د.رقية العلواني

جميع البحوث

التوجهات المقاصدية عند ابن تيمية

دراسة تحليلية في التوجهات المقاصدية عند ابن تيمية

إعداد: د. رقية طه جابر العلواني

الأستاذ المشارك بكلية الآداب - جامعة البحرين


بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، وبعد:

فإن الحديث عن مقاصد الشريعة يتعلق بكونها معللة بجلب المصالح ودرء المفاسد، وأن أحكامها وتكاليفها وتشريعاتها إنما جاءت لرعاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، وهذا حاصل ما أشار إليه جماهير العلماء قديمًا وحديثًا1 بعبارات مختلفة في مبناها لكنها متحدة ومتقاربة في معناها2.

كما أن مراعاة المقاصد اعتمدت في اجتهادات وترجيحات وفتاوى من سبق من السلف منذ عصر الرسول- عليه الصلاة والسلام-، ثم الصحابة، والتابعين ومن سار على نهجهم من الأئمة الأعلام وفقهاء الشريعة.

ولا شك أن الشريعة الإسلامية تأسست وانبنت في عمومها، على مقاصد كبرى لابد من معرفتها لكل من رام التفقه في الدين بل لكل مكلف بأحكام الشرع.

وقد اهتم الإمام ابن تيمية بالمقاصد العامة للشريعة الإسلامية اهتمامًا واضحًا، حتى إن الناظر في مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، يجد أن جلّها تدور حول تحقيق المقاصد العامة باختلاف أنواعها وربطها بصلاح المكلفين في معاشهم ومعادهم.

وقد تنبه كثير من الباحثين المعاصرين إلى دور ابن تيمية رحمه الله- في الفكر المقاصدي حتى عدّه بعضهم أبرز أعمدة الاجتهاد المقاصدي.

وتأتي أهمية هذه الدراسة من عدة جوانب:

أولًا: إن هذه الدراسة تتعلق بعلم مقاصد الشريعة، وهو علم له أهميته البالغة بين علوم الشريعة، وضمن أصول الفقه؛ ولا يخفى ما لاستحضار المقاصد من دور في ترسيخ الاعتقاد بالأحكام الشرعية عند المكلفين، ورفعها للحرج عنهم، وأيضا ما لها من دور في الخروج من الخلاف وفتح باب الاجتهاد المنضبط.

ثانيًا: أنها تُعنى بدراسة الجانب المقاصدي عند علم من أعلام الأمة، من خلال ما خلفه من كتب تضمنت ثروة علمية متميزة، ازدادت الحاجة إليها في ظل التغيرات التي طرأت على الحياة المعاصرة. إضافة إلى أنها تلقي الضوء على جوانب مقاصدية، قل الاهتمام بها من قبل الكثيرين منها ما يتعلق بأثر الاهتمام بمقاصد الشريعة في تزكية النفس، ومنها ما يتعلق بالمقاصد القرآنية.

ونظرًا لطبيعة الإشكالية المطروحة، فقد اعتمدت هذه الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي، وذلك في محاولة لتتبع النصوص المقاصدية في بعض كتب الإمام ابن تيمية، بهدف استخلاص مواقفه واستدراكاته المقاصدية الأصولية، سيما تلك المتعلقة بأعمال القلوب الظاهرة والباطنة، وتحليلها للإفادة منها والبناء عليها مستقبلا.

الدراسات السابقة:

الاستدراكات المقاصدية للإمام ابن تيمية، وهذا جانب لم تقف فيه الكاتبة على دراسة أو بحث متخصص أفرد لهذا الغرض، إلا أنه يمكن الاستفادة من الدراسات التي أشارت إلى المقاصد عند ابن تيمية إجمالًا، ومن أبرزها:

  1. "مقاصد الشريعة الإسلامية عند ابن تيمية" للدكتور / يوسف أحمد محمد البدوي، دار النفائس، الأردن/ عمان، ١٤٢١هـ / ۲۰۰۰م. تطرق في بعض مباحثه إلى موقف ابن تيمية من تعليل العادات والعبادات، وموقفه من حصر المقاصد في الضروريات الخمس المعروفة، وبعض المقاصد الأخرى ثم عرض إسهاماته في علم المقاصد، أبرز من خلالها: دوره في هذا العلم، واستفادة العلماء منه في ذلك، وتميزه في التطبيقات وفي تأصيله للقواعد المقاصدية.
  2. "مقاصد الشريعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية" وهو بحث للدكتور / مسفر القحطاني، نُشر في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة؛ العدد (٣٦)، عام ١٤١٨هـ. جعل شطره الأول في مقدمة تحول المقاصد، ثم ذكر بعض القضايا العامة في المقاصد عند ابن تيمية – رحمه الله-.
  3. "معالم وضوابط الاجتهاد عند شيخ الإسلام ابن تيمية" للدكتور علاء الدين حسين رحال، دار النفائس، الأردن/ عمان. ١٤٢٢هـ - ۲۰۰۲م. وقدمت الدراسة تحليلا ونقدًا لأهم معالم الاجتهاد بصورة عامة، وتناولت المقاصد الشرعية كعامل مساعد للمجتهد في الاجتهاد. كما أظهرت اعتراض ابن تيمية على الأصوليين في حصرهم الضروريات في تلك الضرورات الخمس المعروفة. ومن ثم عرج على كيفية استثمار ابن تيمية رحمه الله - للمقاصد الشرعية في الممارسة الفقهية التطبيقية التي أجراها في معالجته لواقع الناس، مما يبرز دور ومكانة المقاصد الشرعية في الاجتهاد فهما وتطبيقا واقعيًا.
  4. "مقاصد الشريعة الإسلامية في المعاملات المالية عند ابن تيمية" للدكتور إبراهيم علي أحمد الشال الطنيجي، وهو عبارة عن بحث، ضمن الندوة العالمية عن الفقه الإسلامي وأصوله وتحديات القرن الحادي والعشرين، مقاصد الشريعة وسبل تحقيقها في المجتمعات المعاصرة، ج ۲، التي انعقدت بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا في الفترة من ٨ إلى ١٠ أغسطس ٢٠٠٦ م / ١٤-١٦ رجب ١٤٢٧هـ. خصص المبحث الأول منه لأهمية المقاصد عند ابن تيمية، حيث أشار إلى مركزية وأهمية المقاصد ضمن العلوم الشرعية وبالنسبة للفقهاء والمجتهدين، وكيف أن ابن تيمية في اجتهاداته كان يربط الأحكام بمقاصدها ومعانيها، فكان فقهه واقعيًا ومسايرا للحوادث والوقائع، مما يؤكد عمق فهمه لمقاصد التشريع.
  5. "مقاصد الشريعة في المعاملات المالية عند ابن تيمية وأثرها في الأحكام الفقهية والنوازل المالية المعاصرة" وهو عبارة عن بحث لنيل درجة الدكتوراه في أصول الفقه، أعده الباحث: ماجد بن عبد الله بن محمد العسكر، من جامعة أم القرى، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية قسم الشريعة في العام الجامعي ١٤٣٤ هـ / ١٤٣٥ هـ . وقد ضمن الباب الأول تعريفا بابن تيمية واهتمامه بمقاصد الشريعة تأصيلا وتطبيقا، بالإضافة إلى اهتمامه بالمعاملات المالية وتميزه فيها.

