهر من عبارة البقاعي اهمية الوقوف على مقاصد السور في الكشف عن اوجه التناسب بين الآيات في السور وبين السور كذلك من ناحية اخرى، وهو ما عرف عند العلماء بعلم المناسبات.
وقد تختلف عبارات المفسرين في تحديد المصطلحات المستعملة بمعنى مقاصد السور فمنهم من عبر عنه بسياق السورة، وغرض السورة، والوحدة الموضوعية، والوحدة السياقية للسورة، وموضوع السورة العام، وعمدة السورة، وعمود السورة، وهدف السورة والوحدة البنانية والوحدة الموضوعية للسورة القرآنية ...17
وبرز في القرن العشرين الشيخ محمد عبده والسيد رشيد رضا في تفسير المنار باهتمامهما بالوحدة الموضوعية للسورة. والمراد بهذا ان يكون الموضوع للسورة اساسا في فهم الآيات التي نزلت فيه. وقد سار على هذا النهج عدد من المعاصرين منهم محمود شلتوت 18، ومحمد عبد الله دراز، ومحمد المدني وغيرهم كثيرون.
كما برز في العصر الراهن مصطلحات تدور في ذات الفلك مثل: الوحدة البنائية والموضوعية للسورة القرآنية، التي تعرف بانها الهدف والمحور الأساس الذي تندرج موضوعات السورة فيه على ترتيبها.
وذكر العلواني رحمه الله ان جمهرة المعنيين بالدراسات القرآنية سلموا بالوحدة البنانية على مستوى السورة فالسورة وحدة لها عمود يقوم بناؤها عليه، وذلك العمود هو موضوعها الأساس. والموضوعات الأخرى موضوعات معضدة سائدة تدور حول ذلك العمود، والقرآن بجملته يقوم على اعمدة ثلاثة: اولها: التوحيد وثانيها: التزكية. وثالثها: العمران 19
ومن ابرز فوائد الوقوف على مقاصد السور ومحاورها؛ الإفادة في التطبيق والتنزيل للايات في واقع الحياة. فالغاية من إنزال القرآن العظيم فهمه وتدبره لتطبيقه وتنزيله في الواقع. فهذه العلوم المتعلقة بسور القرآن الكريم كلها تروم تيسير الفهم والتطبيق المعاني القرآن وغاياته في الواقع الإنساني، ولذا نجد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم - كان يعلم الصحابة رضوان الله عليهم العلم والعمل لأن الغاية الأساسية من العلم العمل. ويمكننا القول اضافة الى هذا ان الكشف عن مقاصد السور، تدحض العديد من الشبهات التي يروج لها كثير من المستشرقين وغيرهم ممن يبترون الآيات القرآنية عن سياقاتها ومقاصدها الظاهرة لتمرير افكار مسبقة، حتى صارت بعض الشبهات تعرض وكانها مسلمات.
من هنا اكد محمد دراز رحمه الله اهمية الاهتمام بمقاصد السور واثرها في دفع شبهات المستشرقين حول القرآن الكريم. فقد حاول عدد منهم الإشارة الى ان ترتيب الآيات في السور القرآنية كان من اجتهاد الصحابة الأمر الذي انعكس على تباين موضوعات السورة الواحدة.20
وواقع الأمر ان ترتيب الآيات كما هو معلوم جاء بتوقيف من النبي عليه الصلاة والسلام من جبريل وحيا عن الله سبحانه وتعالى. الأمر الذي يجعل البحث عن التناسب بينها من اعظم الأمور التي ينبغي الاهتمام بها.
يقول ابن عاشور رحمه الله في ذلك: "وانما كان التحدي بسورة ولم يكن بمقدار سورة من ايات القرآن؛ لان من جملة وجوه الإعجاز امورا لا تظهر خصائصها الا بالنظر الى كلام مستوفى في غرض من الاغراض، وانما تنزل سور القرآن في اغراض مقصودة، فلا غنى عن مراعاة الخصوصيات المناسبة لفواتح الكلام وخواتمه بحسب الغرض، واستيفاء الغرض المسوق له الكلام".21
من هنا يتضح ان الاهتمام بالتعرف على الغرض او المقصد العام لسور القرآن يدفع اي شبهة تروم التقول على القرآن بانعدام النظم فيه او ضعفه. كما تدفع ما قد يتوهمه القارئ من تفرق الموضوعات في السورة دون ناظم لها فيوقعه ذلك في الانصراف عن التفكر والتدبر في مقاصدها والغاية التي لاجلها سيقت تلك الموضوعات والقصص في هذه السورة او تلك. ويظهر ذلك جليا في القصص القرآني الذي تناولته العديد من سور القرآن. الا ان القصة التي تذكر في سورة معينة لها غرض يتوافق مع مقصد السورة التي تناولتها، يختلف عن غيرها.
كما ان وقوف المفتر على مقاصد السور يسدد الفكر والاجتهاد ويضبطها من الوقوع في الزلل والشطط وربما الانحراف في التأويل فالوقوف على مقصد كل سورة يقتضي استقراء اياتها والتامل العميق فيما تدل عليه معان تحقق مراد الله تعالى من كلامه.
وقد اشار الى هذه الفائدة من تحديد محور السورة ومقصدها؛ ابن عاشور حيث اكد ضرورة مراعاة تفسير معاني الآيات الواردة في السورة بناء على ما يتناسب مع محورها ومقصدها العام، ودلل على ذلك بمثال في سورة التين وهو يفسر المراد بقوله تعالى: (احسن تقويم. من الآية: (لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم).. التين: 4. ويقول بان المراد بالتقويم: جعل الشيء في قوام، اي عدل وتسوية وأحسن التقويم اعدله واليقه بنوع الإنسان، وهذا يقتضي انه تقويم خاص بالإنسان لا يشاركه فيه غيره من المخلوقات ... وهذا التقويم هو الإعداد والتأهيل القادر من خلاله على الفهم والعقل والإرادة والإبداع وليس تقويم صورة الانسان الظاهرة، اذ لا اثر لهذا في اصلاح النفس واصلاح الغير والأرض، اذ لو كان هذا هو المراد لذهبت المناسبة التي في بداية السورة من القسم بالتين والزيتون ... فان العقل اشرف ما خص به نوع الإنسان من بين الأنواع، ولذلك كان هو المقصود من الآية، واما خلق جسد الانسان في أحسن تقويم فلا ارتباط له بمقصد السورة"22
وهذه من الفوائد العظيمة التي تجعل المفسر يسير في بيانه لمعاني الآيات في اطار وحدة مقصد السورة لا بعيدا عنها.
كما اوضح ذلك عبد الحميد الفراهي حين قال: "اعلم ان تعيين عمود السورة هو اقليد المعرفة نظامها.. ولكنه اصعب المعارف، ويحتاج الى شدة التامل والتمحيص وترداد النظر في مطالب السورة المتماثلة والمتجاورة، حتى يلوح العمود كفلق الصبح، فتضيء به السورة كلها، ويتبين نظامها، وتأخذ كل اية محلها الخاص ويتعين من التأويلات المحتملة ارجحها"23
من هنا جاء اهتمام عدد من الكتاب المعاصرين بمقاصد السور ومحاورها، خاصة في ظل ما يثيره البعض من شبهات حول القرآن ونظمه وموضوعاته. فالحديث عن مقاصد السور ومحاولة فهمها والإفادة من ذلك في معالجة الواقع الإنساني، يعد من الوسائل العظيمة والغايات النبيلة لدفع الشبهات وتعزيز الإيمان بكتاب الله سبحانه وتعالى والحث على التمسك به وتطبيق تعاليمه في الحياة.
وعند الحديث عن سورة الأنعام تنوعت عبارات العلماء في الكشف عنها فقد عرض الشيخ محمود شلتوت للحديث عن اهداف السورة ومقاصدها الإجمالية، مشيرا الى القضايا الأساسية لأصول العقيدة والإيمان، تلك القضايا التي تناولتها، وقضية الوحى والرسالة، وقضية البعث السورة الكريمة متمثلة في قضية الألوهية والجزاء، وكان سلاح ذلك التناول – على نحو ما بين - الحجة المتكررة، والآيات المصرفة، والتنوع العجيب، والبرهان القاطع في طريق الإلزام والإقناع 24
ومع تخصيص المساحة الأكبر في تلك السورة الكريمة للتعامل مع القضايا الرئيسية وهي قضية الألوهية وعبادة الله وحده، وقضية الوحي والرسالة، وقضية البعث والجزاء، إلا ان السورة تناولتها باساليب وعبارات متنوعة ومتكررة، بهدف اثارة العقل والوجدان وتعزيز الإيمان بهذه القضايا الأساسية باسلوب متسق في النظم والأسلوب.
