إشكالية التأويل في الأديان
العدد الرابع - المجلد الأربعون - الشتاء (أكتوبر - ديسمبر ٢٠٠٥م / رمضان - ذو القعدة ١٤٢٦هـ) مجمع البحوث الإسلامية الجامعة الإسلامية العالمية إسلام آباد . باكستان
إشكالية التأويل في الأديان
رقية طه جابر العلواني
تمهيد:
يتناول هذا البحث دراسة نشأة علم تأويل النصوص الكتابية وتطوره في الفكر الديني في اليهودية والمسيحية والإسلام. كما يتناول المراحل التاريخية والعوامل الاجتماعية والظروف الفكرية والتيارات الفلسفية التي تزامنت مع التطورات التي مر بها هذا العلم في الفكر الغربي والإسلامي. وتنتهج الدراسة المنهج التحليلي التاريخي في طرح هذا الموضوع، والعودة إلى المراجع المعتمدة لدى أهل الأديان في سبيل التوصل إلى نظرة موضوعية محايدة في التتبع والشرح والتفصيل قدر الإمكان. والبحث إذ يقف على واحد من أهم المحاور في الفكر الديني، يحاول تقديم مساهمة نوعية في محاولة جادة لفهم الآخر وخلفية وأبعاد تصوراته لنصوصه الكتابية. ويظهر أثر هذا جليا عند محاولة البعض من الكتاب المعاصرين تنزيل وتطبيق تلك المناهج على نصوص القرآن الكريم دون تمييز أو تفرقة بين طبيعة النصوص الكتابية من جهة وبين خطورة تبني المناهج الغربية وتطبيقها دون مراعاة فوارق بيئة الخطاب وطبيعته وغير ذلك من العوامل التي لا ينبغي تجاوزها. فالدراسة من خلال تبنيها للنهج المقارن تحاول تقديم إسهام متميز في فهم أبعاد ومخاطر تبني المناهج الغربية في التأويل واستزراعها دون إدراك لظرفية البيئة والطبيعة التي أفرزتها.
مقدمة:
اتفق أتباع الديانات المختلفة من يهودية ومسيحية وإسلام على فهم وتأويل النصوص المقدسة لديهم، فهي تمثل لدى أصحابها المرجعية المعصومة التي يمكن استنباط واستقاء الأحكام الشرعية منها. ومما لا شك فيه أن المسار التأويلي للنصوص يختلف تبعاً لعوامل عديدة منها: الموروث الثقافي للمؤول ذاته بكل ما يحمل من خلفيات علمية ودينية، والظروف السائدة إبان ظهور التأويلات المختلفة من اجتماعية وسياسية وثقافية ونحوها، إضافة إلى النص الكتابي ذاته من حيث المصداقية والشرعية لدى أتباعه ومعتنقيه ومن حيث وضوحه ودلالته على معناه. و ينبع ذلك من عوامل أخرى متعددة باتت بمجموعها تشكل نواة لفن استقل بذاته وصار يعرف بفن التأويل أو الهرمينطيقيا في الفكر الغربي. لقد مر فن التأويل بمراحل مختلفة عبر التاريخ وتداخلت عوامل عدة في تشكيله؛ والتأثير على سيره وسيرورة محاوره. وتروم هذه الدراسة الوقوف على أهم المحاور التي يدور حولها فن تأويل النصوص الكتابية المقدسة في الديانات السماوية المختلفة من يهودية ومسيحية وإسلام. كما تقف الدراسة على عدد من الظروف التاريخية والفكرية التي أثرت على سيره في تتبع تاريخي يمتد إلى العصر الراهن. وتأتي أهمية هذه الدراسة في الوقت الحاضر على وجه الخصوص ضمن محاولات فهم الآخر وتتبع خلفيات مذاهبه الفكرية والعقدية. ولا تخفى أهمية هذا النهج في عملية الحوار مع الآخر بناء على فهم مختلف خلفياته، وإثرائها.
مفهوم النصوص الكتابية:
وتشتمل في الديانة اليهودية على: العهد القديم: وهو مجموعة الأسفار التي جمعها رجال المجمع الأكبر الذي تأسس عقب العودة من السبي البابلي وقد تم جمعها في عام ٤٤٤ ق. م. ومجموع هذه الأسفار ٣٩ سفراً أو أربعة وعشرون في حساب من يعتبر الأسفار المزدوجة سفرا واحدا، والعهد القديم مقسم إلى ثلاثة أقسام: التوراة والأنبياء والكتب والصحف.1 وهناك نظريات متباينة حول الفترة التي تم فيها جمع هذه الأسفار، منها أنها ذات ارتباط بمسألة السبي البابلي حيث برزت الحاجة لذلك.2 وقد وجهت انتقادات عديدة حول مصداقية العهد القديم وصحة نسبته ولكن صداقته لأتباع اليهودية ثابتة فهو يشكل الشريعة المدونة كما أن التلمود يشكل الشريعة الشفوية في عقيدة الربانيين وكلا التوراتين يشكلان نواة تشريعية هامة.
التلمود: وهو عبارة عن روايات شفوية نقلت عبر العصور عن طريق سلسلة من الثقات وقد تم جمعها بعد السيد المسيح بمائة وخمسين سنة في كتاب المشنا وقد أدخلت عليه تعديلات كثيرة من قبل علماء فلسطين وبابل. وهناك العديد من الشروح عليه عرفت بالجمارا. فالتلمود يتكون من المثنا والجمارا. والتلمود الذي يعتبر أكثر انتشارا وتداولا اليوم هو تلمود بابل. وتشكل اجتهادات علماء اليهود وأخبارهم وتأويلاتهم لتلك النصوص سلطة تكاد تكون مطلقة في إجراء أي تعديل أو تحوير بل ونسخ لبعض النصوص الكتابية التوراتية.
أما في الديانة المسيحية فيعتبر الإنجيل هو الكتاب المقدس لديهم وغالب الروايات التاريخية تشير إلى ضياعه وقد ظهرت عوضا عنه عشرات الأناجيل في الفترة ما بين ٦٠-١٢٥م. ومعظم هذه الأناجيل قد حظر تداوله إلا أربعة منها: إنجيل متي، مرقص، لوقا، يوحنا. إلا أن الإنجيل رغم الشكوك الدائرة حول صدقه حتى لدى أتباع المسيح عليه السلام، فهو يبقى ممثلا المرجعية المعصومة لديهم كما انعقد إجماعهم على ذلك في مجمع ترانت في عام ١٥٤٥م: والأكثرية على أن عدد أسفاره سبعة وعشرون سفرا وجملة إصحاحاته ٢٦٠ وهي الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل ورسائل بولص الثلاثة عشر والرسائل الكاثوليكية.