منهج البحث:

اتبعت في هذا البحث المنهج التحليلي، وسيتضح ذلك في ثنايا البحث، والله الموفق.

خطة البحث:

اشتمل البحث على مقدمة ومبحثين وخاتمة وأهم المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها، وذلك كما يلي:

  • المبحث الأول: ابن تيمية ومقاصد الشريعة. وفيه ترجمة مختصرة عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وبيان مقاصد الشريعة المفهوم والمصطلح.
  • المبحث الثاني: أبرز مظاهر التوجهات المقاصدية عند ابن تيمية. وفيه تقسيم المقاصد الشرعية عند ابن تيمية، وبيان اهتمامه بدور المقاصد في تزكية النفس.
  • والخاتمة: وفيها أهم النتائج التي توصلت إليها.

الباحثة


المبحث الأول: ابن تيمية ومقاصد الشريعة

أولًا: ترجمة مختصرة لابن تيمية

شهرة شيخ الإسلام ابن تيمية فاقت الآفاق، كما يقول عنه الحافظ ابن رجب -رحمه الله - : "وشهرته تغني عن الإطناب في ذكره، والإسهاب في أمره"3 ولا أدل على ذلك من كثرة الترجمات التي كتبت حوله قديما وحديثا ؛ فقد ترجمة له الذهبي - رحمه الله - في كل من "المعجم المختص"4، و"تذكرة الحفاظ "5، ابن رجب الحنبلي في "ذيل طبقات الحنابلة"6، و"الدرر الكامنة"7، والحافظ عمر بن علي البزار في "الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية"8 ، وابن عبد الهادي في "العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية"9 ، ومرعي الكرمي الحنبلي في "الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية"10 و "الكواكب الدرية في مناقب المجتهد ابن تيمية"11.

وممن اعتنى من المحدثين بترجمة شيخ الإسلام نجد الشيخ محمد أبو زهرة - رحمه الله- في كتابه: "ابن تيمية"12، وأبو الحسن الندوي في كتابه: "شيخ الإسلام الحافظ أحمد بن تيمية"13. وعمر فروخ في كتابه: "ابن تيمية المجتهد"14، وعبد الله بن صالح الغصن في كتابه: "دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية -عرض ونقد"15، ثم هناك عمل مميز قام به كل من محمد عزير شمس وعلي بن محمد العمران تحت إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد، وهو كتاب: "الجامع لسيرة شيخ الإسلام خلال سبعة قرون"16.

قال الإمام الذهبي: "نشأ الشيخ تقي الدين في تصوّن تام وعفاف وتأله وتعبد واقتصاد في الملبس والمأكل، وكان يحضر المدارس والمحافل في صغره ويناظر ويفحم الكبار، ويأتي بما يتحير منه أعيان البلد في العلم، فأفتى وله تسع عشرة سنة بل أقل، وشرع في الجمع والتأليف من ذلك الوقت وأكب على الاشتغال، ومات والده وكان من كبار الحنابلة وأئمتهم، فدرس بعده بوظائفه وله إحدى وعشرون سنة ... وتقدم في علم التفسير والأصول وجميع علوم الإسلام أصولها وفروعها ودقها وجلها..... وله خبرة تامة في الرجال، وجرحهم وتعديلهم، ومعرفة بفنون الحديث، والصحيح والسقيم، مع حفظه لمتونه الذي انفرد به، فلا يبلغ أحد في العصر رتبته، ولا يقاربه، وهو عجيب في استحضاره واستخراج الحجج منه، وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب الستة، بحيث يصدق عليه أن يقال: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث ... واشتهر أمره وبعد صيته في العالم..."17.

وكان - رحمه الله - حسن الاستنباط، قوي الحجة، سريع البديهة، قال عنه البزار - رحمه الله-: "وأما ما وهبه الله - تعالى - ومنحه من استنباط المعاني من الألفاظ النبوية والأخبار المروية، وإبراز الدلائل منها على المسائل، وتبيين مفهوم اللفظ ومنطوقه، وإيضاح المخصص للعام، والمقيد للمطلق، والناسخ للمنسوخ، وتبيين ضوابطها، ولوازمها وملزوماتها، وما يترتب عليها، وما يحتاج فيه إليها، حتى إذا ذكر آية أو حديثًا، وبين معانيه، وما أريد فيه، يعجب العالم الفطن من حسن استنباطه، ويدهشه ما سمعه أو وقف عليه منه"18.

وقال ابن حجر : "سمع سنن أبي داود، وحصل الأجزاء، ونظر في الرجال، والعلل، وتفقه، وتمهد، وتميز، وتقدم، وصنّف ودرّس وأفتى، وفاق الأقران، وصار عجبًا في سرعة الاستحضار، وقوة الجنان، والتوسع في المنقول والمعقول، والاطلاع على مذهب السلف والخلف"19.

وتوفي شيخ الإسلام ابن تيمية ليلة الاثنين لعشرين من ذي القعدة من سنة (۷۲۸هـ) بقلعة دمشق التي كان محبوساً فيها. رحمه الله-.

ثانيًا: مقاصد الشريعة ... المفهوم والمصطلح عند ابن تيمية

يعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - من أبرز الأعلام الذين طرقوا موضوع المقاصد وأبدعوا فيه، ولاشك أنه استفاد ممن سبقه من العلماء في هذا الشأن، إلا أنه كانت له مواقف وآراء خاصة بشأن بعض تعريفاتهم وتقسيماتهم فأضاف وزاد واستدرك عليهم.