وعند التدبر في السورة المباركة نلحظ انها تناولت الى جانب الحديث عن التوحيد تأسيس منظومة الأمن بكل الوانها وصوره؛ بل ان الحديث عن التوحيد وابطال حجج المشركين والملحدين جاء اساسا للأمن وتحقيقه وفق النهج القرآني كما سياتي بيانه.
الأساس الأول للأمن في سورة الأنعام: التوحيد والإيمان
تشكل الأجواء التي نزلت فيها هذه السورة العظيمة انموذجا لغياب الأمن في المجتمع الأول الذي تنزلت فيه الآيات، فقد تميزت تلك الفترة بقسوة المشركين وعنفهم في مقاومة الدعوة الإسلامية وإنكارها، وجاءت السورة التي نزلت في اغلب الأقوال في السنة الرابعة من البعثة مستعرضة الأدلة على توحيد الله وقدرته ثم ساقت ادلة المشركين وشبههم فابطتها وفقدتها. حتى استطاعت دعوة الإسلام بعد ان كانت سرية ان تعلن عن نفسها بعد الخفاء، وان تتحدى بصوت عال ونداء جهير، بعد ان كان المؤمنون بها يلجئون الى الشعاب والأماكن البعيدة ليؤدوا صلاتهم، وراى المشركون ان محمدا – صلى الله عليه وسلم – ماض في اعلان دعوته وتلاوة ما انزل عليه من الكتاب، وفيه انذار لهم وتفنيد لمعتقداتهم، وتسفيه لآرائهم، وإنكار لآلهتهم، وتهكم باوثانهم وتقاليدهم البالية. يقول الرازي في ذلك الإمام الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب:
(ان هذه السورة اختصت بنوعين من الفضيلة احدهما انها نزلت دفعة واحدة، والثاني انها شيعها الف من الملائكة. والسبب في ذلك انها مشتملة على دلائل التوحيد والعدل والنبوة والمعاد وابطال مذاهب المبطلين والملحدين)25.
من هنا جاء مفتتح السورة بقوله جل شانه مبينا بشاعة جريمة الكفر به: (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) (سورة الأنعام: 1) وجاء بذكر الظلمات والنور لفظة عامة تحتمل المعاني الحسية للنور والظلمة وكذلك المعنوية من الجهل والشك وغياب الأمن الفكري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي..
وقد نزلت سورة الأنعام تطبيقا واقعيًا لإشاعة النور والأمن الإنساني من خلال ما جمعته من العقائد الصحيحة كلها وما غنيت به من الاحتجاج لأصول الدين، وتفنيد شبه الملحدين، وإبطال العقائد الفاسدة، وتركيز مبادئ الأخلاق الفاضلة.
ويقول الشيخ محمد رشيد رضا لو سميت سور القرآن بما يدل على جل ما تشتمل عليه كل سورة او على اهمه لسميت هذه السورة سورة عقائد الإسلام، او سورة التوحيد، على ما جرى عليه العلماء من التعبير عن علم العقائد بالتوحيد لأنه اساسها واعظم اركانها، فهي مفصلة لعقيدة التوحيد مع دلائلها، وما تجب معرفته من صفات الله تعالى وآياته ولرد شبهات الكفار على التوحيد وما يتبع ذلك من هدم هياكل الشرك وتقويض اركانه، ولإثبات الرسالة والوحي وتفنيد شبهاتهم على الرسول صلى الله عليه وسلم - وإلزامهم الحجة باية الله الكبرى وهي القرآن 26. وثمة امر اخر يكشف النقاب عن محورية موضوع الإيمان والتوحيد في سورة الأنعام متمثلاً في التناسب بين مفتتح السورة وآخرها، يقول الله عز وجل في الآية الأخيرة من السورة:
(وهو الذي خلق وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما اتاكم ان ربك سريع العقاب وانه ل لغفور رحيم) (الأنعام: 165). وفي الآية الأولى يقول عز وجل: (الحمد لله السماوات وا والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون)
ولعل واحدا من ابرز اسباب الصراع بين البشر وفقدان الأمن في مجتمعاتهم؛ غياب فهم قضية التفاوت في الأرزاق بين البشر، وهو امر حلت الإشكال فيه تلك الآية الأخيرة من سورة الأنعام وعالجت اهم اسباب غياب الأمن الكامنة في صراع البشر فيما بينهم.
وتعد سورة الأنعام المكية من ابرز النماذج القرآنية لتاسيس اصول الإيمان بالله سبحانه وتعالى وركائزه مع بيان مختلف الأدلة والبراهين التي تخاطب الإنسان عقلا وروحا وقلبا مهما كانت خلفيته الاعتقادية من هنا توالت الآيات في السورة لتوصل الإنسان العاقل الى الإيمان بوجود رب واحد منزه عن الشبيه والمثيل، واحد لا شريك ولا ند له. ومن ثم وجب افراده بالعبادة والخضوع لأحكام شريعته وامتثال اوامره واجتناب نواهيه، الأمر الذي يصل بالإنسان الى القيام بمقتضيات الأمانة: هو الذي خلقكم من طين ثم قضى اجلا واجل مسمى عنده ثم انتم تمترون. وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) (الأنعام:2-3).
من هنا كان من اهم مقتضيات الأمن الإيمان فالإيمان يحقق الطمأنينة في النفس وسكونها من حيث الإجابة عن كافة التساؤلات الكبرى التي اقضت مضاجع البشرية عبر تاريخها والى اليوم من الحديث عن وجود خالق للكون الى الحديث عن مصير العالم وقد جاءت الآيات في سورة الأنعام منذ اولها باساليب متنوعة لإيقاظ بواعث الإيمان والتوحيد في قلب الإنسان. فلفظة الإيمان ومشتقاتها التي وردت في القرآن فيما يزيد عن خمسمائة مرة. فما بين الحديث باسلوب العاطفة وتحريك الوجدان الى العقل ودعوته للتفكر والنظر واعمال كافة الحواس وتشغيلها واطلاقها في الآيات الكونية المبثوثة، الى النظر في تاريخ الأمم السابقة واستحضار عاقبتها، والتذكير بما حل بها من دمار وخراب وفقدان للأمن الغذائي والاستقرار الذي كانت تنعم به.
والربط بين حلول الكوارث وفقدان الأرزاق وضيقها من جهة والتنكص عن المنهج الإيماني | الحق حق يبز في ايات سورة الأنعام ومنها قوله تعالى: (الم يروا يرو كم اهلكنا من قبلهم ق من قرن مكناهم في الأرض ما لم تمكن لكم وارسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فاهلكناهم بذنوبهم وانشا نا من بعدهم قرنا اخرين). (الأنعام: 6).
فالإيمان يشكل درعا واقيا امام مقوضات الأمن الغذائي والبيئي وغيرها كثير مما تعراف عليه الإنسان في العصر الحاضر بهذه المسميات. وفي هذا المعني يقول ابن القيم رحمه الله: «ومن عقوبات الذنوب انها تزيل النعم، وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة الا بذنب، ولا حلت به نقمة الا بذنب، كما قال على بن ابي طالب – رضي الله عنه -: ما نزل بلاء الا بذنب، ولا رفع الا بتوبة. وقد قال تعالى: (وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفو عن كثير) [سورة الشورى: 30].
وقال تعالى: ذلك بان الله لم يك مغيرا نعمة انعمها على قوم حتى يغيروا ما بانفسهم} [سورة الأنفال: 53]. فاخبر الله تعالى انه لا يغير نعمه التي انعم بها على احد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه، فيغير طاعة الله بمعصيته، وشكره بكفره، واسباب رضاه باسباب سخطه، فإذا غير غير عليه، جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد فان غير المعصية بالطاعة، غير الله عليه العقوبة بالعافية، والذل بالعز.. 27)
من هنا جاءت سورة الأنعام بقضية التوحيد في مختلف الآيات فيها. ونوعت الأساليب في عرض قضية الإيمان وتجديده ومن ذلك بيان ضعف الإنسان وعجزه مهما بلغت قوته امام قدرة الله سبحانه وقهره. قال تعالى: (وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير) (سورة الأنعام: 18) وقد فسر ابن عاشور القهر الحقيقي هنا بانه الذي لا يجد المقهور منه ملاذا؛ لأنه قهر باسباب لا يستطيع احد خلق ما يدافعها.. ومعنى القهر فوق العباد انه خالق ما لا يدخل تحت قدرهم بحيث يوجد ما لا يريدون وجوده كالموت، ويمنع ما يريدون تحصيله كالولد للعقيم والجهل بكثير من الأشياء، بحيث ان كل احد يجد في نفسه امورا يستطيع فعلها وامورا لا يستطيع فعلها 28.