أما النصوص في الشريعة الإسلامية فالمراد بها هنا خطاب القرآن الكريم أو السنة النبوية وقد اعتمد العلماء هذا المعنى للنصوص فسائر الأدلة الشرعية تعود في جملتها إلى أحد هذه النصوص في الكتاب والسنة.3
مفهوم التأويل:
وهو الفن الذي يُعرف باللغة الإنجليزية بـ Hermeneutics والهرمينطيقيا نظرية تعنى بشرح وفهم النصوص المقدسة أو الكتابية على وجه الخصوص.4 وتذهب الموسوعة الكاثوليكية إلى أن كلمة الهرمينطيقيا5 ترجع في جذورها إلى اليونانية وتعني اسم الإله هيرمس Hermes والتي تعني في اللاتينية مفسر أو مؤول الآلهة The interpreter of the gods ولكن استعمال المصطلح حدد الكلمة وجعلها علما يدل على تأويل النصوص المقدسة.6 أما التأويل في الفكر الديني في الإسلام فهو لدى العلماء المتقدمين تفسير للفظ وبيان معناه فقط. إلا أن المتأخرين من العلماء اتفقوا على أن التأويل نقل للفظ من ظاهره إلى ما يخالفه. يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله في ذلك: "التأويل صرف اللفظ عن ظاهره وحقيقته إلى مجازه وما يخالف ظاهره وهو مراد المعتزلة والجهمية وغيرهم من فرق المتكلمين وهو الشائع في عرف المتأخرين من أهل الأصول والفقه".7
اتجاهات التأويل المبكرة في الفكر الغربي:
يرتكز تأويل النصوص في حقيقته على مسألة هامة تناولها فلاسفة وعلماء قديما وحديثا، ألا وهي الجدلية القائمة بين العقل والنقل. تلك الجدلية التي لم تخل منها ديانة سماوية ثابتة بالوحي على وجه الخصوص. بل إن العالم اليوناني على الرغم من جذوره الغائبة عن الوحي، شهد كذلك صراعا بين ما يشبه تلك الثنائية كالصراع بين العقل والآلهة وبين العقل والمادة.. ذلك الصراع الذي ورثته الفلسفة الغربية وتقاليدها.8 وفي ثنايا تلك الصراعات الفكرية والفلسفية، اعتمد عدد من فلاسفة اليونان على العقل وتقديراته وأحكامه وظهر منهم من أمثال خريزيبوس Chrysippus (٢٠٠ ق.م) ممن أرجع التحسين والتقبيح في الأشياء للعقل وحده. وتعتبر فكرته تلك البذرة الأولى للحوار الدائر حول النص والعقل. فالشيء لا يكون حسنا لأن الله قد أمر به، ولكن الله أمر به لأنه حسن. فالصواب والخطأ مستقلان بالطبيعة، وليس من قبيل الإدانة أو التقليد. فقانون الطبيعة الماثل بقانون الله عُرف بالعقل الذي يأمر بالواجب عمله، وينهى عن الواجب تجنبه. وقد ظهرت بواكير الاتجاهات المختلفة في التأويل منذ عهد مبكر ففي اليهودية، ظهرت فرقة الفريسيين Pharisees التي ازدهرت في فلسطين منذ عام ١٦٠ قبل الميلاد، وعرف الفريسيون بتمسكهم الشديد بالتوراة غير المكتوبة. كما حاولوا عزل أنفسهم - كما يظهر من تسميتهم في العبرية - عن الثقافات والفلسفات الهيلينية واليونانية والرومانية من خلال تمسكهم بالتوراة.9 ولا تزال عقيدتهم تشكل الأساس في الفكر اللاهوتي اليهودي إلى اليوم. ويعتبر الفريسيون الميشنا التي تم جمعها في القرن الثاني الميلادي جزءا هاما من القانون اليهودي المنزل على موسى عليه السلام. ويرى الفريسيون أنفسهم أكثر الجماعات اليهودية التزاما بالتوراة من غير وقوف على حرفية النصوص وعلى هذا أطلق عليهم اسم المجددين الأحرار في فهم التوراة وتفسيرها10، فالوحي عندهم يشمل التوراتين المدونة والشفوية. ويذهب الفريسيون إلى ضرورة استعمال العقل في تفسير وشرح التوراة لملاءمة ومواجهة المشاكل المعاصرة. وعلى هذا قاموا بتأويل النصوص وفق روح القانون بدلا عن الالتزام بحرفية النصوص لتطويع اليهودية لمطالب العصر والظروف المتغيرة.11 وقد كان ذلك المسلك المرن تجاه النصوص سبباً في استمرارية عقيدة الفريسيين وانتشارها أكثر من غيرها. وكانوا يسيرون في سلوكهم وفق تفاسير عزرا ونحميا للأسفار الخمسة آخذين في فهمهم وتأويلاتهم التحولات التاريخية التي أفرزها الأسر البابلي. كما عرف عنهم جرأتهم في الاجتهادات الشرعية واستنباط الأحكام وعلى هذا اتهموا من قبل الفرق اليهودية الأخرى بالابتداع، فهم يفتون للناس بما لا نص فيه في التوراة المدونة كما حاولوا تطويع اليهودية لمتطلبات التحديات الاجتماعية من خلال تأويلاتهم المستحدثة للنصوص.12 كما ظهر الاهتمام بوضع ضوابط للتأويل في اليهودية على يد المعلم الكبير الراباي هيليل (٧٠ ق. م / ١٠م)، ويعد هيليل أكبر معلم وفقيه في ذلك العصر. وإلى هيليل يعود الفضل في إرساء قواعد ما يمكن أن يُعرف بمدرسة الرأي المرن a lenient school في اليهودية التي عرفت بمنحاها المعتدل مقارنة بالمدرسة التي تقابلها، والتي يمكن أن يطلق عليها اسم مدرسة شماي والتي تولى إمرتها معاصره الرباني شماي، فقد عرفت الأخيرة بمنحاها المتشدد. وقد أكد هيليل على أهمية ضبط عملية تأويل وشرح التوراة13 من خلال تقديمه للقواعد السبع14 التي عرفت بقواعد هيليل السبعة Seven Middot of Hillel. ومن هنا اتسمت مدرسة هيليل بقدرتها على تحقيق اجتهاد وفهم للنصوص المقدسة، يتمشى مع روح القانون والشريعة اليهودية دون التركيز على حرفية الشريعة أو حديتها، من خلال ما عرفت به من تأويل عقلاني للتوراتين المكتوبة والشفوية. كما اهتمت بالتركيز على المآلات والمقاصد الأخلاقية والروحانية لكل قانون أو حكم توراتي. وقد كان للثقافات الأجنبية أثرها البارز في تحديد مسار التأويل في اليهودية فقد تعرض فيلو الإسكندراني Philo of Alexandria الذي عاش في الفترة الواقعة ما بين (٢٠ ق. م - ٥٠م) زعيم مدرسة الإسكندرية اليهودية، للبحث في جدلية الصلة بين النقل والعقل.15 ويعد فيلو أول من اخترع قانون التأويل كمنهج لتحديد العلاقة بين الوحي والعقل في قولته الشهيرة "الحكمة هي الصاحبة والأخت الرضيعة للوحي". وأكد على أن الوحي والعقل طريقان موصلان إلى الحق في النهاية. كما انتقد الاتجاه الظاهري المتمسك بحرفية النص الكتابي.16 وخلص إلى أن العلاقة بين الدين والعقل لا بد أن ترتكز إلى متابعة العقل لتقريرات الوحي17، ومثل الوحي بسارة وللعقل بهاجر وبقول إبراهيم عليه السلام: "هذه جارتك في يدك فافعلي بها ما يحلو لك"18، فالعقل تابع للوحي subservient. وظهر اتجاه آخر للتأويل في اليهودية مع ظهور فرقة القرائين التي ظهرت في بابل في القرن الثامن الميلادي. وتعود نشأة تلك الفرقة إلى عنان بن داود الذي ظهر أيام الخليفة العباسي المنصور (١٥٨هـ / ٧٧٥م). وقد عُرف بالغلو والنزعة نحو التطرف ورفض شرعية التلمود بناء على رفضه وتحريمه للتأويل وتمسكه بظواهر النصوص ومن هنا جاءت تسمية أتباعه بالحرفيين.19 أما في المنظومة المسيحية فقد برز عدد من آباء الكنيسة الأوائل ممن تبنى قانون فيلو التأويل القائم على التوفيق بين العقل والوحي، ومنهم: كليمانت الإسكندراني ٢٤٥م، والقديس أوغسطين، الذي جعل للعقل مجالا وللنقل مجالا فالعقل لا يستطيع وحده أن يصل إلى الحقيقة كلها، والنقل يعطي الحكمة كاملة عن الله، وفي العصور الوسطى كذلك، ظهر توما الأكويني ١٢٧٤م الذي ذهب إلى عدم وجود تعارض بين العقل والنقل البتة، فالمعرفة الفلسفية قائمة على المبادئ العقلية التي وضعها الله في الإنسان، فالنقل لابد أن يكون متطابقا معها، لأن المصدر لكليهما هو الله. بيد أن ثمة تيارات معارضة لهذا المنحى التوفيقي في مجال الفكر الديني في اليهودية والمسيحية، ظهرت في الساحة. كما ظهر من أسس القطيعة بين العقل والنقل معتمدا على ضرورة الالتزام والتمسك بحرفية الوحي والنصوص المقدّسة. ووجد اتجاه رد التأويل آذانا صاغية في المسيحية لدى ترتوليان Tertullian الذي توفي عام ٢٢٥م والذي اتخذ موقفا معاديا للحكمة ومحاولات عقلنة الإيمان.20 فقد رأى ترتوليان في الوحي غنى عن أي معرفة أخرى وحمل على الفلسفة وقرر عداوتها للدين وروي عنه قولته المشهورة: "بعد المسيح والإنجيل لسنا بحاجة إلى شيء". ورد بعد قرون في اليهودية مقولته هذه بحذافيرها، يهودا هاليفي (١٠٨٠ - ١١٤١م)21، الذي لاقت كتاباته وأفكاره رواجاً واسعاً وقبولا لدى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.22
اتجاهات التأويل المتأخرة في الفكر الغربي:
دشن فن التأويل في الديانتين اليهودية والمسيحية مرحلة جديدة مع بدايات ظهور الحركة الإصلاحية فيهما. تلك الحركة التي فتحت السبيل أمام التأويلات المتعددة والنظريات المستحدثة على اعتبار حرية المتلقي في الفهم والتأويل. فقد دعا مارتن لوثر (١٤٨٣ - ١٥٤٦م) وزوينجلي (١٤٨٤ - ١٥٣١م) وغيرهما من رواد الحركة الإصلاحية إلى حرية المتلقي في فهم النص وتأويله. وكانت نداءات الإصلاحيين تستهدف تحديد دور الكنيسة ورفض احتكار الكنيسة لتأويل النصوص فالعقل الفردي قادر على التعامل مباشرة مع النص وفهمه واستيعابه. كما استهدفت تلك الحركة القول بوحدة المصدر المتمثل في الكتاب المقدس وحكمت بهذا على تراث الكنيسة بالإلغاء، وقد برزت فكرة حرية التأويل والقول بالتعددية التأويلية في دائرة النصوص الدينية عند العديد من رجالات الحركة الإصلاحية على قدر من الاختلاف في مدى الاعتماد على ذلك.23 وتعتبر محاولة الإصلاحيين في الاعتماد على الكتاب المقدس دون سواه، الأولى من نوعها في تاريخ اللاهوت المسيحي.24 بيد أن تلك النداءات اتخذت مسارات مختلفة بين صفوف البروتستانت في العصور التالية، فقد مهدت لقبول مختلف النظريات النقدية المستحدثة التي بات أغلبها يهدد قدسية النصوص الكتابية وينازلها. فعلى الرغم من الاتفاق العام على صدارة الكتاب المقدس، اختلف البروتستانت حول قضية تأويله. فالذين قبلوا نتائج المدرسة الانتقادية التاريخية للإنجيل، التي ظهرت خلال القرنين التاسع عشر والعشرين قاموا بتطبيق وتمرير نتائج تلك المناهج على النصوص الكتابية، وخرجوا بعدم صدق العديد منها، كما قاموا بتأويل البعض الآخر بتأويلات مجازية وإشارية. أما البروتستانت المحافظون ومعهم غالبية الإنجليكانيين، فقد أصروا على التمسك بالحرفية المطلقة للكتاب في مسائل العقيدة والتاريخ والجغرافيا وغيره.25 ولاقت تلك التوجهات ردود فعل عنيفة من قبل أتباع "المنهج السلفي" في الفكر الديني اليهودي الحديث على وجه الخصوص، واعتبروا السير وفق تلك الحرية التأويلية سوقا دونما شك إلى ردة دينية، يتم من خلالها إسقاط كل الخصائص اللغوية والقومية والدينية لليهود.26 ومع دخول أوروبا عصر النهضة وانحسار دور الكنيسة انتقل الدين في الوعي الغربي من مصدر للمعرفة والحقيقة إلى تراكم تاريخي وصدى لزمان وواقع ينبغي تجاوزه، وحل العقل محل الدين. وبهذا تم إخضاع كل المعارف لقوانين العقل وشروطه ومسلماته. وقد مثل هذا الاتجاه الوضعي في الوعي الغربي، القطيعة مع الكنيسة ورجالاتها ودعا إلى نبذ الدين والفلسفة معا، فالدين مجرد خرافات مبتدعة Myths of Superstitions كما أن الفلسفة جهد عبثي ضائع لا طائل من ورائه، وقد انخرط الكثيرون من مفكري الغرب في هذا الاتجاه.27 واستعاد العقل حريته التي فقدها تحت سلطان الكنيسة وتشريعات رجالاتها. تلك الحرية التي وهبت العقل حق مراجعة كل المعتقدات السائدة ووضعها محك النقد والتحليل والتأويل. وبهذا أصبح العلم محورا للفلسفة الوضعية Positivism والتي اصطلح على أسسها مشاهير الوضعيين من أمثال: أوجست كونت وسيجموند فرويد (١٨٥٦ - ١٩٣٩م) وغيرهما. وبهذا تم النظر إلى النصوص الكتابية من جديد بمنظار العقل وقوانينه، فالعقل الغربي وحده قادر على التوصل إلى المعرفة والحقيقة دون الحاجة إلى نصوص غيبية أو ميتافيزيقية. وعلى هذا فقد استثنى العديد من الوضعيين أي احتمال للخوارق والمعجزات، والذي نجم عنه تأويل علمي وضعي للنصوص الكتابية وأحداثها ورجالاتها. واعتبروا بذلك كل الأحداث الخارقة الموصوفة في التوراة من وضع واختراع آباء الكنيسة الأوائل. وعلى الرغم من ردود الفعل المختلفة والمناقضة في بعض الأحيان للفلسفة الوضعية28، إلا أن صدياتها وتأثيراتها بقيت واضحة المعالم في الفكر الغربي، وهنا عادت إشكالية التأويل للمركزية من جديد. كما امتدت صراعات التأويل في الفكر الغربي إلى ساحة الأدب