وكان له أثر كبير فيمن جاء بعده من الأصوليين والمقاصديين، بالنظر إلى ما تركه من تراث مقاصدي، تجلّى من خلال تقريراته وإضافاته واستدراكاته البديعة المبثوثة في كثير من مؤلفاته.

وقد عبر - رحمه الله- عن تصوره لمقاصد الشريعة بقوله: "فإن الله أمر بالصلاح ونهى عن الفساد، وبعث رسله بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها"20، ويقول أيضا: "إن الله -سبحانه- أمرنا بالمعروف، وهو طاعته وطاعة رسوله، وهو الصلاح، والحسنات، والخير، والبر، ونهى عن معصيته ومعصية رسوله، وهو الفساد، والسيئات، والفجور"21.

كما جعل - رحمه الله - العلم بمقاصد الشريعة من خاصة الفقه في الدين، بقوله: "لكن العلم بصحيح القياس وفاسده من أجل العلوم، وإنما يعرف ذلك من كان خبيرًا بأسرار الشرع ومقاصده وما اشتملت عليه شريعة الإسلام من المحاسن التي تفوق التعداد وما تضمنته من مصالح العباد في المعاش والمعاد وما فيها من الحكمة البالغة والرحمة السابعة والعدل التام"22.

والدكتور يوسف البدوي عرض؛ حيث ذكر في كتابه "مقاصد الشريعة عند ابن تيمية" جملة من نصوص شيخ الإسلام - رحمه الله - وتعبيراته المتعلقة بالمقاصد، وخلص إلى تعريف مقاصد الشريعة عنده، صاغه من مضمون كلام الشيخ، وهو أنها: "الحكم التي أرادها الله من أوامره ونواهيه؛ لتحقيق عبوديته، وإصلاح العباد في المعاش والمعاد"23.

وهذا يعني أن مفهوم المقاصد عند ابن تيمية يدور حول الغايات والأهداف العليا الكلية التي يقصد الشرع الحكيم تحقيقها للعباد في الدنيا والآخرة. وهو مفهوم بعكس تلك النظرة الكلية لديه التي تتسم بالشمول والتوسع العميق في إدراك غايات التشريع وتنزيلها بحكمة على الوقائع والمسائل التي تعرض للمكلفين في حياتهم.

من هنا رأى ابن تيمية أن على العالم أن يعلم مقاصد الشرع؛ حتى يتكلم بها، ويعلمها الناس، يقول في ذلك: "ولتكن همته فهم مَقَاصِد الرَّسُول في أمره وَنَهْيه وَسَائِر كلامه فإذا اطْمَأَن قلبه أَن هَذَا هُوَ مُرَاد الرَّسُول فَلَا يعدل عَنهُ فِيمَا بَينه وبين الله - تعالى - وَلَا مَعَ النَّاس إذا أمكنه ذلك"24.

كما يبين جوانب من أهمية العلم بمقاصد الشرع في تحصيل الثبات في نفس المكلف والوقوف عند حدود الشرع والتزام أحكامه، وقبولها عن طيب خاطر وانشراح صدر، يقول: "فكل موضع ظهرت للمكلفين حكمته أو غابت عنهم لا يشك مستبصر أن الاحتيال يبطل تلك الحكمة التي قصدها الشارع فيكون المحتال مناقضا للشارع مخادعا في الحقيقة لله ورسوله وكلما كان المرء أفقه في الدين وأبصر بمحاسنه كان فراره عن الحيل أشد.. وأظن كثيرا من الحيل إنما استحلها من لم يفقه حكمة الشارع ولم يكن له بد من التزام ظاهر الحكم"25.

والمتأمل في عباراته، يلحظ ذلك المنحى المقاصدي الذي انعكس على تناوله لكثير من القضايا والمسائل التي عرضها، دون أن يقتصر ذلك على جوانب معينة كالعبادات أو المعاملات.


المبحث الثاني: أبرز مظاهر التوجهات المقاصدية عند ابن تيمية

لقد كان للإمام ابن تيمية اهتمام كبير بالفكر المقاصدي تأصيلا وتطبيقا، حيث اعتنى - رحمه الله - بهذا الجانب عناية كبيرة في مختلف اجتهاداته واختياراته الدقيقة في شتى القضايا.

وهناك نصوص كثيرة لابن تيمية تبيّن رؤيته للمقاصد، من أبرز تلك النصوص الجامعة: "تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها"26.

وقال في الاستقامة: "إن الله - سبحانه- أمرنا بالمعروف، وهو طاعته وطاعة رسوله، وهو الصلاح، والحسنات، والخير، والبر، ونهى عن معصيته ومعصية رسوله، وهو الفساد، والسيئات، والفجور"27.

وقال أيضا: "الغايات المحمودة في مفعولاته ومأموراته -سبحانه-، وهي ما تنتهي إليه مفعولاته ومأموراته من العواقب الحميدة: تدل على حكمته البالغة"28.

ولا تنحصر مظاهر اهتمام ابن تيمية بالفكر المقاصدي عند العبارات والألفاظ فحسب بل تمتد لتدخل في جزئيات تفصيلية وما يمكن أن يُعرف بآليات تفعيل المقاصد.

ومن مظاهر توجهاته المقاصدية ما يلي:

أولًا: تقسيم ابن تيمية لمقاصد الشريعة

من أبرز المعالم التي تعكس التوجهات المقاصدية لدى ابن تيمية، تلك التي تتعلق بتقسيماته وتصنيفاته لمقاصد الشريعة وتنوعها. وقد تناثرت تلك التقسيمات في فوائده وكتبه وأبرزها؛ مجموع الفتاوى.

ومن ذلك: ما ذكره في أن المقصد الأعظم للشريعة الإسلامية؛ حفظ الدين بالأساس. مقصد الرسالات السماوية جميعا، التي بدونها لا يحقق الإنسان سعادته، حيث يقول ابن تيمية : " والرسالة ضرورية للعباد ولابد لهم منها، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء، والرسالة روح العالم ونوره وحياته، فأي صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور"29.

والمتأمل في هذه العبارة يدرك أنها تؤكد نظرته الثاقبة في أثر الشريعة وأحكامها في تزكية النفس وإعمار الأرض وتحقيق الصلاح والنهي عن الفساد.

وهذا الربط الدقيق بين مقصد حفظ الدين وهذه المعاني، مما يحتاج إليه الناس في كل زمان ومكان، فمن خلاله، يقوم العمران.