من هنا جاءت بعدها شهادة التوحيد العظيمة التي تعطي الإنسان الشعور بالأمان الداخلي النابع من يقين الإنسان بعجز الخلق عن فعل شيء او الإيقاع به او ايصال الضرر اليه. (قل اي شيء اكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم اوحي الي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ائنكم لتشهدون ان مع الله الهة اخرى قل لا اشهد) (سورة الأنعام: 19).
وقد يتوهم الفرد ان هناك من البشر من يملك له الضر او النفع، او يملك له رزقا من دون الله اذا رضي عنه، وإن سخط سيمنع عنه الرزق.... كل ذلك اعمال تناقض صفاوة التوحيد ونقاوته، لا يستقيم معها التوحيد، التوحيد الخالص الذي يخلص فيه القلب من النظر لأي احد الا الله عز وجل نفعا وضرا واستعانة وعطاء واستغاثة وتوكلا ورزقا، فلا بد للإنسان ان يخلصها من شوائب الشرك، والنظر الى الخلق.
ويلحظ المتدبر في السورة ان الآيات المباركة وزعت بحسب قضية الإيمان والأمانة اللذين يؤديان الى الأمن. فمن الآيات الأولى في السورة الى نهايتها، جاء الحديث عن وسائل تعزيز الإيمان في الفكر والقلب والواقع، وربط ذلك بتحقق الأمن واستحقاق الإنسان للتنعم به، لتوضح ان الأمن ثمرة ونتيجة مترتبة على القيام بالإيمان والأمانة (الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الأمن والإيمان يولد عند الإنسان التجانس مع كل ما حوله من ايات في الأنفس والكون والمجتمع، مع انعدام الشعور باي شكل من اشكال الصراع. وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم الى ربهم يحشرون) (الأنعام: 38).
وسورة الأنعام من اعظم الأدلة على التوافق والتجانس بين الإنسان والكون، تجعل الإنسان يطوف بنظره في الكون والطبيعة. من هنا جاء تذكير الإنسان بالطبيعة والكون وموارده في مختلف اجزاء السورة الكريمة الأمر الذي يسوق الإنسان الى اكتشاف قوانين وسنن التعامل مع الكون والكائنات. وذكر الأنعام في السورة وبيان الأحكام والتشريعات الربانية فيها، ضمن هذا التوافق والتجانس. فذكر الأنعام والزروع والنخيل في السورة يؤكد اهمية العناية بها في الحفاظ على خلقتها وتركيبها والانتفاع بها وفق اوامر الله الخالق سبحانه لها، الأمر الذي يربط بين الإيمان والأمانة هنا. فمن الأمانة ان ينتفع الإنسان بما خلق الله في الكون دون افساد لها او اضرار بها باي شكل من اشكال الفساد. والآيات وردت لبيان ظلم من منع واهدر الانتفاع بالأنعام اتباعا الأهواء نفوسهم. (سورة الأنعام 138-140).
كما تضمنت السورة المباركة ضمن اساليب تثبيت الإيمان وتعزيزه في النفوس؛ تحريك العقل واستعمال الأساليب العقلية؛ ومن ذلك كثرة استخدام كلمة (قل) فقد وردت في السورة 42 مرة لتلقين النبي الكريم عليه الصلاة والسلام والمؤمنين اساليب الحجج الساطعة والبراهين القاطعة في ايضاح القضايا الإيمانية. ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في قصة ابراهيم عليه السلام مع قومه، موضحا الأساليب التي سلكها ابراهيم عليه السلام مع قومه في اقامة الحجة على بطلان عبادة الأوثان وفضله عليه السلام في تعزيز التوحيد الخالص.
والعلاقة بين ما جاء على لسان ابراهيم عليه السلام من مواجهة قومه بكفرهم وضلالهم، وطبيعة الظروف التي كان يعيشها المسلمون انذاك في مكة واضحة، وفيها دلالة على تحرر ابراهيم عليه السلام من كل دواعي الخوف والقلق ازاء ما قام به قومه من ايذاء وتوعد له بالعقوبة. وفي ذلك دليل على اثر الإيمان في تعزيز الشعور بالأمن الذي يدفع الإنسان الى المواجهة في تعزيز الحق والدفاع عنه. من هنا جاء التقرير لمن هو احق بالشعور بالأمن من المؤمنين الراسخين الموقنين بالله وحده دون شريك وهنا تاتي الآية في تقرير ان الذين صدقوا مع ربهم واخلصوا ولم يشركوا ولم يخلطوا عبادتهم بشرك، احق بالأمن من عقابه، والذين يشركون بربهم فهم الخائفون من عقابه، ففي عاجل الدنيا وجلون من حلول سخط الله، وعذاب الآخرة يقين الوقوع عليهم.
كما ورد لفظ الجلالة 137 مرة في السورة بين لفظى "الله" "رب" مع اشتقاقاتها المتنوعة. هذا اضافة ايضا الى الضمائر التي تحيل الى الله تعالى و هي 278 ضميرا الأمر الذي يشير الى ارتباط الأمن بعلاقة الإنسان بخالقه وتصحيح تلك العلاقة.
فكلما ضعف التوحيد ضعف الأمن، وكلما زاد الشرك زاد الخوف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن تدبر احوال العالم وجد كل صلاح في الأرض فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدة وغير ذلك؛ فسببه مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم والدعوة الى غير الله، ومن تدير هذا حق التدير وجد هذا الأمر كذلك في خاصة نفسه وفي غيره عموما وخصوصا، ولا حول ولا قوة الا بالله 29.
الأساس الثاني: الأمانة
اصل اشتقاق الأمانة الفعل الثلاثي امن وزوال الخوف؛ لأن الأمانة إنما توضع في الأصل عند أمين، والأمين ثقة لا يخون والأمانة ضد الخيانة، ومعناها: سكون القلب والتصديق للمؤتمن عليها والتصديق للمؤتمن عليها، وقال الراغب والأمن والأمان والأمانة في الأصل مصادر، ويجعل الأمان للحالة التي يكون عليها الإنسان تارة واحيانا لما يؤمن عليه الإنسان.
حفظ المرء لكل ما يجب حفظه من حقوق او واجبات او حدود او اشياء مادية او معنوية سواء كانت الله تعالى ام لأفراد المجتمع، وهي ضد الخيانة – قال ابو حيان: (الأمانة: الظاهر || كل ما يؤتمن عليه من امر وي وشان دين ودنيا، والشرع كله امانة، وهذا قول الجمهور 30).
قال الطاهر بن عاشور: المراد بالأمانة حقيقتها المعلومة، وهي الحفاظ على ما عهد به ورعيه، والحذار من الإخلال به سهوا او تقصيرا فيسمى تفريطا واضاعة، او عمدا فيسمى خيانة وخيسا).31
فالأمانة وفاء بتكاليف الكتاب العزيز والسنة الشريفة والائتمار بأمرهما والوقوف عند حدودهما من هنا كانت جميع الفرائض والأوامر الربانية داخلة ضمن الأمانات بل هي من اعظمها في كتاب الله سبحانه وتعالى.
من هنا كان التلازم بين الأمن والإيمان والأمانة في سورة الأنعام واضحا. والإيمان المتجسد في سورة الأنعام يعزز الأمن الشامل في المجتمع، ونجدد التذكير بان الأمن ليس بشكل واحد في وقتنا الحاضر، نتحدث عن اشكال متعددة من الأمن مثل الأمن الغذائي والأمن الفكري.
ومن اجل تحقيق الأمن الغذائي، يجب ان يكون هناك الالتزام بالأمانة، والاعتراف بان مقدرات الكون والثروات هي امانات يجب الحفاظ عليها وتوزيعها بعدالة.
والمتدبر في السورة، يلحظ انها السورة التي جاءت بما اطلق عليه المفسرون بالوصايا العشر، وهي ثلاث آيات جاءت في اواخر سورة الأنعام. وتشكل هذه الوصايا القواعد والأسس لكل صلاح بشري فرديا كان او جماعيا، وهي لب الأمانة التي يحمل الإنسان مسئولية القيام بها والحفاظ عليها في واقعه (قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ولا تقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون. ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده واوفوا الكيل والميزان بالقسط لا يكلف نفسا الا وسعها واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله اوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون. وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) (الأنعام 151-153) والترابط بين هذه الوصايا وقضية الأمانة يتضح من خلال ربط المفهوم العميق للإيمان بالعمل الصالح والحفاظ على الوصايا العشر التي جاءت في اواخرها، الكفيلة بتحقيق الأمن بكل مستوياته واشكاله.