في القرن العشرين. وطرح المتأخرون من الإصلاحيين في اليهودية والمسيحية على حد سواء - من أمثال سبينوزا وهوبز - دراسات متشعبة حول النصوص المقدسة خلصوا من خلالها إلى وسائل عديدة لنقد النصوص الكتابية. والتي تم من خلالها النظر إلى النصوص المتضمنة لبعض الخوارق والمعجزات التي توحي إلى عظمة الرب وقدرته على أنها خرافات وشعوذات وتصورات تنبئ عن عجز العقل الإنساني في تلك المرحلة. وتعتبر نظرية النقد التاريخي من أبرز الاتجاهات وأخطرها في مجال نقد النصوص، وقد ظهرت في القرن الثامن والتاسع عشر الميلادي في ألمانيا على وجه الخصوص، وسرى تأثيرها إلى مختلف المناطق فيما بعد. فقد تغيرت حياة اليهود في الغرب في ذلك الوقت بسبب الأفكار الجديدة والأجنبية التي عمل اليهود الذين تربوا في بيئات أجنبية على نشرها. واشتغل هؤلاء بالفلسفة غير اليهودية واقترحوا بناء على ذلك إجراء تحليلات جديدة لنصوص التوراة وأعلنوا تحديهم الصريح لسلطة الأحبار اليهود. وبدأت الدوائر اليهودية التقدمية في برلين وباريس وفيينا تنعم بعصر التنوير والذي نبذت فيه الذي اليهودي التقليدي ومعه لغة الجيتو اليهودي والطقوس والشعائر، بل وتحول بعضهم واعتنق المسيحية. لقد حمل عصر التنوير الكثير من التحديات والتي بلغت حد منازلة النصوص المقدسة في المسيحية واليهودية تبعاً لمسايرة التطور والعصرنة.29 وبهذا ألغت مناهج نقد النصوص الكتابية Biblical Criticism المرجعية الإلهية للنصوص الكتابية في العهد القديم والجديد معا. وتمخض عن تلك المدرسة النظرة إلى النصوص الكتابية باعتبارها صدى لتاريخ مضى وباد وانقرض. والوحي ما هو إلا تراكم تاريخي خاضع لسنة الزمان والمكان والتحولات. فالتوراة كتاب تاريخي يسجل تاريخ إسرائيل، وحياة عيسى في الناصرة، وتاريخ الكنيسة المبكرة في نصوص بشرية ألهمت من قبل الرب. وحيث أن التوراة عمل تاريخي، فهو خاضع للتحقيق التاريخي ونتائج البحث التاريخي.30 وتضافرت تلك التوجهات مع انتشار وتأثير نظرية التطور الداروينية، التي حاول العديد من المفكرين في الغرب إسقاطها على مختلف مجالات العلوم والمعارف، وامتد أثرها ليشمل دائرة تأويل النصوص المقدسة أيضاً. وحاول البروتستانت إيجاد تأويلات جديدة للخبرة الدينية، وفهم للتاريخ يساير تطبيقات ونتائج نظرية التطور. كما أنكروا إلى حد كبير، أن التوراة وحي إلهي، وتاريخية السيد المسيح والإنجيل، وركزوا على السلوك الأخلاقي عوضاً عن التمسك بالمذاهب الشكلية كأساس للحياة المسيحية.31 بيد أن تيار الحرية اللاهوتية السابق الذكر Theological liberalism عرف تياران آخران صدرا كرد فعل للتيار الإصلاحي تمثل الأول في الحركة الأصولية Fundamentalism والثاني متمثلا في Crisis theology or neo-orthodoxy. فاعتبرت الأصولية قدسية النص أصلا فلا عبرة بنتائج العلوم وضغوطات الواقع المتغير مهما كانت صورها وأشكالها. ويعتبر اليهود الأصوليون أن الإخلاص الكامل ينبغي أن يكون للكتاب المقدس، كما تتصل الأصولية اليهودية بالتلمود الجزء الكبير من القانون والأساطير الذي تم تجميعه ما بين القرن الأول والخامس الميلادي. ويمتد تقديس الأصولية اليهودية للنصوص ليشمل التعليقات والمبادئ وكلمات جمهور المصلين والمواعظ الدينية حتى هذا اليوم. وعلى هذا لا يتطرق النقد لديهم لكتابات فيلسوف القرن الثاني عشر ميمون أو صوفي القرن السادس عشر إسحاق لوريا. ولا يتطرق النقد لديهم إلى الحاخامات الذين كتبوا التلمود أحياء كانوا أو أمواتا فهم يعتبرونهم تجسيدا للنصوص المقدسة المتضمنة في مجموعها لكلمة الرب.32 ويعتقد أصحاب هذا الاتجاه الأصولي في المسيحية كذلك بإطلاقية النصوص المقدسة فلا ينبغي تجاوزها أو استبدالها بمتغيرات الواقع.33 وقد قامت تلك الحركة المحافظة برد ورفض التأويل التاريخي للإنجيل واعتباره مجرد تراكمات تاريخية كما ردت محاولات تأويله في ضوء التغيرات والتطورات العلمية المعاصرة. وطالب العديد من أصحاب هذا الاتجاه بتحريم ومنع تدريس نظرية دارون في التطور في محاولة منهم لدعم مبادئهم في الحفاظ على قدسية الإنجيل. إلا أن العقل النقدي الغربي في العصور الحديثة استمر في دائرة الشك وبنى على الشك عناصر مقوماته وانطلق منها، فأصبح عقلا لا يهتم بإيمان بنص مقدس أو غيره، فكل النصوص لديه على السواء قابلة لكل أنواع النقد دون تمييز بين المقدس أو غيره. وبهذا تم اعتبار المماثلة بين النصوص المقدسة والأدبية وغيرها، وإمكانية إخضاعها لمختلف القوانين والقواعد النقدية دون اختلاف على الإطلاق. وأصبح القارئ أو المتلقي صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في الحكم على التأويلات المختلفة.34 ويعتبر أمبرتو إيكو مؤسسا للنظرية الداعية إلى فتح آفاق النص لمختلف التأويلات. ويرجع بجذور أفكاره إلى عصر البدايات والمدارس الفلسفية القديمة، فيقوم بعملية حفر جريئة في الفلسفة اليونانية القديمة ومن ثم يثبت أن معظم ما هو متداول من مفهومات الآن بخصوص التأويل والتأويل المضاعف للنصوص كانت موجودة بالقوة أو بالفعل من تلك الفلسفات والعقائد القديمة، فكل نص بحسب التصور الذي سعى لتأصيله في القدم، هو أفق مفتوح لجميع التأويلات. فالتأويلات تتعدد بتعدد المؤولين بل وتتغير بتغير المؤول الواحد داخل قشرته وتتلون بما يكون عليه من حال، وبحسب استراتيجية القراءة، وصيرورة ذاته ووعيه.35 وينطلق إيكو في عرضه لمفهوم التأويل اللامحدود بفتح أي نص أو أية حقيقة على مصراعيها لتقبل جميع التأويلات حتى أكثرها تناقضا للوصول إلى أن التأويل غير محدود. وبهذا التوجه فقدت النصوص الكتابية قدسيتها من خلال اعتبار المساواة المطلقة بينها وبين أي نص أدبي آخر، فالنصوص الكتابية في الفكر الغربي في ذلك الوقت ليست بآتية من خارج التاريخ أو مفارقة له، وكل ما ينطبق على غيرها يمكن تطبيقه عليها. ولا تخفى خطورة ذلك التوجه في مصادرة قدسية النص وإلغاء شرعيته ابتداء.