وتنضوي تحت هذا المقصد الأكبر مقاصد مرتبطة به وخادمة له هي: تصحيح العقيدة وكذا مفهوم أهل الذمة عنده، على اعتبار أنها كلها تراعي وتحقق المقصد الأعظم للشريعة الإسلامية الذي هو حفظ دين الناس وإبعاد أي خطر يتهدّده.

والقسم الثاني: المقاصد الأساسية للشريعة الإسلامية، وهي:

أولًا : مقصد تحقيق العدل، وقد اختص به ابن تيمية، واهتم به كثيرا، باعتباره حلقة الوصل بين المقصد الأعظم وبين مقاصدها الأساسية حيث إن التوحيد أعظم العدل كما أن الشرك أعظم الظلم، وأنه أساس كل المأمورات، وضده الظلم وهو أساس كل المنهيات. وأنه أساس قيام الدول، وأنه واجب مطلقا، بينما الظلم حرام مطلقا. وأنه أيضا أساس التشريعات الاقتصادية والاجتماعية.

فالشريعة مبنية على العدل والتوسط والاعتدال وجلب المصالح لجميع البشر وبشتى فئاتهم وطبقاتهم غنيهم وفقيرهم حاكمهم ومحكومهم فهي تحقق المصالح وتدرأ المفاسد عن جميع البشر دون محاباة، فأركانها وأحكامها وأسبابها تشمل جميع الناس.

ثانيًا : حفظ النفس، وهو عند ابن تيمية ذو جانبين: جانب فقهي، عليه إجماع من علماء الأمة كلهم، بل إنه أمر بدهي في كل الشرائع السماوية، وجانب مقاصدي، أي أنه مرتبط عنده بغيره من المقاصد، إذ لا وجود للمقاصد بدون حياة النفس الإنسانية. يقول في ذلك: " الفساد إما في الدِّينِ وإما في الدنيا، فأعظم فساد الدنيا قتل النفوس بغير الحق؛ ولهذا كان أكبر الكبائر بعد أعظم فساد الدين الذي هو الكفر"30.

ثالثًا: حفظ النسل، ويمكن عرض هذا المقصد عنده في نقطتين يختلف فيهما عن بقية الجمهور: التفاته للجانب الإيجابي في الموضوع، فهو لا يتكلم عن مجرد إقامة الحد على ارتكاب جريمة الزنى فحسب، بل يبدأ بالحديث عن التيسير في الصداق تيسيرا للزواج وعن عدم جواز جبر الأب ابنته البكر على الزواج. ثم من جهة أخرى، التفاته للبعد الاجتماعي فيه؛ سيما عند تناوله لمسائل الطلاق وأحكامه، ورفضه أن يقع لأتفه الأسباب أو بسبب طلاق بدعي حرام مراعاة لمقاصد الشرع عموما ومقصد حفظ النسل خصوصا. يقول في ذلك: "وأما تزويجها مع كراهتها للنكاح، فهذا مخالف للأصول والعقول، والله لم يسوغ لوليها أن يكرهها على بيع أو إجارة إلا بإذنها، ولا على طعام أو شراب أو لباس لا تريده، فكيف يُكرهها على مباضعة ومعاشرة من تكره مباضعته ومعاشرته. والله قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة فإذا لا يحصل إلا مع بغضها له ونفورها عنه فأي مودةٍ ورحمةٍ في ذلك"31.

رابعا : حفظ العقل، وهو يتفق فيه مع الجمهور، إلا أنه لا يحصره في حكم واحد هو تحريم الخمر وشرع الجلد عقوبة للشارب. يقول الأستاذ البدوي معبرا عن نظرته الشمولية في حفظ العقل بقوله:" فهو يعتبر أن الرسالة ضرورية لصلاح العقول والأبدان، إذ غذاؤها هو الرسالة والوحي، فلحفظ العقل والإبقاء على سلامته وحسن تفكيره وصحة تقديره، لابد أن يحاط بسياج الشريعة ويستمد بصيرته منه. وهذه النظرة من ابن تيمية أسد وأعمق ممن يجعلون حفظ العقل في اجتناب المسكرات والمخدرات"32. ومن المواضيع التي تشدّد فيها اعتبارا لهذا المقصد، موضوع تحريم النرد والشطرنج ومشكلة إدمان المخدرات (الحشيش). وسبب ربطه بين هذا المقصد وبين المقصد الأعظم، أن العقل هو أداة أو مناط التكليف.

خامسا: حفظ المال، وهو قوام الحياة، فالأصل في المعاملات بين الناس الإباحة ما لم يرد حظر، أو ما لم يتحقق فيها العدل الذي من أجله شرعت القوانين. وبهذا يترتب عن الظلم وأكل أموال الناس بالباطل إقامة الحد أو عقوبة جنائية مباشرة على المعتدين بالضوابط الشرعية المعروفة، ليكون عبرة للآخرين، دون قصر ذلك على الحدود.

والقسم الثالث : المقاصد الفرعية: وهي متناثرة في ثنايا كتاباته الكثيرة، مرتبطة بمقصد من المقاصد الخمسة الرئيسية، ويراعى فيها تحقيق العدل، لكي تؤدي في النهاية إلى المقصد الأعظم، الذي هو حفظ الدين. وقد اهتم بها ابن تيمية واعتبرها مكملة للمقاصد الأصلية33.

والمقاصد الفرعية تكمل الأصلية وتحفظها، وذلك بشرط أن لا تتناقض الفرعية مع الأصلية وإلا أصبحت الفرعية ملغاة، ومثال ذلك الصلاة: فمقصدها الأصلي ذكر الله وعبادته - تعالى-، ولكنها أيضاً تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهو مقصد فرعي يقوي ويثبت المقصد الأصلي لما يحصل في القلب من الخشية والتعظيم والمهابة من الله - تعالى - من ترك الفحشاء والمنكر. يقول في ذلك : " وبالجملة فقد نصب الشارع إلى الأحكام أسبابًا تقصد الحصول تلك الأحكام فمن دلّ عليها وأمر بها من لم يفطن لها ممن يقصد الحلال ليقصد بها المقصود الذي جعلت من أجله فهو معلم خير"34. فالنظر في المقصد الأصلي لمعرفة التبعي والوقوف عليه من الخير الذي يتعلّمه الناس ويثاب فاعله.