فالترابط بين الأمن كثمرة ونتيجة مترتبة على تحقيق الإيمان والأمانة في الحياة الإنسانية؛ من ابرز مقاصد سورة الأنعام. (الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الأمن وهم مهتدون). وفي الحديث عن انس بن مالك قال: ما خطبنا نبي الله صلى الله عليه وسلم - الا قال: «لا ايمان لمن لا امانة له، ولا دين لمن لا عهد له.»
فإيمان الفرد يدفعه الى اداء الأمانات وحماية كل المقدرات الإنسانية من خلال الاعتقاد ان اموال الناس واعراضهم وارواحهم امانة وحولها سور عظيم ينبغي حماية ذلك السور والحفاظ عليه وعدم الاقتراب منه.
والإيمان الذي تبنيه سورة الأنعام وساقت مختلف الأساليب والحجج لترسيخه حتى غرفت بسورة الحجة البالغة والحجاج؛ يحقق الأمان للمجتمع باسره.
حيث يصبح الإيمان عاملا مولدا للأمانة حارسا للأمن. فالأمن لا يتحقق الا بوجود العدالة التي يؤسسها القرآن في جذر قلوب الأفراد بالربط بينها وبين الإيمان.
فالإيمان المتجسد في سورة الأنعام يعزز الأمن الشامل في المجتمع، مثل الأمن الغذائي والأمن الفكري والالتزام بالأمانة، والاعتراف بان مقدرات الكون والثروات هي امانات يجب الحفاظ عليها وتوزيعها بعدالة لتحقيق الأمن بكل صوره.
فالتحديات التي تواجه الأمن ترتبط الى حد كبير بضياع الأمانة وقلتها الأمر الذي يجعل منها ضرورة لصلاح المجتمعات الإنسانية واستقرارها.
الأساس الثالث: الوصايا العشر وبناء منظومة الأمن
الوصايا العشر وردت في اواخر سورة الأنعام العظيمة ضمت اصول الفضائل في الدين والأسرة والمال
والنفس التي تطهر النفوس والمجتمعات من كل رذيلة ومنقصة، فاغلقت منافذ الشر وما يمكن ان يهدد امن الناس على نفوسهم واعراضهم واموالهم. ولتأكيد ذلك ختمت الوصايا بالحديث عن الصراط المستقيم في دلالة واضحة ان من اراد الهداية والثبات على الصراط المستقيم، فلابد له من الالتزام بها وعدم الخروج عنها (فاتبعوه).
ويذكر القرآن البشرية بهذه الوصية من خلال تاكيد حقيقة ان هذه الوصايا العشر، جاء بها جميع الأنبياء: (ثم اتينا موسى الكتاب تماما على الذي احسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون وهذا كتاب انزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون) (الأنعام 154-155) هذه وصية من الله لعباده بان يلتزموا بما وصاهم به في هذه الآيات ليسعدوا في الدنيا والآخرة.
قال الله - تبارك وتعالى: (قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ولا تقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون (151) ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده واوفوا الكيل والميزان بالقسط لا تكلف نفسا الا وسعها واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله اوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون (152) وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون).
وتشكل هذه الوصايا العشر عند التدبر فيها القواعد الدينية والاجتماعية التي تنظم حياة الإنسان والمجتمع من خلال اقامتها على علاقة الإنسان مع ربه، ونفسه، والكون، والناس. واذا تحقق التوازن والانضباط في هذه العلاقات الثلاث، ستكون المنظومة الحياتية متوازنة ومنسجمة، تثمر الأمن بكل انواع وصوره.
فهي وصية من الله – عز وجل للمؤمنين، وهذا دليل على عظيم شان هذه الوصايا واهميتها واشتمالها على خيري الدنيا والآخرة، وهي تشتمل على عناصر الدين الكبرى عند الله – سبحانه وتعالى ونقل عن ابن عباس رضي الله عنه انه قال عن هذه الآيات الثلاث انهن محكمات وهن ام الكتاب، وذكر ابن مسعود رضي الله عنه ان من اراد ان ينظر الى وصية الرسول صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ الآيات الثلاثة من سورة الأنعام.
يقول في هذا السياق الشيخ محمود شلتوت رسمت هذه الآيات للإنسان طريق علاقته بربه الذي يرجع اليه الإحسان، ووضعت الأساس المتين الذي يبنى والفصل في كل شيء، عليه صرح الأسر التي تكون الأمة القوية الناجحة في الحياة وسدت منافذ الشر الذي يصيب الإنسان من الإنسان في الأنفس والأعراض والأموال، وهي عناصر لابد السلامة الأمة من سلامتها ثم ذكرت اهم المبادئ التي تسمو بالتزامها، والمحافظة على الحياة الاجتماعية الفاضلة.32
من هنا فالمتدبر في هذه الوصايا العشر يجد انها تشكل السياج الأمني للحفاظ على المقاصد الخمس التي لم تخل من رعايتها ملة من الملل ولا شريعة من الشرائع وهي: حفظ الدين والنفس، والعقل والنسل والمال كما يقول الغزالي رحمه الله33.
فالقرآن العظيم في السورة يبين ان اساس كل الانحرافات الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية تكمن في الاختلال في علاقة الإنسان بربه وخالقه وما يمكن ان يعتريها من شوائب - شوائب الشرك، شوائب الضلال. من هنا حين بدأ بقضية التشريع في الآية: (قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا) [الأنعام: 151] ابتدا بقضية الشرك لان الشرك هو ام الكبائر، الذي يشكل في المجتمع عمليات وخطوط انحراف واضحة في مختلف الجزئيات، و لذلك القرآن العظيم في اخر الآية قال ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون } {الانعام: 151}
كما ان في الربط بين الإيمان والتشريعات معنى عظيما يظهر في قوله تعالى: (وذروا ظاهر الاثم وباطنه ان الذين يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون) [الأنعام: 120] قال الماوردي في تعليقه على هذه الآية: قوله عز وجل: (وذروا ظاهر الاثم وباطنه) فيه اربعة تأويلات: احدها سره وعلانيته 34 وكذلك ان ظاهر الاثم ما يفعله بالجوارح، وباطنه ما يعتقده بالقلب.
ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون } [الأنعام: 151] فاحكام التشريع بما فيها من الحكم والمقاصد التي تقتضي التعقل لفهمها ووعي اهمية تطبيقها في الواقع الإنساني هي الكفيلة بتحقيق الأمن الحقيقي حين يحل الناس ما احل الله ويحرمون ما حرم الله، لا ما حرم او اخل شركاؤهم.
من هنا يمكن القول بان الآيات العظيمة في السورة وضعت الأسس العامة للحفاظ على الأمن بكل انواع وصوره وابتدأت الحديث الحفاز على مابات يعرف اليوم بالأمن الفكري والذي عرفه بعض المعاصرين بانه تحصين وحماية الحالة العقائدية في حياة الإنسان المسلم عن كل ما يهدد بقائها واستمراريتها؛ ضد كل ما يسعى الى زوبان هوية وثوابت الفكر، في فكر عقائدي واقد ودخيل. وتكمن اهمية الأمن الفكري في سعيه لمعالجة اسباب تفرقة الناس في الحياة وتنوع اديانهم واعراقهم والوانهم واهوائهم واستيعاب التجاذب الواقع بين مصالحهم والذي انتج الوانا من الصراع ودفع بالحضارات القائمة في الدول للبحث عن وسائل واسباب للحماية والأمن بكل انواعه، كما تبحث الدول ايضا عن ما يحقق لها الغلبة، قدابت المجتمعات وافرادها تبحث دوما عن اسباب توسعة وسائل استجلاب الأمن 35
عرفه بعض الكتاب المعاصرين بانه مجموعة من الإجراءات والأساليب المعنوية والمادية التي يجدر بالمؤسسات الاجتماعية اتخاذها من خلال البناء العقلي لي المعنوي للإنسان وذلك بغرس المعتقدات الصحيحة وقيم المجتمع التي تقوم بتوجيه السلوك وفق ما يحقق امن المجتمع في جميع الجوانب، كما انه تحصين للعقل من خلال تفعيل مدركات الفرد لتمكينه من القدرة على التمييز بين مختلف ما يسمعه ويراه ويقرؤه ثم قبوله او رفضه بعد ذلك اذا كان فيه مساس بامن المجتمع في مختلف جوانب الحياة 36.