اتجاهات التأويل في الفكر الإسلامي:
ارتبطت إشكالية التأويل في الفكر الديني في الإسلام كذلك بتحديد الصلة بين النقل والعقل، وتعد جدلية التأويل محور الخلاف بين أتباع منهج السلف فيه وعامة المتكلمين، فقد أخرج أتباع المنهج الأول العقل من دائرة تأويل النصوص إلا بالقدر الذي تؤدي إليه العبارات والأخبار وما يستتبع ذلك من التصديق والإذعان والتسليم. كما حذر رواد المنهج السلفي في الإسلام من مغبة النظر العقلي في أصول الدين والعقيدة. إلا أن هذا التوجه لا يعني لديهم نفيهم لدعوة القرآن الكريم إلى النظر والتدبر المشفوع بآيات متضافرة، بل أرادوا به الاحتراز من متابعة العقل وأحكامه في أصول الدين والعقيدة التي لا سبيل للوقوف عليها إلا بالوحي والنقل36، فحفظوا للنصوص إطلاقيتها. وقد ارتبط التأويل في الفكر الديني في الإسلام بالإشكاليات الأولى التي ظهرت في العصور التي حدث فيها اتصال واحتكاك مباشر بالتراث الأجنبي عن طريق الترجمة ونقل الفلسفة اليونانية ونحوها. ومن تلك الإشكاليات: مسائل القضاء والقدر، والصفات الإلهية وخلق القرآن ونحو ذلك. ومن هنا انبرى أتباع الفرق الإسلامية المتعددة للجوء إلى النصوص الدينية المتمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية لتدعيم آرائهم في الغالب أو للرد على آراء مخالفيهم. وبدأت محاولات مبكرة استهدفت في كثير من الأحيان تطويع النصوص، وهذه ظاهرة عمت الأديان وبرزت في الفكر الديني، فكل يلتمس الشرعية بربط اجتهاداته بالمتقدم والجيل الأول أو السابق له. إلا أن التوسع في ذلك الاتجاه أدى - في كثير من الأحيان - إلى ظهور عدد من التأويلات الفاسدة البعيدة عن مرامي النصوص ومقاصدها. والتأويل الفاسد هو المخالف لما دلت عليه النصوص وما جاءت به السنة وهو في ذاته نوع من التحريف المعنوي المقتضي للعزوف بالكلام عن وجهه وصوابه إلى غيره بدون دليل أصلا أو بشبهة يظنها المؤول دليلا وليست بدليل.37 وعلى هذا كان التأويل الفاسد البعيد عن مرامي النصوص وغاياتها ومقاصدها العليا من أعظم المفاسد الفكرية التي منيت بها المجتمعات المسلمة على مر العصور والتاريخ. يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله في توصيف إشكالية التأويل وما نجم عنها آنذاك في سفره إعلام الموقعين: "ويكفي المتأولين كلام الله ورسوله بالتأويلات التي لم يردها ولم يدل عليها كلام الله أنهم قالوا برأيهم على الله وقدموا آراءهم على نصوص الوحي وجعلوها عيارا على كلام الله ورسوله ولو علموا أي باب شر فتحوا على الأمة بالتأويلات الفاسدة وأي بناء للإسلام هدموا بها وأي معاقل وحصون استباحوها لكان على أحدهم أن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتعاطى شيئاً من ذلك. أصل خراب الدين والدنيا إنما هو من التأويل الذي لم يرده الله ورسوله بكلامه ولا دل عليه أنه مراده. وهل اختلف الأمم على أنبيائهم إلا بالتأويل وهل وقعت في الأمة فتنة كبيرة أو صغيرة إلا بالتأويل فمن بابه دخل إليها وهل أريقت دماء المسلمين في الفتن إلا بالتأويل وليس هذا مختص بدين الإسلام فقط بل سائر أديان الرسل لم تزل على الاستقامة والسداد حتى دخلها التأويل فدخل عليها من الفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد. وقد توارثت البشارات بصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة ولكن سلطوا عليها التأويلات فأفسدوها كما أخبر الله سبحانه وتعالى عنهم من التحريف والتبديل والكتمان. فالتحريف تحريف المعاني بالتأويلات التي لم يردها المتكلم بها والتبديل تبديل لفظ بلفظ آخر والكتمان جحده وهذه الأدواء الثلاثة منها غيرت الأديان والملل وإذا تأملت دين المسيح وجدت النصارى إنما تطرقوا إلى إفساده بالتأويل بما لا يكاد يوجد قط مثله في شيء من الأديان ودخلوا إلى ذلك من باب التأويل وكذلك زنادقة الأمم جميعهم إنما تطرقوا إلى إفساد ديانات الرسل صلوات الله وسلامه عليهم بالتأويل ومن بابه دخلوا وعلى أساسه بنوا".38 ويتضح من عبارة ابن قيم رحمه الله أن التأويل الفاسد غير المنضبط كان مدخلا للتغير والتحريف في مختلف الديانات فهو ظاهرة عامة شهدتها الأديان السماوية جميعها. وبهذا الانحراف والتسيب والتعسف في تأويل النصوص، تحوّل التأويل من أداة طيعة للفهم السليم للنصوص وغاياتها عوضا عن غرس الأحكام المسبقة والتوجهات الجاهزة عليها، ومن ثم بذل الوسع في تفهم النص واستخراج معناه وما يترتب على تلك المعاني من أحكام مع توافر دواعيه وآلياته عند المؤول. إضافة إلى أهمية الالتزام بالضوابط المتعارف عليها في الاجتهاد والتأويل. ولا يفهم من ذلك التوجه القول بالحجر على العقول والاجتهاد أو الدعوة إلى غلق بابه، وإنما المراد بذلك استدعاء اهتمام الباحثين إلى أن الحرية في الاجتهاد والتأويل لا تعني إلغاء الضوابط والسير وفق الرغبات أو الاجتهادات العقلية المحضة، بل لا بد من استحضار الضوابط التي تحفظ للتأويل والفهم مجالهما وموضوعيتهما. كما أن الانضباط لا يعني بحال إلغاء دور العقل أو الحجر عليه بل التوفيق بينهما وهو وارد ثابت بالشرع والعقل. إن ما حدث في الفكر الإسلامي في تلك الحقبة، مهد لزعزعة قانون التأويل لا في مسائل الصفات والقضاء والقدر.. فحسب، بل بوجه عام، فقد فتحت تلك النزاعات والخلافات الباب على مصراعيه للحرية في تأويل النصوص التي امتدت لتشمل دائرة النصوص السمعية الغيبية وباتت عملية التأويل متعددة الوسائل متشعبة الطرائق. وهكذا بدأ التحول من الاهتمام المباشر بالنصوص ومعانيها الظاهرة ومحاولات تنزيلها على الواقع لتهذيبه وترشيده (كما كان على ذلك الصحابة ومن تبعهم)، إلى التحوّل باتجاه المؤول والاهتمام بالرد والتفنيد لتأويلاته وأفكاره وعقيدته إن اقتضى الأمر. ولم تظهر خطورة ذلك المنحى التأويلي في ذلك العصر، فقد انبرى لفيف من العلماء السابقين رحمهم الله للعديد من الاتجاهات الزائفة في التأويل في محاولة لتبيان زيفها وانحرافها. وتمت محاصرة التأويلات المنحرفة المتعلقة بقضايا العقائد والصفات في الفكر الديني في الإسلام بإرساء قواعد قانون التأويل الضابط بيد أن تلك الضوابط لم تتواصل الجهود للمحاورة فيها وتطويرها خارج نطاق مسائل الصفات ونحوها، فاستمرت بذلك التأويلات المتعددة دون ضابط يحكمها، في النواحي الأخرى من النصوص والتي اهتمت بالمعاملات والتنظيمات ونحوها.