ومن ذلك على سبيل المثال: أولا : مقصد تكميل الفطرة وتقريرها؛ فالفطرة المغروسة في البشر هي الدين، وبعث الرسل كان للمحافظة عليه والالتزام به وعدم تبديله. يقول في ذلك: "وذلك الأمر والنهي والوعد والوعيد في الشرع هو تكميل للفطرة، وكل منهما عون على الآخر، فالشريعة تكميل للفطرة الطبيعية، والفطرة الطبيعية مبدأ وعون على الإيمان بالشرع والعمل به، والسعيد من دان بالدين الذي يصلحه، فيكون من أهل العمل الصالح في الآخرة، والشقي من لم يتبع الدِّين ويعمل العمل الذي جاءت به الشريعة"35.

ومن أمثلة اهتمامه وتطبيقاته المقاصدية من خلال اهتمام بالمقاصد الفرعية، ما جاء من كلامه عن تحريم نكاح المحلل، حيث يقول : " عود المرأة إلى زوجها إنما هو حلال، إذا وجد النكاح الذي هو النِّكاحُ ، والنِّكاحُ إِنَّما هو إذا قصد به النكاح. فالأصل في العقد أن يقصد به فُوائِدَه وثَمراته. والطَّلاقُ هنا رفع للثمرات والفوائد. والشَّيءُ يُفعَلُ لأَعْلَبِ فَوَائِدِه ومَقَاصِدِه التي تستدعي بَقَاءَه ودَوامَه، ولا يُفْعَلُ لأَندَر فَوائِدِه ومَقَاصِدِه التي لا تكون مُنافِيةً الحقيقتِه، بل مجَامِعةً له ومستلزمةً له. فكيف إذا كانت مُناقِضَةً وهَادِمَةً له، ودَافِعَةً لحقيقته. فحقيقةُ النِّكَاحِ إِنَّما تَتم إذا قصد به ما هو مقصوده، أو قَصَدَ نَفسَ وُجودِه لبعض لوَازِمِه وتَوابِعه. والنكاح ليس مقصوده في الشرع، ولا في العُرفِ الطَّلاقُ الموجب لتحليل الحُرمَةِ. فَإِنَّ الصَّلاقَ رَفعُ النِّكَاحِ وإِزَالَته، وقصدُ إِيجَادِ الشَّيء لإعدامِه مِن غَيْرِ غَرْضٍ يَتَعَلَّقُ بنَفْسٍ وُجُودِهِ مُحال. وحقيقةُ النِّكاح ومَقصُودُه حُصُولُ الصلة بين الزوجين التي تَتَضمَّنُ حُصُولَ السَّكَنِ والازدواج بين الزوجين المنفَعَةِ المتعة وتوابعها، والموَدَةِ والرَّحمةِ والعِشرة والصحبة، ومُعاهَدَةِ الأَهلِ وتربية الأخوات. وهو مِثلُ الأخوة والصحبة والموالاة ونحو ذلك من الصلات التي تقتضي رَعْبَةَ كُلِّ واحِدٍ مِن المتواصلين في الآخر. بل هو أَوكَدُ الصَّلات، فَإِنَّ صَلاحَ الخَلْقِ وبَقَاءَه لا يتم إلا بهذه الصلة، بخلاف تلك الصلات فإنها مكملات للمصالح"36.

ومن قبيل ذلك - أيضا - اهتمامه بالوقوف على مقاصد العبادات. فقد شرع الله - تعالى - العبادات للناس، وأظهر -سبحانه- بعض مقاصدها وغاياتها، وأخفى بعضها، والإمام ابن تيمية من أولئك العلماء الذين اهتموا بإبراز مقاصد العبادات من صلاة وصيام وحج وغيرها دون تكلف يخرج بها عن غاياتها الأصلية في الامتثال لأمر الله -سبحانه-. وقد تناول في كثير من مؤلفاته بعضًا من هذه الأسرار فيرى أن مقصود الصلاة ذكر الله - تعالى - على كل حال، فيقول: "ولما كان ذكر الله هو مقصود الصلاة قال أبو الدرداء: (ما دمت تذكر الله فأنت في صلاة ولو كنت في السوق)37 "38. وسئل - رحمه الله تعالى - عن إخراج القيمة في الزكاة، فقال بعد أن عرض أقوال الفقهاء في ذلك: "والأظهر في هذا: أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه ولهذا قدر النبي - صلى الله عليه وسلم - الجبران بشاتين أو عشرين درهما ولم يعدل إلى القيمة... ولأن الزكاة مبناها على المواساة وهذا معتبر في قدر المال وجنسه وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به"39.

ثانيًا: اهتمام ابن تيمية بدور المقاصد في تزكية النفس

تزكية النفس من أعظم المقاصد التي لأجلها بعث الله -سبحانه- الرسل وأنزل الكتب. قال - تعالى -: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾40. وفي موضع آخر : ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾41.

فالتزكية تربية للإنسان عقلا وروحًا وجسدًا. من هنا فإن الشريعة الإسلامية جاءت بمختلف الأحكام لتهذيب تلك النفس من هذه النواحي المتداخلة والمتكاملة في ذات الوقت. قال - تعالى-: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَهْمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا * كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا﴾42.

وهكذا يفلح ويفوز وينجح في بغيته من تحقق بالتزكية: وهي البعد عما يغضب الله من الآثام، والإكثار مما يقرب من الله من الأعمال الصالحة، وبذلك ترتفع قيمة النفس. وفي المقابل يخسر ويخيب من دساها بالخصائص التي تحول بين صاحبها وبين فعل الصالحات، وحرمانها من الترقي والزيادة في الخير، والسمو بالنفس. فلا يمكن الفصل بين الأبعاد التزكوية والروحية للإنسان وبين الأمور المعيشية الأخرى.

وقد اهتم علماء المسلمين بمفهوم التزكية بهذا الاعتبار، فيؤكد الراغب الأصفهاني على سبيل المثال أن الإنسان لا يستحق القيام بمهمة الخلافة في الأرض إلا بتحري مكارم الشريعة وهي الحكمة والقيام بين الناس بالعدالة والإحسان والفضل. وتحري هذه الأمور لا يتحقق إلا من خلال تهذيب الإنسان لنفسه أولا قبل غيره. فتبدأ مكارم الشريعة بطهارة النفس بالتعلم بالتوصل إلى الحكمة ثم العفة للتوصل إلى الجود والصبر ليدرك الشجاعة والحلم ثم العدالة لتصحيح الأفعال43.