وتاتي الوصية الثانية ضمن الوصايا العشر داعمة الأمن الأسري ومؤسسة له من خلال حرص الإسلام على انشاء علاقات اسرية متينة، فاسسها على اساس التراحم واعتبره اساسا يقوم على رقة تقتضي الإحسان للمرحوم والعطف عليه والحنو بل تقتضي ارادة المنفعة للغير واعمار القلب بحب الخير والنفع والبدل والعطاء للآخرين واذا كان عطف الآباء على ابنائهم وابتغاء الخير لهم هو من باب الفطرة التي جبل الإنسان عليها فقد امر سبحانه وتعالى الأبناء بير الآباء وخفض الجناح لهم.
ان تربية النشء على قيم التراحم وبناء اسر على صلة الأرحام والعمل على صيانتها يجعل العلاقات الأسرية علاقات متينة يسود فيها التعاون والتكافل بشتى انواعه والإحسان للأباء والأقارب واجب يلتزم به المؤمن بالله تعالى المعظم لكتابه، فيصل قريبه بالمعروف، وببذل الجاه والنفع البدني والمالي، بحسب ما تتطلبه قوة القرابة والحاجة لما في ذلك من اهمية بالغة في بناء المجتمع القوي المتماسك؛ فالتألف والترابط بين افراد المجتمع بصفة عامة، وبين ذوي القربي والأرحام بصفة خاصة، من اهم الدعائم اللازمة لتحقيق الأمن الأسري.
ثم تاتي الوصية الثالثة (ولا تقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم)، حيث اوصى الله تبارك وتعالى الآباء بعدم قتل الأبناء خشية الفقر، فانه سبحانه هو الرزاق، رزق الأبناء على الله كما رزق الآباء على الله؛ قال الحافظ ابن كثير: "لما اوصى تعالى بالوالدين والأجداد، عطف على ذلك الإحسان الى الأبناء والأحفاد، فقال تعالى: (ولا تقتلوا اولادكم من املاق)؛ وذلك انهم كانوا يقتلون اولادهم كما سولت لهم الشياطين ذلك، فكانوا يبدون البنات خشية العار، وربما قتلوا بعض الذكور خشية الافتقار. وقد ورد في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه انه سال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اي الذنب اعظم؟ قال ((ان تجعل الله ندا وهو خلقك))، قلت: ثم اي؟ قال: ((ان تقتل ولدك خشية ان يطعم معك)).
من املاق): اي من الفقر الواقع بهم يقتلونهم بسبب الفقر الواقع عليهم فلما كانوا مفتقرين فهم محتاجون للرزق لعيلوا انفسهم ثم اولادهم لذا بدأ تعالى برزقهم هم اولا لأنهم محتاجون ثم رزق اولادهم. ولا يخفى ما اسسته الآية الكريمة من قاعدة حفظ المال وعدم اتلافه وضياعه الى جانب حفظ النفس والعلاقات الأسرية والبر بالأبناء والحفاظ عليهم.
وتاتي الوصية الرابعة: قوله تعالى: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)، الوصية بالنهي عن قربان الفواحش بأنواعها، والفاحشة هي كل ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال، وقد كان ابن مسعود يقول: "لا" احد اغير من الله، ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شيء احب اليه المدح من الله، ولذلك مدح نفسه.37"
وتدخل هذه الوصية ضمن اطار الأمن الأخلاقي بانه الشعور بالطمأنينة الذي يتحقق بحفظ العرض والنسل والقيم والأخلاق وعدم انتهاكها او المساس بها.
فالشعور بالطمأنينة الذي يتحقق من خلال المحافظة على العرض والنسل والقيم والأخلاق وحمايتها من الخروج بها عن قواعد الضبط الاجتماعي من خلال ممارسة الدور الوقائي والقمع والعلاج الكفيل بتحقيق ذلك.
وتمثل الأخلاق العمود الأساسي العملي للتوحيد حيث يكون سلوك الفرد من خلال قوة إيمانه ونقاوة توحيده. كما يؤكد التوحيد الهدف الأعلى لهوية الإنسان هو استخدام الله تعالى للإنسان على الأرض. وينبغي ان يتضمن الاستخدام الأمانة، ومضمون هذه الأمانة الإلهية هو الوفاء بالواجب الأخلاقي في كل شيء ويتحقق ذلك في الأسرة التي هي اساس المجتمع، ومن خلالها يتجسد تطور الحضارة الإنسانية، والهدف الحقيقي لإرادة الله تعالى على الأرض.38
اما الوصية الخامسة في قوله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق، فقد جاءت بالنهي عن قتل النفس التي حرمها الا بالحق النفس المعصومة التي لا يجوز قتلها بغير حق، وقد جرم سبحانه في العديد من الآيات في كتابه هذه الفعلة: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما) [النساء: 93]
وهنا تعزى الى القرآن تعزيز قيمة النفس الإنسانية ورفعها، والاهتمام بها بغض النظر عن الدين والمعتقد الله الذي خلقها وبراها. قد اكد الله سبحانه على عظمة النفس وقدسيتها، حيث اقسم بها قائلا: ونفس وما سواها" [الشمس: 7]، وابرز عظمة جريمة الاعتداء عليها قائلا: "كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الأرض فكانما قتل الناس جميعا ومن احياها فكانما احيا الناس جميعا" [المائدة: 32].
فالحفاظ على النفس وصية خالدة بعد الحفاظ على الدين، وذلك لأن الحفاظ على النفس من ضروريات الحياة الإنسانية واستمرارها.
ولعل من ابلغ العبارات في شرح مفهوم حفظ النفس ما اورده الشاطبي رحمه الله حين اشار الى المعاني الثلاث في حفظها وهي: الاحتفاظ باصلها من خلال الشرعية في التكاثر، والحفاظ على بقائها بعد خروجها من العدم الى الحياة من خلال توفير الماكل والمشرب وكل ما يحتاجها من الداخل، وتوفير الملبس والمسكن وكل ما يحتاجها من الخارج. وتجدر الإشارة الى ان كل هذه الجوانب قد ذكرت اصلا في القرآن، وفي السنة النبوية، وتكملة هذه الجوانب تتم عن طريق الحفاظ على النفس بعيدا عن ان تقع في الحرام مثل الزنا، وذلك بان يتم الزواج الشرعي الصحيح ويتم توفير جميع ما يتعلق به من الطلاق والخلع واللعان وما شابه ذلك. ويتم حفظ ما تتغذى به النفس من خلال تناول ما لا يضرها او يؤذيها او يفسدها، وتوفير ما يلبي احتياجاتها المتعلقة بالأطعمة والصيد والأضحية والحدود الشرعية والقصاص، واحترام المصاعب والظروف المتعلقة بهذه الأمور وامور مشابهة، وحفظ النسل يدخل في هذا السياق واصولها مذكورة في القرآن الكريم والسنة النبوية 39
والوصية السادسة: قوله تعالى: (ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده) النهي عن اموال اليتامى الا بالتي هي احسن كما نهى الله سبحانه عن مقاربة مال اليتيم في الوصية السادسة، ومن باب اولى اكله الا بالتي هي احسن، ولا يفهم من قوله: (حتى يبلغ اشده) انه يجوز قربان واكل اموال اليتامى اذا بلغوا اشدهم، بل المراد ببلوغ الأشد انه تدفع اليهم اموالهم؛ كما بين ذلك قول ربنا في كتابه: (وابتلوا اليتامى حتى اذا يلغوا النكاح فان انستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم ولا تأكلوها اسرافا وبدارا ان يكبروا ...... [النساء: 6]، وقال الله تبارك وتعالى محذرا من اكل اموال الناس: (ان الذين ياكلون اموال اليتامى ظلما انما ياكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) [النساء: 1.10
وقد كان للتشريعات القرآنية والنبوية دور عظيم في الحفاظ على حقوق الأيتام، حيث قضت على الممارسات السلبية التي كانت متعارفا عليها في الجاهلية، مثل عدم توريث الأطفال الصغار وحرمان البنات من الميراث. كما قام الإسلام بتحطيم الطموحات الشخصية للأشخاص الذين يتسابقون للزواج من اليتيمات بهدف الاستحواذ على ممتلكاتهن. وعندما يتزوجونهن، لا يقدمون لهن مهرا.
وامر الإسلام بالاهتمام الكامل والشامل برعاية الأيتام، محذرا من العواقب السيئة للإهمال في هذا الشان. كما يامر بان يعامل الناس الأيتام بالمحبة والرحمة والعطف والشفقة، تماما كما يعاملون ابناءهم 40.