اتجاهات التأويل المتأخرة في الفكر الإسلامي:
شهدت المجتمعات المسلمة في الفترات الزمنية المتأخرة من تاريخها تحولات كبيرة مع زحف التحدي الحضاري الغربي الحديث. وبرزت الحداثة في المجتمع خلال القرن التاسع عشر وما تلاه كاتجاه يحاول طرح التغيير على الذهنية المسلمة في كافة المجالات. والحداثة ظاهرة غربية المنشأ والمنبت تدور حول عقدة التمحور حول الغرب واعتباره مرجعية تستفتى في كل صغيرة وكبيرة.39 وقد تنوعت استجابات العديد من المفكرين في العالم الإسلامي للحداثة إما بمحاولة نقضها أو تقعيدها أو التكيف معها. فالحداثة كمفهوم لم ينبثق من نصوص القرآن الكريم أو السنة النبوية ولم يقم بتقديم نظرة أصيلة تستحضر مقاصد تلك النصوص أو غاياتها، بل طرح النهج المقارن مع الغرب وتبناه واحتكم إلى منطقه في كثير من الأحيان. ودعت العديد من الكتابات إلى التغيير وتبني التقدم والتمدن بمفهومه الغربي السائد للخروج من حالة الضعف والتخلف الذي منيت به المجتمعات المسلمة آنذاك. ولجأ أصحاب هذا الاتجاه إلى تأويل العديد من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وفق الفلسفات السائدة آنذاك ويظهر ذلك جليا في النصوص المتعلقة بالمرأة على وجه الخصوص. كما برز اتجاه الاستقلال الدلالي للنص وحرية المتلقي في الفهم والتأويل، بل وإعطاء الحرية الكاملة للمؤول في النظر إلى النصوص واعتبارية تلك الاستقلالية مهما بلغت تجاوزاتها. "... فالدين يقدم افتراضا يوحي إيحاء والعلم الإنساني يتخذه فرضية عمل ينبغي التحقق منها في الواقع وهذا يعني أن التفسير هو اكتشاف واكتناه للواقع فلا يعود سبيلا نازلا من النص إلى الواقع وإنما يغدو سبيلا صاعدا من الواقع إلى النص، بهذا تتصوب رؤيتنا إلى الدين إنه وليد الواقع ناشئ منه وإليه يعود وبهذا يتموضع الدين كعلم إنساني وما تحول الثيولوجيا "علم الكلام" إلى أنثروبولوجيا "علم الإناسة" سوى مقدمة لتحويل الدين إلى أيدولوجيا".40 وانتقلت العديد من تلك الاتجاهات التأويلية إلى بعض الدوائر الفكرية في المجتمعات المسلمة عن طريق التأثر الحاصل بفكر التنوير والنهضة الوافد من الغرب إضافة إلى العديد من الفلسفات المصاحبة له. فقد ذهب مارتن لوثر من خلال فكره الإصلاحي إلى أن كل اختلاف في التأويل معطى سلفا وموجود في النص، وقال بهر مينوطيقيا متعددة الطرق في التأويل تفيد في فهم تاريخ التأويلات بصفتها تداولا لآفاق الماضي والحاضر41 في محاولة منه لمحاصرة دور رجالات الكنيسة وسلطتهم المطلقة في التأويل. وهكذا أسهم انتشار المذهب البروتستانتي في نشأة ظاهرة الاستقلال الدلالي semantic autonomy التي كان لها الأثر البارز في تعدد التأويلات وانفتاحيتها وهدم المرجعية المركزية للنصوص المقدسة في المسيحية. ومن ساند اتجاه الاستقلال الدلالي في الفكر الغربي غادامير Gadamer الذي اكتفى في نظرته إلى النص بعلاقة المتلقي به فحسب. وقد كرس غادامير مؤلفاته للبحث في الفلسفة اليونانية وإشكالية التأويل.42 ولقيت نظرية غادامير آذانا صاغية لدى العديد من النقاد الذين لم يروا في النصوص الكتابية - كما أشرنا من قبل - اختلافا عن غيرها من الكتابات الأدبية الأخرى، وعليه ينبغي محاكمتها وإخضاعها للقواعد النقدية المختلفة في المجال الأدبي، كما أعطت نظرية غادامير أهمية بالغة للتأويل نازعت بها أهمية وقدسية النصوص الكتابية. وعلى الرغم من كثرة الانتقادات والمطاعن الموجهة لنظرية الاستقلال الدلالي للنص، إلا أنها في نهاية الأمر أدت إلى القول بحرية التأويل والفهم، فكل يفهم ما يشاء وكيفما يشاء، وبرزت نظريات متعددة في التأويل وجدت شرعيتها في مبادئ الإصلاحيين كما وجدت شرعيتها في المجتمع الغربي الحديث القائم على الفردانية وتقديس آراء الفرد واحترام الحرية الفردية في التعبير وغيرها.43 فالتأويل جهد عقلي ذاتي يخضع فيه النص الديني لتصورات المتلقي ومفاهيمه وأفكاره. وترغب هذه الفلسفة الجديدة في جعل تأويل الكتاب المقدس حقا لكل شخص. فما يعنيه النص لشخص ما، لا يعني أنه هو بعينه ما يقصده لشخص آخر، فلكل واحد الحرية في تأويل وفهم النصوص الكتابية طبقا لتراثه الخاص وتجربته الإنسانية. وبمقتضى هذا المذهب الجديد: ليس هناك مقياس محدد الهيئة، وإنما كل متلق يصبح قانونا على نفسه. إن ما وقع فيه الكثيرون من أصحاب الاتجاهات النقدية الحديثة في التعامل مع نصوص القرآن والسنة، يرجع إلى عدم القدرة على فهم إمكانية مخاطبة القرآن الكريم لمختلف الأجيال على مر العصور والأزمان بنص واحد ثابت له قواعد محددة في تأويله ودلالات ألفاظه على أحكامه. ومن هنا فقد اتجه الكثير من الكتاب إلى تأويلات جديدة في محاولة للي أعناق النصوص في كثير من الأحيان بما يتلاءم مع متطلبات العصر ومتغيراته والفلسفات السائدة فيه.44 واستند أصحاب هذا الاتجاه في التأويل إلى القول بأن معنى النص متغير حسب الأحوال والظروف والبيئات الثقافية والعصور المختلفة. فقد يأخذ النص الواحد معاني مختلفة طبقا لمراحل عمر الإنسان وتجاربه الخاصة. وبهذا يكون النص مساوقا لتطور الفرد في مراحل عمره ومساوقا لمجموع التغيرات في كل عصر.45 وهكذا انتقلت تلك النظريات بكل ما تحمله من جذور مغايرة لمبادئ الإسلام إلى فلسفة التأويل في المجتمعات المسلمة عن طريق كتاب ومؤلفين رأوا في الخروج على ما اجتمعت عليه الأمة الإسلامية لقرون طويلة حرية في