من هنا جاء استدراك ابن تيمية على بعض الأصوليين الذين يعللون الأحكام الشرعية بحفظ مصالح دنيوية، ولا يعتنون بما يتعلق بصلاح القلوب وتزكيتها، حيث قال: «وقوم من الخائضين في أصول الفقه وتعليل الأحكام الشرعية بالأوصاف المناسبة، إذا تكلموا في المناسبة، وأن ترتيب الشارع للأحكام على الأوصاف المناسبة يتضمن تحصيل مصالح العباد ودفع مضارهم، ورأوا أن المصلحة نوعان: أخروية، ودنيوية، جعلوا الأخروية ما في سياسة النفس، وتهذيب الأخلاق من الحكم، وجعلوا الدنيوية ما تضمن حفظ الدماء والأموال والفروج والعقول والدين الظاهر، وأعرضوا عما في العبادات الباطنة والظاهرة من أنواع المعارف بالله، وأحوال القلوب وأعمالها: كمحبة الله، وخشيته، وإخلاص الدين له، والتوكل عليه، والرجا لرحمته، ودعائه»44.

بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك حيت اعتبر أن التعاليم والأحكام الشرعية يحصل بها سرور الروح والقلب أكثر من الشعور بالتكليف وفي ذلك تأكيد لما فيها من ثمرات تزكية النفس والروح. يقول في ذلك: (لم يجيء في الكتاب والسنة وكلام السلف إطلاق القول على الإيمان والعمل الصالح أنه تكليف، كما يطلق ذلك كثير من المتكلمة والمتفقهة، وإنما جاء ذكر التكليف في موضع النفي، كقوله «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» .. أي: وإن وقع في الأمر تكليف فلا يقع إلا قدر الوسع، لا أنه يسمى جميع الشريعة تكليفاً، مع أن غالبها قرة العيون، وسرور القلوب، ولذات الأرواح، وكمال النعيم)45.

يقول الشيخ أبو زهرة عن اختيارات ابن تيمية في فتاويه: “الاختيار الثاني القربُ من حاجات النَّاس ومألوفهم، وتحقيق مصالحهم والعدالة فيهم. فإنَّه بعد استيثاقه من الاتصال بين الحكم والمصدرِ الشَّرعي، من كتاب أو سُنَّةٍ ، يختار الأعدل والذي يلائم العصر، ويتفق مع الحاجات. الاختيار الثالث : تحقيق المعاني الشرعية التي شرعت لها الأحكام. فهو على ذلك جد حريص في كل ما يختار ويفتي ويعلق من آراء"46.

ومن جملة ما لاحظه بيان خشيتة من تنفير الناس عن هذه الشريعة السمحة بمجرد تصور أنها تكاليف يمكن أن يلحق بها عنت ومشقة، مما يبعث على التباطؤ في الامتثال أو ربما التهاون في القيام بها بكليتها عند بعض المكلفين.

وفي كلامه بيان لضرورة اهتمام العلماء والباحثين بهذا المقصد العظيم خاصة في الواقع المعاش اليوم، إذ أن ذلك مما يرغب المكلفين بالإقبال على اتباع الشريعة في أحكامها وإدراك أنها بأحكامها أبعد ما تكون عن قصد المشقة والحرج والعسر عليهم. ومراعاته - رحمه الله- وما لاحظه في ذلك من أقوى الأدلة وأبينها على نظرته الشمولية المتوازنة في تفعيل مقاصد التشريع وتوجيهها وجهة تحقق أغراض الشريعة في صلاح المكلفين في الدنيا والآخرة. يقول في ذلك: (إن نفس الإيمان بالله وعبادته ومحبته وإجلاله هو غذاء الإنسان وقوته وصلاحه وقوامه كما عليه أهل الإيمان، وكما دل عليه القرآن، لا كما يقول من يعتقد من أهل الكلام ونحوهم: إن عبادته تكليف ومشقة وخلاف مقصود القلب لمجرد الامتحان والاختبار، أو لأجل التعويض بالأجرة كما يقوله المعتزلة وغيرهم؛ فإنه وإن كان في الأعمال الصالحة ما هو على خلاف هوى النفس، والله . -سبحانه- . يأجر العبد على الأعمال المأمور بها مع المشقة، كما قال - تعالى - : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَةٌ وَلَا نَصَبٌ) الآية، وقال - صلى الله عليه وسلم- لعائشة: " أجرك على قدر نصبك"، فليس ذلك هو المقصود الأول بالأمر الشرعي، وإنما وقع ضمنا وتبعا لأسباب ليس هذا موضعها)47.

ومن مظاهر نظراته الثاقبة كذلك في توجهاته المقاصدية؛ ربط المصالح الدنيوية بالمقاصد الشرعية، يقول في ذلك: "وجلب المنفعة يكون في الدنيا وفي الدين. ففي الدنيا كالمعاملات والأعمال إلى يقال فيها مصلحة للخلق من غير حظر شرعي. وفي الدين ككثير من المعارف والأحوال والعبادات والزهادات فيها مصلحة الإنسان. فمن قصر المصالح على العقوبات التي فيها دفع الفساد عن تلك الأحوال ليحفظ الجسم فقط، فقد قصر "48. فلا تبقى المقاصد محصورة في مجالات معينة دون أن تمتد إلى ما هو أكثر نفعًا للناس في دنياهم وأخراهم. فمن لم يعرف كيف يعمر دنياه، ندر أن يعرف كيف يعمر آخرته. يقول في هذا : " لكن العلم بصحيح القياس وفاسده من أجل العلوم، وإنما يعرف ذلك من كان خبيرًا بأسرار الشرع ومقاصده وما اشتملت عليه شريعة الإسلام من المحاسن التي تفوق التعداد وما تضمنته من مصالح العباد في المعاش والمعاد وما فيها من الحكمة البالغة والرحمة السابغة والعدل التام"49. والمتأمل في هذه الوقفات المقاصدية، يلحظ أهمية تفعيلها في واقع الفتاوى والاجتهادات المعاصرة، وما يمكن أن تحدثه من فارق ملموس في تعزيز أغراض الشريعة من العبادات والمعاملات في نفس المكلف، وأبعاد ذلك كله في الواقع.


الخاتمة

تناولت هذه الدراسة بعضا من معالم التوجهات المقاصدية عند ابن تيمية – رحمه الله -، فقد اهتم الإمام ابن تيمية بالمقاصد العامة للشريعة الإسلامية اهتماما واضحًا، حتى إن الناظر في مؤلفاته يجد أن جلّها تدور حول تحقيق المقاصد العامة، باختلاف أنواعها وربطها بصلاح المكلفين في معاشهم ومعادهم. وقد تنبه كثير من الباحثين المعاصرين إلى دور ابن تيمية رحمه الله - في الفكر المقاصدي حتى عده بعضهم أبرز أعمدة الاجتهاد المقاصدي.