ولا تخفى اهمية العناية بالأيتام وحقوقهم ودورها في تحقيق امن المجتمع والحفاظ عليه وحماية الفئات التي يمكن ان تكون عرضة للاعتداء على حقوقها.
وتنتقل السورة المباركة الى الوصية السابعة: قوله تعالى: (واوفوا الكيل والميزان بالقسط) حيث يامر الله سبحانه في هذه الآية باقامة العدل في الكيل والوزن، وفي سور اخرى ارسل رسولا بهذا الأمر حيث قال شعيب عليه السلام لقومه: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان اني اراكم بخير واني اخاف عليكم عذاب يوم محيط) [هود: 84]
ومع كون المعنى الذي تدل عليه الآية في الأصل في المكيال والميزان، إلا انها تشير الى العدل في كل امر، ومن هنا ذهب بعض العلماء الى تعميم التطفيف عام في كل قول وعمل، ولا يختص بالتطفيف في الكيل والميزان.
وحفظ الوفاء في المكاييل والموازين يحافظ على قيمها ويصون امانتها ويحمي امنها. وعندما يشيع التلاعب بالعلاقات المالية في عمليات الشراء والبيع، يتأثر المجتمع المسلم بالضعف والتدهور الأخلاقي والقيمي، وتنتشر القيم الفاسدة والصفات الذميمة بين افراده؛ فجاء التشديد والنهي وصية لبيان خطورة هذه الممارسات ونقضها للوازم الإيمان.
ثم تاتي الوصية الثامنة: قوله تعالى: (واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى)، حيث امر الله في هذه الآية بان يعدل الإنسان في اقواله وافعاله حتى مع اقرب الناس اليه؛ يقول ابن عاشور رحمه الله:
هذا جامع كل المعاملات بين الناس بواسطة الكلام وهي الشهادة، والقضاء، والتعديل، والتجريح، والمشاورة، والصلح بين الناس، والأخبار المخبرة عن صفات الأشياء في المعاملات: من صفات المبيعات، والمؤاجرات، والعيوب؛ وفي الوعود، والوصايا، والأيمان وكذلك المدائح والشتائم كالقذف، فكل ذلك داخل فيما يصدر عن القول.41
اما الوصية التاسعة: قوله تعالى: (وبعهد الله اوفوا)، امر الله بالوفاء بعهده؛ قال الحافظ ابن كثير: قال ابن جرير: يقول وبوصية الله التي اوصاكم بها فافوا، وايفاء ذلك ان تطيعوه فيما امركم ونهاكم، وتعملوا بكتابه وسنة رسوله، وذلك هو الوفاء بعهد الله: (ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون؛ يقول تعالى: هذا اوصاكم به وامركم به، واكد عليكم فيه (لعلكم تذكرون)؛ اي: تتعظون وتنتهون عما كنتم فيه قبل هذا." وتختم الآيات الكريمة بالوصية العاشرة: (وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)، امر الله باتباع صراط الله المستقيم ونهى عن التفرق واتباع السبل.
وبعد ان ساق سبحانه ما تقدم من الوصايا وطلب العمل بما جاء من الأوامر، وترك ما نهى عنه سبحانه، وحصل بذلك البيان والإرشاد من تلك الوصايا الجامعة، وهي تمثل الصراط المستقيم قال سبحانه مشيرا اليها: (وان هذا صراطي مستقيما)، فدين الله سبحانه وشريعته هي الصراط المستقيم، ثم امرهم باتباعه، فقال: (فاتبعوه)، ونهاهم عن اتباع السبل المخالفة لهذا المنهج القويم فقال: (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)، قال الحافظ ابن كثير: "امر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والتفرقة، واخبرهم انه انما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله ونحو هذا."
فهذه الوصايا مجمع عليها من الأديان، وهي الأساس لتكوين الجماعات الفاضلة، وقد جاءت بها الأديان كلها ورضيتها الشرائع الوضعية المستقيمة، وهي من وصايا الإسلام الذي هو دين الله الخالد الذي لا يقبل الله سواه، وان هذا الدين هو الذي فرضه الله على البشر، منذ خلقهم، جاء به ادم عليه السلام ومن تبعه من الأنبياء والرسل وتم برسالة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الدين الذي يشمل العقائد الصحيحة والأحكام العامة التي لا تتغير بتغير الزمان او المكان او بتغير احوال الناس في سلسلة حياتهم الإنسانية على وجه الأرض مهما اختلفت الوانهم واجناسهم ولغاتهم وبيئاتهم، و به صلاح حياتهم ومعاشهم وامنهم.
ولعل من جميل القول ما ذكره الشاهد البوشيخي: (قد ورد اللفظ بعدة اشكال لكنه لم يرد مقيدا بشيء لا بوصف ولا بإضافة، ومعنى ذلك انه غير قابل للتبعيض، فالأمن شيء كلي شامل لا يقبل التبعيض، فهذه نقطة مهمة وهو ان الأمن نعمة يتنعم بها الناس اما ان تكون واما ان لا تكون، ولا يمكن ان تكون مبعضة، بمعنى ينعمون بنوع من الأمن ولا ينعمون بأنواع اخرى ولا سيما بالنسبة لأهل الإيمان، لأن المنطق الذي يحكم دائرة الإيمان بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي دائرة التكليف ودائرة الشهادة على الناس، بينما الدائرة الأخرى ليست مكلفة، ولذلك اذا تمت الاستجابة للتكليف تكون النتائج وتكون الآثار الطيبة وتكون الثمرات وتكون الخيرات، وإذا لم تتم الاستجابة تكون العقوبات. بينما في دائرة غير الإيمان قد يتم التنعم الدنيوي حتى يرتحل الناس ولا يكون اشكال لأنهم ليسوا مكلفين بهذه الأمانة.42
وبهذا يمكننا القول ان الأمن في القرآن الكريم ثمرة ونتيجة لعمل متواصل وسعي في رضى الله سبحانه وسير على الصراط المستقيم، وقيام بأوامره وتحقيق لوصايه واجتناب لنواهيه. كما ان استحضار البيئة والظرفية التي نزلت فيها سورة الأنعام اول ما نزلت تشير الى قضية في غاية الأهمية متمثلة في قدرة الإنسان المؤمن على التغلب على الظروف والتهديدات الخارجية التي يمكن ان تسبب له غيابًا او ضعفا في الشعور بالأمن ولا يعني ذلك التقليل من شان واهمية الاهتمام بتحسين الحالة المعاشية والخارجية التي يعيشها الفرد لتحقيق الأمن له، ولكن تعني ان الشعور بالأمن هو شعور داخلي بالدرجة الأولى نابع من داخله، حين يحقق التوافق بين حاجاته المادية والمعنوية والروحية من خلال الامتثال لأوامر الله سبحانه وتعالى والابتعاد عن نواهيه. فقد نزلت سورة الأنعام المباركة في وقت كان المسلمون فهي يعانون من ضعف الجوانب الأمنية في حياتهم بكل انواعها وصورها، إلا ان ذلك كله لم يرفع المسؤولية عن الفرد في القيام بدوره ازاء بناء منظومة الأمن في حياته والإسهام في تعزيزها مهما كانت الظروف.
ولعل من اوائل من تعرض لمفهوم الشعور بالأمن النفسي العالم ماسلو حيث اكد اهمية الحاجة الى الشعور بالأمن من خلال نظريته في الدافعية معتبرا ان الشعور بالأمن والانتماء والمحبة حاجات اساسية لتوافق الفرد. كما اكد ان هناك ثلاثة ابعاد للطمأنينة النفسية وهي: شعور الفرد بالانتماء واحساسه بان له مكانة في الجماعة وشعور الآخرين بانهم يتقبلونه، وشعوره بالسلامة وتجنب الخطر والقلق والتهديد والخوف.
وياتي المفهوم القرآني للأمن النفسي مغايرا لذلك، فجميع الأنبياء عليهم السلام كانوا على خلاف مع اقوامهم بل ان اقوامهم مارسوا عليهم اساليب مختلفة من التهديد والوعيد والإيذاء النفسي والجسدي ورغم ذلك كانوا اكثر الناس شعورا باليقين والطمأنينة لوعد الله سبحانه وتعالى. وتقدم سورة الأنعام المباركة نموذج ابراهيم عليه السلام، ذلك النبي الفرد الذي عاش امنا في ظل اجواء من الخوف والتهديد والقلق والصراع والضغوط التي مارسها قومه عليه فتهديد قومه له بالحرق حيا في النار، لم يغير من ثباته على الحق.
انها القوة الداخلية التي يحدثها الإيمان نتيجة لذلك الشعور بالسلام الذاتي الذي يستشعر به المؤمن لعلاقته الوثيقة بالله سبحانه وتعالى.