الرأي والفكر لا بد من ممارستها من خلال تأويلاتهم لنصوص القرآن الكريم والسنة. وتم النظر إلى النصوص على أنها وضع بشري ناسب طور الطفولة للعقل ثم أن العقل تجاوز تلك المرحلة فأصبحت النصوص تاريخية توافق المرحلة التي وردت فيها. فأحكام التشريع في القرآن ليست مطلقة ولم تكن تشريع مجرد عمل مطلق، فكل آية تتعلق بحادثة بذاتها فهي مخصصة بسبب التنزيل وليست مطلقة وكل آيات القرآن نزلت على الأسباب أي لأسباب تقتضيها سواء تضمنت حكما شرعيا أم قاعدة أصولية أم نظما أخلاقيا، إنها أحكام مؤقتة ومحلية تنطبق في وقت محدد وفي مكان بعينه.. وبوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم انتهى التنزيل وانعدم الوحي ووقف الحديث الصحيح وسكتت بذلك السلطة التشريعية الإلهية.46 إن محاولة أصحاب هذا الاتجاه تنصب على نقل وترجمة المناهج النقدية الغربية بحذافيرها لنصوصهم الكتابية ومن ثم تطبيقها على نصوص الكتاب والسنة دون تمييز بين الفوارق الهائلة التي لم تخف على الغربيين أنفسهم بين تلك النصوص وبين القرآن والسنة. إضافة إلى أن المناهج بطبيعتها لها بعد اجتماعي وبعد ثقافي، وهي تعبير عن البيئة والحاجة التي دعت إلى ظهورها، فعملية نقلها واستزراعها في بيئة إسلامية عملية لا تخلو من محاذير جمة ومخاطر عديدة ومحاولات عبثية فاشلة، إضافة لما لها من مصادرة للأصالة الفكرية الإسلامية. والمفاهيم والتصورات الكلية ليست مثلا أفلاطونية خالدة، ولا هي نيازك تتساقط من السماء من مجال تداول إلى آخر. بل إن التصورات الكلية الملهمة لأية دائرة حضارية لها سمتان: بعد تاريخي بمعنى أن البيئة تفرزها في ظرف تاريخي معين، وبعد جمعي، فهي وليدة جهد جمعي مشترك لتلك البيئة. وقد دلت الشواهد والوقائع التاريخية على أن عمليات الاستزراع تنتهي إلى مساوئ ثلاث متضايفة: أولاً: تورث خروجا وشذوذا عن طبائع الأشياء من الناحية النفسية. ثانياً: عبث لا طائل من ورائه من الناحية العملية. ثالثا: مخاطر جمة من الناحية الأخلاقية.47 وهكذا بقي التأويل مشروعا منفتحا لمختلف التيارات الفكرية والفلسفية، وقضية شائكة بحاجة إلى جهود متضافرة للتواضع على قانون يحكم سيره ويرشد دوره.
خاتمة:
تبنت هذه الدراسة إشكالية التأويل في الأديان، والتي تعد من أبرز إشكاليات التعامل مع النص في دوائر الفكر الديني المختلفة قديما وحديثا. وكشفت الدراسة عن مدى تأثير الظرفية الاجتماعية والتيارات الفكرية والفلسفية في صهر التأويل وتشكل اتجاهاته المختلفة. وأسفرت الدراسة عن خطورة تقمص المناهج الغربية وطرائق تأويلها للنصوص الكتابية لديهم، ومن ثم تطبيقها على نصوص القرآن الكريم دون إدراك للفروق الهائلة بينها. وأبرزت الحاجة الملحة إلى التواضع على إطار عام لقانون يضبط اتجاهات التأويل المختلفة في الفكر الإسلامي على وجه الخصوص، ويرشد مسيرها وفق منهج أصيل مستمد من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية.
Footnotes
-
انظر عرفان عبد الحميد: اليهودية: عرض تاريخي والحركات الحديثة في اليهودية، دار البيارق، بيروت، ١٤١٧هـ / ١٩٩٧م. ص ٧١. وراجع كذلك بحثنا المنشور رقية طه جابر: "أحكام الأسرة بين الإسلام والتقاليد الغربية: دراسة تحليلية مقارنة ضمن المسار التاريخي"، مجلة الدراسات الإسلامية، مجمع البحوث الإسلامية، الجامعة الإسلامية العالمية، إسلام آباد، العدد الثالث، خريف، ٢٠٠٠م. ↩
-
أحمد شلبي: اليهودية، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الثامنة، القاهرة، ١٩٨٨م، ص ٢٥٤. ↩
-
في تعريف النصوص عند الأصوليين، راجع رقية طه جابر: أثر العرف في فهم النصوص .. قضايا المرأة نموذجا، رسالة دكتوراه تحت الطبع، الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا، ٢٠٠٠م، ص ٢٢ وما بعدها. وانظر كذلك: خليفة بابكر الحسن: تخصيص النصوص بالأدلة الاجتهادية عند الأصوليين، مكتبة وهبة، القاهرة، ١٩٩٣م، ص ٥، محمد أديب صالح: تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط ٣، ١٩٨٤ م، ج ١، ص ٥٠. ↩
-
Webster's International Encyclopedia 99 Cd, Hermeneutics. ↩
-
Hermeneutics في تعريف: Gerhard Kittel, Theological Dictionary of the New Testament, trans; Geoffrey W. Bromiley, Grand Rapids: Eardmans, 1964, II, 661-666. Carl R. Holladay, Harper's Bible Dictionary, Harper & Row, San Francisco, 1985, p. 384. The New International Dictionary of New Testament Theology, ed. Colin Brown, Grand Rapids, Zondervan, 1979, 1:59. ↩
-
The Catholic Encyclopedia, Volume VII. Online Edition, 1999, Kevin Knight. Hermeneutics. ↩
-
ابن قيم الجوزية: الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، تحقيق: علي بن محمد الدخيل، دار العاصمة. الرياض، ١٩٩١م، ج ١، ص ٧٩. ↩
-
Arberry. A. J. The Revelation and Reason in Islam, George Allen & Unwin Ltd, 1957, pp. 8-9. ↩
-
Gretchen A. Shapiro, The Pharisees and their Wisdom, p1. ↩
-
راجع: عرفان عبد الحميد: اليهودية، ص ١٠٠. ↩
-
Encyclopedia Britannica Cd, 1999, Hillel. : مترجم بتصرف عن ↩
-
انظر عرفان عبد الحميد اليهودية، ص ١٠١. ↩
-
Robert M. Seltzer, 1980, p218: ↩
-