من هنا وقفت هذه الدراسة على بعض الشذرات من إرثه المقاصدي الذي تركه متناثرا في العديد من كتبه ومؤلفاته ورسائله. فهو يعتبر بحق من أهم العلماء الذين أبرزوا علم المقاصد خاصة في الفتاوى والمسائل الفقهية التي بناها عليها. فأسهم في جوانب التنظير والتأصيل لهذا العلم كما في جوانب التقعيد والتفعيل.

وتبرز الحاجة في الوقت الحاضر إلى المزيد من الدراسات التي تبحث في تلك الفتاوى والمسائل التي بناها - رحمه الله - وغيره من العلماء المهتمين بالمقاصد - وفق فهمهم للواقع المعاش وتفعيلهم لمقاصد التشريع فيه، من خلال اجتهادات تبرز سماحة الشريعة وصلاحيتها للاستجابة لمتغيرات الزمان والمكان بما يتوافق وثبات أصولها واستقرار مبادئها.

وإذ وقفت الدراسة على بعض من التوجهات المقاصدية لديه: كتقسيمه للمقاصد، واهتمامه بدور المقاصد في تزكية النفس، فإنها تؤكد وجود العديد من الجوانب التي ينبغي للباحثين الاهتمام بها وتسليط الضوء عليها والإفادة منها في معالجة مستجدات العصر بنفس مقاصدي يروم تحقيق غاية الشريعة في صلاح وإصلاح المكلفين في دنياهم وآخراهم.


فهرس المصادر والمراجع

  1. العظيم آبادي، محمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر.عون المعبود شرح سنن أبي داود، ومعه حاشية ابن القيم، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الثانية، ١٤١٥هـ.
  2. الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل. الذريعة إلى مكارم الشريعة، تحقيق: أبو اليزيد أبو زيد العجمي، دار السلام للطباعة والنشر، ١٤٢٨هـ – ٢٠٠٧ م.
  3. البدوي، يوسف. مقاصد الشريعة الإسلامية عند ابن تيمية. دار النفائس. الأردن / عمان. ١٤٢١هـ / ٢٠٠٠م.
  4. البزار، أبو حفص. الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: صلاح الدين المنجد، دار الكتاب الجديد، بيروت، ١٣٩٦هـ.
  5. ابن تيمية، الزهد والورع والعبادة، مكتبة المنار، الأردن، ١٤٠٧هـ.
  6. ابن تيمية، الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية. ١٤١٦ هـ/١٩٩٥م.
  7. ابن تيمية، بيان الدليل على بطلان التحليل، تحقيق: حمدي السلفي، المكتب الإسلامي، بيروت، ۱۹۹۸م.
  8. ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، تحقيق: ناصر العقل، دار عالم الكتب، بيروت، ١٩٩٩م.
  9. ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم. الاستقامة، تحقيق: محمد رشاد سالم، دار الفضيلة، الرياض، ١٤٢٥هـ - ٢٠٠٥م.
  10. الحنبلي، ابن رجب. ذيل طبقات الحنابلة. تحقيق: محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية، مصر ٣٨٧/٢.
  11. الذهبي، محمد بن أحمد. المعجم المختص (بالمحدّثين). تحقيق: محمد الحبيب الهيلة، مكتبة الصديق، الطائف، 1408هـ - 1988م.
  12. الذهبي، تذكرة الحفاظ. دار إحياء التراث العربي، بيروت.
  13. رحال، علاء الدين حسين. معالم وضوابط الاجتهاد عند شيخ الإسلام ابن تيمية. دار النفائس، الأردن/ عمان ١٤٢٢هـ – ٢٠٠٢م.
  14. أبو زهرة، محمد. ابن تيمية حياته وعصره، آراؤه وفقهه، دار الفكر العربي، القاهرة.
  15. الطنيجي، إبراهيم علي. مقاصد الشريعة الإسلامية في المعاملات المالية عند ابن تيمية.
  16. العسقلاني، أحمد بن حجر. الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تحقيق: محمد سيد جاد الحق، دار الكتب الحديثة، القاهرة ١٣٨٥ هـ.
  17. العمران، محمد عزير شمس وعلي بن محمد. الجامع لسيرة شيخ الإسلام خلال سبعة قرون. إشراف وتقديم بكر بن عبد الله أبو زيد، دار علم الفوائد، مكة المكرمة، ط ٢، ١٤٢٢هـ.
  18. الغصن، عبد الله. دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية-عرض ونقد، دار ابن الجوزي، الدمام.
  19. فروخ، عمر. ابن تيمية المجتهد بين أحكام الفقهاء وحاجات المجتمع، دار لبنان، ١٤١١هـ.
  20. القحطاني، مسفر. مقاصد الشريعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية. مجلة البحوث الفقهية المعاصرة؛ العدد (٣٦)،١٤١٨هـ.
  21. الكرمى، مرعي. الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية، تحقيق: نجم عبد الرحمن خلف، دار الفرقان، عمان، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط ٢، ١٤٠٥هـ - ١٩٨٥م.
  22. الندوي، أبو الحسن. ابن تيمية. دار القلم، الكويت، ط. ٤، ١٤١٦هـ.
  23. عبد الهادي، محمد بن أحمد. العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، تحقيق: الحلواني، طلعت. الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، ١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م.
  24. الروابط الالكترونية: http://waqfeya.com/book.php?bid=١٠٧٦٩

Footnotes

  1. قديما من أمثال : الجويني في "البرهان"، وتلميذه الغزالي في "المستصفى"، والرازي في "المحصول"، والآمدي في "الإحكام"، والعز بن عبد السلام في " قواعد الأحكام"، وتلميذه القرافي في "الفروق"، وابن تيمية في أجزاء من "مجموع الفتاوى" وكتب أخرى، وتلميذه ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" و"إعلام الموقعين"، والشاطبي في "الموافقات" والزركشي في "البحر المحيط". وحديثا من أمثال: محمد الطاهر بن عاشور في "مقاصد الشريعة الإسلامية"، وعلال الفاسي في "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها"، وأحمد الريسوني في "نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي".

  2. وردت عبارات أخرى مختلفة للعلماء تعبر عن هذا المعنى من ذلك على سبيل المثال لا الحصر: أن الشريعة نفع ودفع (الجويني)، وأنها جاءت لجلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها (ابن تيمية)، وأن مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها، ومصالح كلها وحكمة كلها (ابن القيم)، وأن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً (الشاطبي).