ثم تاتي الآيات بالحديث عن كل الأنبياء الأنبياء الذين ساروا على نفس سيرة ابراهيم عليه السلام في مواجهة الضغوطات والتحديات الخارجية والقدرة على التعامل مع الظروف الصعبة والصدمات. وهذا ما اشار اليه بعض علماء النفس بانه الصلابة النفسية Psychological Solidity
تلك الصلابة التي تجعل من المؤمن انسانا قويا معرضا عن المكذبين راسخا على ما يؤمن به من قيم ومبادئ ولو خالفه كل من حوله.
لقد اسس القرآن العظيم في هذه السورة وغيرها من خلال عرض قصص الأنبياء مع اقوامهم لتعزيز الشعور بالثبات، اولئك الذين هذى الله فيهداهم اقتدة او الصلابة النفسية ومواجهة الضغوطات بل وتحديها وعدم الهروب منها.
ولذلك جاءت الآيات بعد ذلك اتبع ما اوحي اليك من ربك لا اله الا هو واعرض عن المشركين) (سورة الأنعام: 106)
كما جاء الإعلان النهائي للسورة في تحرر الإنسان من الخضوع لسلطة اي احد سوى الله سبحانه وتعالى، فلم يعد الإنسان يذل نفسه الا امام الخالق العظيم، فانطلقت ارادته من كل القيود وتحررت روحه من هوى الأوصياء من الكهان وغيرهم: (قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك امرت وانا اول المسلمين. ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة اخرى ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) (163-162)
فالمؤمن يخضع في حياته لمنهج الله عز وجل وهو مطالب بهذا المنهج وحمايته، ذاك الذي يسهم في بناء الإنسان الواعي القادر على القيام باعباء الاستخلاف والعمران الحضاري، (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما اتاكم ان ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم) (سورة الأنعام: 165)
فتعزيز مبدا الاستخلاف في الأرض يبدأ ذاتيا، من خلال تربية الإنسان ليقوم بالدور المناط به وتنمية الإنسان لنفسه تكمن في ترويضها على مواجهة مختلف التحديات، وليس مجرد تنمية الموارد الخارجية المتاحة لإشباع حاجاته، فالاستخلاف تنمية اخلاقية تهدف الى تكوين الإنسان. وهو بذلك ليس عملا دنيويا، يهدف الى مجرد تحسين الحياة الإنسانية على الأرض بقدر ما يروم تمكين الإنسان من تقديم العمل الصالح الذي هو جوهر الاختبار الإنساني. فالأمن هو ثمرة القيام بمهمة الاستخلاف على اتم واكمل وجه.
ان مفهوم الأمن الذي يقدمه القرآن الكريم في سورة الأنعام وغيرها من سور القرآن، هو ما يحتاج اليه الإنسان.
فالأمن الذي اسسه القرآن الكريم ثمرة ونتيجة مترتبة على التزام الفرد والمجتمع بالإيمان والأمانة. الأمر الذي يحقق للأفراد الرسوخ والقوة النفسية بما يجعلهم قادرين على تجاوز مختلف الظروف والتحديات التي قد يتعرضون لها. ويعتبر الأنبياء الذين هم صفوة الخلق اقدر الناس على تحصيل الأمن والشعور به رغم ما تعرضوا له من مشاق وصعوبات نظرا لأنهم اكمل الناس إيمانا وأمانة.
الخاتمة والتوصيات
ناقشت هذه الدراسة مفهوم الأمن في القرآن الكريم الذي يرتبط بالإيمان بلا ظلم. وقد اوضحت الدراسة ان الإيمان يدفع الإنسان الى الالتزامات والعهود والمواثيق مع خالقه، الذي يمنح الحياة والأمن. تناولت الدراسة ايضا مفهوم الأمن في القرآن الكريم الشمولي، وتضمنت الدراسة جوانب تطبيقية لهذه القضية من خلال تدير سورة الأنعام، التي تناولت الأمن بشكل عام واسسه وانواعه المختلفة. كما استعرضت نماذج للأمن في هذه السورة، وتسليط الضوء على اهمية بناء منظومة الأمن كهدف لسورة الأنعام. واكدت الدراسة ان الإيمان والعقيدة هما الأساس لبناء هذه المنظومة، من خلال فهم مفهوم الإيمان والعمل الصالح، وتعزيز الأمانة وتطبيق الوصايا العشر المذكورة في ختام السورة.
وتوصي الدراسة باهمية التركيز على التطبيقات العملية لمفهوم الأمن في القرآن الكريم، لتعزيز فهمنا لأهمية الأمن الأخلاقي والأمن بشكل عام كجزء اساسي من الحياة الإنسانية. فالأمن يتعزز من خلال التزام الفرد بالقيم الأخلاقية والمعايير الإيمانية، مما يسهم في بناء مجتمع امن ومستقر. كما توصى ايضا بتحليل العوامل التي تؤثر في تحقيق الأمن وتطبيقها في دراسات مستقبلية، مثل العدل والمساواة والتعايش السلمي بين الأفراد والشعوب بالإضافة الى ذلك، يمكن دراسة الأمن في سياقات مختلفة، مثل الأمن الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والتكنولوجي، وفهم تفاعلها مع مفهوم الأمن في القرآن الكريم.
علاوة على ذلك، يمكن ان تتضمن الدراسات المستقبلية تحليل تاثير الأمن الروحي والنفسي على حالة الفرد والمجتمع، ودراسة كيفية تعزيز هذا الأمن من خلال العبادة والتأمل والطمانينة النفسية. كما يمكن ايضا استكشاف دور التعليم والتثقيف في تعزيز الأمن وتوجيه سلوك الأفراد نحو الأخلاق السامقة واثر تطبيقها.
المراجع
- الأعنزي، جهاد (2004) علاقة اشتراك الطالب في جماعة النشاط الطلابي بالية النفسي والاجتماعي لدى طالب المرحلة الثانوية بمدينة الرياض جامعة نايف للعلوم الأمنية.
- الأصفهاني، حسين بن محمد (2001) المفردات في غريب القرآن بيروت: دار الكتب العلمية.
- البخاري، ابو عبد الله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم (1999) الصحيح الرياض دار السلام.
- البقاعي برهان الدين ابراهيم بن عمر (1408هـ / 1987م). مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور. تحقيق الدكتور عبد السميع محمد احمد حسنين دار المعارف.
- ابن تيمية (2004). الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المملكة العربية السعودية.
- التوحيدي، ابو حيان (1993م). البحر المحيط، دار الكتب العلمية، بيروت.
- توينبي، ارنولد (2003) تاريخ البشرية بيروت الأهلية للنشر والتوزيع.
- جبل، محمد حسن (2010) المعجم الاشتقاقي الموصل لآلاف الكلمات القرآن الكريم. مصر: دار الأدب.
- الجهني، عبد الرحمن (2011) المهارات الاجتماعية وعلاقتها بالسلوك التوكيدي والصلابة النفسية لدي طلاب المرحلة الثانوية مجلة جامعة أم القرى للعلوم الاجتماعية.
- ابن الجوزي ابو الفرج عبد الرحمن (1987). نظم اعين النظار في علم الوجوه والنظائر بيروت الرسالة.
- الجوزية ابن قيم (2019) الداء والدواء، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الرابعة. ابن حبان محمد (1993). صحيح ابن حيان بيروت الرسالة.
- دراز، محمد عبد الله مدخل الى القرآن الكريم دار القلم، 1984م.
- الدوسري، مديرة (1429هـ). اسماء سور القرآن وفضائلها (الطبعة الثانية) الرياض دار ابن الجوزي
- الرازي، فخر الدين (1981) التفسير الكبير بيروت: دار الفكر.
- السلامي، عبد الحميد طبشو (2010). الأمن الأخلاقي دراسة في فلسفة الأمن والسلام الأخلاقي. دار الفكر العربي.
- السهلي، عبد الله (2006). الأمن النفسي وعلاقته بالتحصيل الدراسي لدى طلاب دور العائلة في الرياض. السعودية جامعة نايف للعلوم الأمنية.
- السيوطي، جلال الدين الدر المنثور في التفسير بالمأثور. دار الفكر للطباعة والنشر.
- شرف الدين جعفر (1420هـ) مواصفات خاصة لسور القرآنية بيروت دار التقريب بين المذاهب الإسلامية.
- شلتوت محمود (1978). الوصايا العشر مصر: دار الشروق
- شلتوت، محمود (2004) تفسير القرآن الكريم دار الشروق، ط12، مصر.