يرى عدد من الكتاب أن هذه القواعد وجدت في وقت مبكر يسبق عهد الأمير هيليل إلا أن سبب نسبتها إليه يعود إلى كونه أول من قام بتدوينها. راجع في ذلك: http: yashanet.com/studies/revstudy/hillel.htm, The Seven Rules of Hillel. (الرابط لم يعد يعمل). ↩
-
Britannica Cd, Philo Judaeus. ↩
-
Encarta Encyclopedia Cd, 97. Philo. ↩
-
Britannica Cd, Philo Judaeus. ↩
-
العهد القديم، سفر التكوين: ١٦ / ٦ (الآية هي: "فَقَالَ أَبْرَامُ لِسَارَايَ: «هُوَذَا جَارِيَتُكِ فِي يَدِكِ. افْعَلِي بِهَا مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكِ». فَأَذَلَّتْهَا سَارَايُ، فَهَرَبَتْ مِنْ وَجْهِهَا."). ↩
-
عرفان عبد الحميد: اليهودية، مرجع سابق، ص ۹۷، وانظر للمؤلف كذلك: المنهج السلفي في الأديان وقواعد الفلسفة الدينية، التجديد، السنة الثالثة: العدد الخامس (١٩٩٩م). وانظر كتاب: Britannica Cd, Antirabbinic reactions. ↩
-
Britannica Cd, Tertullian, assessment. Encarte Cd, 97, Tertullian. ↩
-
عرفان عبد الحميد: المنهج العلمي ومقارباته في القرآن الكريم، ص ٢١. ↩
-
Jacob Neusner, The Way of Torah, Ibid, p. 127. ↩
-
G. R. Potter, Zwingli, Cambridge University Press, Cambridge, 1984, p. 295. See also: W. G. Kummel, The New Testament; The History of the Investigation of its Problems, Nashville, New York, 1972, pp. 22-23. ↩
-
G. Ebeling, The Meaning of Biblical Theology, Word and Faith, SCM, London, 1963, p. 82. ↩
-
Encarta Cd. Protestantism. ↩
-
عرفان عبد الحميد: المنهج السلفي، مرجع سابق، ص ۱۷-۱۸. ↩
-
Encarta Cd, Genesis. (المرجع هنا يبدو عاماً، ربما يشير إلى سياق التنوير وتحدي النصوص الدينية). ↩
-
من رجالات الكنيسة الذين تعرضوا لهذه المسألة: Pius XII (1939-1958) Encarta Cd. Pius XII. (تصحيح: فترة بابويته 1939-1958). ↩
-
ديفيد لانداو: الأصولية اليهودية العقيدة والقوة، ترجمة مجدي عبد الكريم، مكتبة مدبولي، القاهرة، ١٤١٤هـ/ ١٩٩٤م، ص ٣٣. ↩
-
E. Krentz, The Historical Critical Method, Fortress Press, Philadelphia, 1975, p.1. I. H. Marshall, New Testament Interpretation, Paternoster Press, Carlisle, 1992, p. 126. ↩
-
Encarta Cd, Modernism and Protestantism. ↩
-
لانداو، المرجع السابق، ج ٢، ص ٨٨ وما بعدها. (يفترض أن هذا هو "جزء ٢" أو "المجلد ٢" من كتاب لانداو، لكن الكتاب المذكور سابقاً لا يبدو أنه متعدد الأجزاء بهذا الشكل. قد يكون خطأ في الإشارة أو أن "ج٢" تشير لشيء آخر). ↩
-
Encarta Cd Fundamentalism. ↩
-
Umberto Eco, Interpretation and over-interpretation, Cambridge University Press, Cambridge, 1994, p. 23. ↩
-
نقلا عن الحسن المختار، "أمبرتو إيكو والتأويل اللانهائي"، مجلة البيان، العدد ٦٤. ↩
-
انظر تفصيل ذلك في: عرفان عبد الحميد، المنهج السلفي، ص ٢٤. ↩
-
انظر ابن قيم: الصواعق المرسلة، ج ١، ص ١٨٧، محمد بن أحمد ابن النجار، شرح الكوكب المنير، تحقيق: محمد الزحيلي، نزيه حماد، مركز البحث العلمي بجامعة الملك عبد العزيز، السعودية، ١٤٠٠هـ / ١٩٨٠م، ج ٣، ص ٤٦١. ↩
-
ابن قيم الجوزية: إعلام الموقعين، تحقيق: طه عبد الرؤوف، دار الجيل، بيروت، ١٩٧٣م، ج ٤، ص ٢٤٩-٢٥٠ وما بعدها. ↩
-
رقية طه جابر: "الحداثة وأثرها على قضايا المرأة"، مجلة البيان، أغسطس، ٢٠٠١م. ↩
-
محمد أركون: جدلية القرآن، دار الطليعة، بيروت، ص ٢٠٦. (المرجع الأصلي غالباً لـ محمد أركون وليس "أحمد"، وقد يكون "الفكر الإسلامي: قراءة علمية" أو عمل مشابه له يتناول القرآن.) ↩
-
مصطفى تاج الدين: "النص القرآني وإشكالية التأويل"، إسلامية المعرفة، العدد الرابع عشر، ١٩٩٨م، ص ١٩. ↩
-
Gadamer, Hans George. Truth and Method. Trans. By Weinsheimer, Joel and Marshal. Donald, Continuum, New York, 2nd ed, 1989. ↩
-
Wilfred Cantwell Smith, What is Scripture? Fortress Press, Philadelphia, 1993, p. 87. ↩
-
انظر في مقالات أصحاب هذا الاتجاه نصر أبو زيد، فلسفة التأويل: دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي، بيروت، ١٩٨٣م، ص ٥ وما بعدها، وانظر للمؤلف، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، بيروت، ١٩٩٢م، ص ٢٢٨. ↩
-
انظر محمد شحرور: الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة، الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، ط ١، ١٩٩٠م، ص ٥٨٠، يقول الكاتب في هذا السياق: أن التشريع الإسلامي تشريع مدني إنساني حنيفي متطور يتناسب مع رغبات الناس ودرجات تطورهم التاريخي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي ويقر بأعراف الناس... ص ٥٨٠، وانظر للدكتور حسن حنفي: التراث والتجديد ... موقفا من التراث القديم، مكتبة الأنجلو المصرية، مصر، ط ٣، ١٩٨٧م، ص ٣٣ وما بعدها. ↩
-
محمد سعيد العشماوي: معالم الإسلام، القاهرة، ١٩٨٩م. ص ١١٢ وما بعدها. وله مؤلفات أخرى تدور حول ذات الأفكار والأطروحات، انظر على سبيل المثال: الخلافة الإسلامية، القاهرة، ١٩٩٠م، والمزيد من الأمثلة على هذه المقولات راجع: نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الديني، دار سينا للنشر. مصر، ١٩٩٢م، ص ٨٢ وما بعدها. ↩
-
(هذه النقاط الثلاث هي استنتاج أو تلخيص من الكاتبة، لا يوجد لها مرجع مباشر في الهامش). ↩