  3. ذيل طبقات الحنابلة، ابن رجب الحنبلي (٧٣٦ ٧٩٥هـ)، تحقيق محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية، مصر ٣٨٧/٢.

  4. المعجم المختص (بالمحدثين)، محمد بن أحمد الذهبي (٦٧٣-٧٤٨هـ)، تحقيق محمد الحبيب الهيلة، مكتبة الصديق، الطائف، ١٤٠٨هـ – ۱۹۸۸م. (رقم ۲۲).

  5. تذكرة الحفاظ، محمد بن أحمد الذهبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. (١٤٩٦/٣ - ١٤٩٨ رقم (.١١٧٥

  6. ذيل طبقات الحنابلة، م.س (٣٨٧/٢-٤٠٨)

  7. الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، أحمد بن حجر العسقلاني (۷۷۳- ٨٥٢هـ)، تحقيق محمد سيد جاد الحق، دار الكتب الحديثة، القاهرة ١٣٨٥ هـ.

  8. الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية، أبو حفص البزار (٦٨٨ ٧٤٩ هـ)، تحقيق صلاح الدين المنجد، دار الكتاب الجديد، بيروت، ١٣٩٦هـ.

  9. العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، محمد بن أحمد ابن عبد الهادي (٧٠٥-٧٤٤هـ)، تح: طلعت الحلواني، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، ١٤٢٢هـ -٢٠٠٢م.

  10. الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية، مرعي الكرمى، تح: نجم عبد الرحمن خلف، دار الفرقان، عمان، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط ٢، 1405هـ-1985م.

  11. الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية، مرعي الكرمى، تح: نجم عبد الرحمن خلف، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ١٤٠٦هـ -١٩٨٦م. (المرجع في النص هو الكواكب الدرية ولكن تفاصيل المرجع هي للشهادة الزكية).

  12. ابن تيمية حياته وعصره، آراؤه وفقهه، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة.

  13. شيخ الإسلام الحافظ أحمد بن تيمية، أبو الحسن الندوي، دار القلم، الكويت، ط. ٤، ١٤١٦هـ.

  14. ابن تيمية المجتهد بين أحكام الفقهاء وحاجات المجتمع، عمر فروخ، دار لبنان، ١٤١١هـ.

  15. دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية عرض ونقد، عبد الله الغصن، دار ابن الجوزي، الدمام، ص ١٦١-١٣٩.

  16. الجامع لسيرة شيخ الإسلام خلال سبعة قرون، محمد عزير شمس وعلي بن محمد العمران، إشراف وتقديم بكر بن عبد الله أبو زيد، دار علم الفوائد، مكة المكرمة، ط ٢، ١٤٢٢هـ.

  17. العقود الدرية، ص ٤٠ .

  18. الأعلام العلية، ص ٣١،٣٢.

  19. ترجمة شيخ الإسلام، ابن حجر، ص ۲۰.

  20. مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج٧/٧

  21. أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، الاستقامة، تحقيق: محمد رشاد سالم، دار الفضيلة، الرياض، ١٤٢٥هـ - ٢٠٠٥م، ص ٥١٣.

  22. ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ٣٦٣/٤ ، والنص أورده ابن القيم أيضا في إعلام الموقعين، ٥٧/٢.

  23. البدوي، مقاصد الشريعة عند ابن تيمية، مرجع سابق، ص ٥٤.

  24. الزهد والورع والعبادة، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية، مكتبة المنار، الأردن، ١٤٠٧هـ، ج ٩٦/١.

  25. ابن تيمية، الفتاوى، مرجع سابق، ج ١٧١/٦.

  26. مجموع الفتاوى، ٧/٧

  27. الاستقامة ٥١٣.

  28. مجموع الفتاوى ١٩/٣.

  29. مجموع فتاوی ابن تيمية ج ۱، ص۹۳.

  30. ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، تحقيق: ناصر العقل، دار عالم الكتب، بيروت، ١٩٩٩م، ص ٧٦.

  31. ابن تيمية، مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج۳۲، كتاب النكاح.

  32. يوسف البدوي، مرجع سابق، ص ٤٦٦.

  33. ابن تيمية، الفتاوى، ج۲۰، ص ۱۹۳.

  34. ابن تيمية، بيان الدليل على بطلان التحليل، تحقيق: حمدي السلفي، المكتب الإسلامي، بيروت، ۱۹۹۸م، ص ۱۷۰.

  35. ابن تيمية، رسالة فيما إذا كان في العبد محبة، تحقيق: محمد رشاد سالم، ضمن كتاب دراسات عربية وإسلامية. القاهرة. ١٤٠٣هـ. ص ٤٥٢. على الرابط الإلكتروني: http://waqfeya.com/book.php?bid=١٠٧٦٩

  36. ابن تيمية، بيان الدليل، مرجع سابق، ص ٤٦٤.

  37. ذكره أيضًا الإمام ابن القيم، في تهذيب سنن أبي داود، ولم أقف عليه في كتب المتون. انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، ومعه حاشية ابن القيم، محمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر، أبو عبد الرحمن، شرف الحق، الصديقي، العظيم آبادي، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الثانية، ١٤١٥هـ، ٦٦/١.

  38. الفتاوى، مصدر سابق، ٤٦٨/٤.

  39. مجموع الفتاوى، مصدر سابق، ٨٢/٢٥ – ٨٣.

  40. سورة آل عمران : ١٦٤

  41. سورة الجمعة: ٢

  42. سورة الشمس: ١-١١.

  43. أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضّل المعروف بالراغب الأصفهاني، الذريعة إلى مكارم الشريعة، تحقيق: أبو اليزيد أبو زيد العجمي، دار السلام للطباعة والنشر، ١٤٢٨هـ – ٢٠٠٧ م، ص ١٨.

  44. مجموع فتاوى ابن تيمية، ج٣٢، ص ٢٣٤

  45. المرجع السابق، ج ١، ص ٢٤ -٢٥.

  46. محمد أبو زهرة، ابن تيمية، ص ٣٤٠.

  47. مجموع الفتاوى، ج ١، ص ٣٦.

  48. مجموع فتاوى ابن تيمية. ج ١١، ص ٣٤٣.

  49. مجموع الفتاوى، لابن تيمية، ٣٦٣/٤ ، والنص أورده ابن القيم أيضا في إعلام الموقعين، ٥٧/٢.

التوجهات المقاصدية عند ابن تيمية
تنزيل البحث ←