- الطبري، ابو جعفر محمد بن جرير .(2001) جامع البيان عن تأويل اي القرآن مصر دار حجر
- ابن عاشور، محمد الطاهر (2004) تفسير التحرير والتنوير تونس: دار التونسية للنشر.
- عثمان اسماعيل صديق (2022م). الأمن الفكري اهميته ومهدداته وطرق ووسائل تعزيزه من المنظور الإسلامي، مجلة جيل الدراسات المقارنة، العدد السادس.
- العجوري، ع. م. (2009) الأمن الأخلاقي دراسة قرآنية موضوعية رسالة ماجستير منشورة) الجامعة الإسلامية، غزة.
- العفيفي، محمد (1976). القرآن ضوء الحق مقدمة في علم التفسير القرآني القاهرة: دار الهلال.
- العلواني طه جابر. (2012) تفسير سورة الأنعام دار السلام مصر، 2012م.
- العلواني طه جابر الوحدة البنائية للقرآن المجيد. مكتبة الشروق الدولية، 2006م.
- العلواني رقية طه (2016) تدبر سورة الأنعام (محاضرة). تم الوصول اليها من: 2020، تاريخ الوصول: 3 يوليو. https://www.youtube.com/watch?v=4KcWEvKrR54.
- الغزالي، ابو حامد (1424هـ / 2004م). الاقتصاد في الاعتقاد. دار الكتب العلمية.
- الفاروقي، اسماعيل راجي (1982م). التوحيد، مدارات للأبحاث والنشر. الفراهي، عبد الحميد. (بدون) دلائل النظام عناية السيد بدر الدين الإصلاحي الدائرة الحميدية.
- القرطبي، ابو عبد الله محمد (2006). الجامع لأحكام القرآن بيروت الرسالة.
- قوزح مريم عطا (2011م) احكام مال اليتيم في الفقه الإسلامي، مريم عطا قوزح، رسالة ماجستير في جامعة النجاح منشورة على الرابط: https://repository.najah.edu/server/api/core/bitstreams/5acf6038-1639-4b54-9cce-b3907527aad/content
- لشين عبد الفتاح (1982). من اسرار التأويل في القرآن مصر دار نهضة مصر.
- الماوري، ابو الحسن علي بن محمد بن حبيب (1401هـ / 1981م). تسهيل النظر وتعجيل الظفر في اخلاق الملك وسياسة الملك. تحقيق: محمد هلال السرحان دار النهضة العربية.
- المناوي، زين الدين محمد عبد الرؤوف (1990). التوقيف على محمات الطعريف مصر: دار علم الكتب.
الحواشي
Footnotes
-
الفيروز أبادي، محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم الشيرازي الفيروز أبادي، من أئمة اللغة والأدب، وكان مرجع عصره في اللغة والحديث، والتفسير، توفي سنة 817 هجرية. ↩
-
الفيروز أبادي: القاموس المحيط، 2/1547. ↩
-
ان عبد القاهر الجرجاني: الرسالة الشافية، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، 46، ص 117. ↩
-
محمد جبل المعجم الاشتقافي الموصل الألفاظ القرآن الكريم 2010 على الرابط الإلكتروني: https://waqfeya.net/book.php?bid=11686 ↩
-
محمد العفيفي القرآن دعوة حق، مقدمة في علم التفصيل القرآني، المطبعة المصرية - الكويت – الطبعة الأولى 1376هـ / 1976م ص 5 ↩
-
محمد العفيفي، القرآن تفسير الكون والحياة من 205 ↩
-
أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوري، تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك وسياسة الملك، تحقيق: محمد هلال السرحان، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، ط1: 1401هـ/1981م ↩
-
أبو حامد الغزالي الاقتصاد في الاعتقاد، ، ص 128 دار الكتب العلمية، ط1 - 1424 هـ - 2004م، ص 128 ↩
-
طبعة مؤسسة الرسالة سورية، 1993 ↩
-
مكتبة الإمام البخاري، مصر، 2009م ↩
-
على الرابط الإلكتروني: https://al-furqan.com/ar/ ↩
-
انظر تفسير سورة الأنعام، طه العلواني، دار السلام، القاهرة، ط1، 2012 ↩
-
هذه الرسائل وغيرها متاحة على الموقع https://ebook.univeyes.com/89565 ↩
-
مجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية المجلد 33 العدد 7 2017 الصفحة 735-1925 على الرابط https://ebook.univeyes.com/219622#:~:text= ↩
-
نقلا عن جلال الدين السيوطي، الدر المنثور ف بالتفسير بالمأثور، دار الفكر للطباعة والنشر،-- https://quran tafsir. 11net/seoty/sura6-ayal.html#p ↩
-
الفراهي، عبد الحميد، دلائل النظام. عناية السيد بدر الدين الإصلاحي، الهند الدائرة الحميدية، 1388هـ 1968م، ص 77. وانظر كذلك العمراني، طه جابر. الوحدة البنائية للران المجيد مصر: مكتبة الشروق الدولية، مصر، 2006، ص 27 ↩
-
الفراهي عبد الحميد دلائل النظام عناية السيد بدر الدين الإصلاحي الهند الدائرة الحميدية، 1388هـ 1968م، من 77. وانظر كذلك العلواني طله جابر الوحدة البنائية للقرآن المجيد، مصر مكتبة الشروق الدولية، مصر ، 2006 ص 27 ص. ↩
-
شلتوت، محمود تفسير القرآن الكريم بيروت: دار الشروق، لبنان ط 12، 2004 م ، 1\ ص 24. وقد سار على ذكر مقاصد السور في بدايات كل سور القرآن الكريم. ↩
-
الوحدة البنائية، مرجع سابق، ص 60. ↩
-
دراز، محمد عبد الله مدخل إلى القرآن الكريم، الكويت دار القلم، 1984م، من 45 ↩
-
ابن عاشور، محمد الطاهر التحرير والتنوير، تونس: الدار التونسية للنشر، 1984، 1/ ص 162 ↩
-
التحرير والتنوير ، مرجع سابق، 30، ص 424 ↩
-
دلائل النظام، مرجع سابق، ص 77 ↩
-
ال محمود شلتوت، تصير الأجزاء العشرة، ص 211. ↩
-
الرازي – فخر الدين. أبو عبد الله محمد بن عمر بن حسين، التفسير الكبير، ج12، ص117. وانظر كذلك: طه جابر العلواني، تفسير سورة الأنعام دار السلام للطباعة والنشر، مصر، 2012م، على الرابط https://alwani.org/wp-content/uploads/2017/03/27 ↩
-
محمد رشيد رضا، تفسير المنار، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 8/ 238-239 ↩
-
ابن قيم الجوزية، انظر الداء والدواء، دار المعرفة، بيروت، ص 74. ↩
-
ابن عاشور، التحرير والتنوير، الرابط https:\quran-tafsir.net\ashour\sura6-aya18.html#p8 ↩
-
ابن تيمية، الفتاوي، ج 25، 15 ، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف المملكة العربية السعودية، 2004م ↩
-
أبو حيان التوحيدي، البحر المحيط، ج8، ص509 ↩
-
ال ابن عاشور التحرير والتنوير، ج 22، ص 129 ↩
-
تفسير القرآن الكريم "الأجزاء العشرة الأولى" ص 393 ↩
-
ابو حامد الغزالي، المستصفى، ص174 ↩
-
انظر: تفسير النكت والعيون (2\161). ↩
-
إسماعيل صديق عثمان الأمن الفكري أهميته ومهدداته وطرق ووسائل تعزيزه من المنظور الإسلامي، مجلة جيل الدراسات المقارنة، العدد السادس، يونيو 3022م، https://jilrc.com/archives/15323 ↩
-
رواه البخاري برقم (4358)، ومسلم برقم (2760) ↩
-
الفاروقي، إمساعيل راجي التوحيد، مدارات لؤلعبات والتشرينوت، 1982 (ط 1 ↩
-
الموافقات، ج4، ص 27 وما بعدها. ↩
-
انظر في تفاصيل ذلك الله ؟ أحكام مال اليتيم في الفقه الإسلامي، مريم عطا قوزح، رسالة ماجستير في جامعة النجاح منشورة. على الرابط 2011م https://repository najah.edu/server/api/core/bitstreams/5acf6038-1639-4b54-9cce-063907527aad/content ↩
-
ابن عاشور التحرير والتنوير https://quran-tafsir.net/ashour/sura6-aya152.html#p19 ↩
-
مفهوم الأمن في القرآن الكريم - الشاهد البوشيخي https://al-maktaba.org/book/31871/14335#p1 ↩