الأمن الأخلاقي - أسسه ودعائمه دراسة تحليلية لأمثلة من سورة النور
مجلة البحث العلمي الإسلامي مجلة إسلامية علمية محكمة تعنى بالبحوث والدراسات الإسلامية
الأمن الأخلاقي.. أسسه ودعائمه دراسة تحليلية لأمثلة من سورة النور
Prof. Ruqaia Alalwani Professor of Islamic Studies College of Arts University of Bahrain Email: [email protected]
ملخص البحث الأمن الأخلاقي.. أسسه ودعائمه دراسة تحليلية لأمثلة من سورة النور تعد نعمة الأمن من اعظم النعم التي ينعم الله بها على خلقه؛ إذ يشكل الأمن قوام حياة الأفراد والمجتمعات الانسانية، وعنصرا جوهريا في استقرارها وتقدمها. كما إن فقدان الأمن من اشد الابتلاءات التي تصيب الأمم والمجتمعات. من هنا جاء اهتمام القرآن الكريم بالأمن بمختلف اشكاله وانواعه، فجاء في القرآن الكريم ( مكيه ومدنيه ) مفهوم الأمن، وانواعه، واسبابه، ومدى الحاجة إليه، مع بيان العوامل المؤدية لغيابه وآثاره على الفرد والمجتمع، ومنها الأمن الأخلاقي. الذي ازدادت الحاجة إليه مع تزايد التحديات التي تواجه القيم الأخلاقية في العصر الحاضر. وتبرز سورة النور كإحدى السور العظيمة التي تناولت اسس الأمن الأخلاقي بشكل مفصل مع دعائم ذلك الأمن واسسه وآليات الوصول إليه في مواجهة الأزمات التي يتعرض لها المجتمع عبر الأزمنة المختلفة. وهذه الدراسة تقدم محاولة للكشف عن مفهوم الأمن الأخلاقي في القرآن الكريم، وعوامل تحقيقه، ووسائل الحفاظ عليه في المجتمع من خلال دراسة تحليلية تدبرية لأمثلة من سورة النور. وقد اعتمدت الدراسة على المنهج الاستقرائي التحليلي، وجاءت مقسمة إلى مبحث تمهيدي ومبحثين رئيسين. المبحث التمهيدي يستعرض المفاهيم الأساسية للأمن الأخلاقي، بينما يركز المبحثان الرئيسيان على تطبيق هذه المفاهيم وتوضيح دعائم الأمن الأخلاقي من خلال امثلة وتطبيقات من سورة النور، مع بيان دور القيم الدينية والأخلاقية، وأهمية التنشئة الأسرية والتربوية ، وتأهيل المؤسسات الإعلامية، وتطبيق التشريعات الرادعة في تعزيز الأمن الأخلاقي، وتطبيقاتها في سورة النور من خلال بعض الآيات الكريمة فيها. وفي هذا السياق تؤكد الدراسة فاعلية هذه التعاليم الربانية والآداب والأخلاقيات التي وضعت الآيات الكريمة اسسها لإقامة مجتمع نزيه يقوم على العفة والطهارة مهما تغيرت الظروف وتعددت التحديات وظهرت اساليب مختلفة تهدد الأمن الأخلاقي في خضم الثورة الرقمية الحالية. الأمر الذي يؤكد عظمة رسالة القرآن وصلاحيتها لكل زمان ومكان.
الكلمات المفتاحية : الأمن الأخلاقي ، سورة النور، تدبر القرآن)
Abstract Ethical Security: Its Foundations and Pillars An Analytical Study of Examples from Surah An-Nur Security is one of the greatest blessings that God has bestowed upon His creation. It constitutes the foundation of life for individuals and human societies and is a crucial element in their stability and progress across various aspects. The loss of security is one of the most severe trials that can afflict nations and communities. Thus, the Holy Qur'an has given profound attention to security in all its forms and manifestations, elucidating its concept, types, causes, and the extent of its necessity, while also addressing the factors leading to its absence and its effects on individuals and society. The Qur'an discusses security extensively in both Meccan and Medinan surahs, highlighting the need for security for both individuals and communities. One of the most significant forms of security emphasized in the Qur'an is moral security. The importance of moral security has intensified in societies, especially during the critical period the world is currently experiencing, marked by increasing challenges to ethical and societal values. The tremendous scientific and technological advancements in communication have fundamentally impacted the concepts held by the younger generation. Consequently, moral and ethical security has become a primary goal pursued by all societal, educational, religious, and media institutions. The Qur'an's discourse on moral security encompasses its principles, foundations, means of achieving and protecting it in society, and the role of moral support institutions such as families, mosques, and community organizations in promoting it. Surah An-Nur is a prime example of the Qur'an's emphasis on establishing and reinforcing moral security in individuals and society and the means of supporting and founding it. This study presents some aspects of this foundation for moral security, highlighting that the blessed surah contains much that cannot be detailed comprehensively within this context. In the second section, the study provides examples and applications from the surah itself to illustrate these foundations. This research seeks to uncover the concept of moral security in the Qur'an, the factors for achieving it, and the means of maintaining it in society through an analytical and contemplative study of Surah An-Nur. The significance of this study is underscored by the specific conditions and challenges facing moral security, particularly since the central theme of Surah An-Nur is education. This education balances mercy, justice, severity, and leniency to create and nurture conscientious individuals and elevate the ethical standards of individuals, families, and society within the framework of the pure and tolerant Islamic creed and its abundant moral teachings.In summary, Surah An-Nur provides a comprehensive framework for moral security, advocating for the adherence to religious and moral values, the role of family and educational institutions in nurturing individuals, the preparedness of media institutions to fight corruption, and the implementation of deterrent legislation to uphold moral standards.
Key words: Ethical Security, Surah An-Nur, Contemplation of the Qur'an.
المقدمة يعد الأمن من اعظم النعم التي امتن الله بها على خلقه؛ فهو قوام حياة الأفراد والمجتمعات الانسانية، وعنصرا مهما في استقرارها وتقدمها في شتى المجالات. كما إن فقد الأمن يعد من اعظم الابتلاءات التي تواجه الأفراد والمجتمعات. من هنا اهتم القرآن العظيم بالأمن؛ فجاء بمفهومه وأوضح انواعه وصوره وبين اسبابه ومدى الحاجة إليه كما وقف طويلا عند عوامل غيابه وآثاره في الفرد والمجتمع. وجاء الحديث في القرآن عن الأمن في سور كثيرة منها ما هو مكي ومنها مدني. ومن ابرز اشكال الأمن التي اعتنى القرآن بها الأمن الأخلاقي؛ الذي تشتد الحاجة إليه خاصة في الوقت الحاضر مع زيادة التحديات التي تواجه القيم الأخلاقية والمجتمعية في العالم. إذ تسهم القيم الأخلاقية في تشكيل البنية الثقافية والحضارية للمجتمعات، وتتجدد الدعوة للعودة إليها مع كل زيادة في التحديات والمتغيرات العالمية التي تهدد امن المجتمعات المعاصرة. كما إن التقدم العلمي والتكنولوجي في وسائل الاتصال؛ اثر بشكل جوهري على مفاهيم النشء والشباب. الأمر الذي يجعل من الأمن الأخلاقي والقيمي هدفا اساسيا تسعى لتحقيقه كافة المؤسسات المجتمعية والتربوية والدينية والإعلامية. والحديث في القرآن عن الأمن الأخلاقي؛ قواعده، اسسه، وسائل تحقيقه وحمايته في المجتمع إلى جانب مؤسسات الدعم الأخلاقي ودورها في تعزيزه كالأسرة، المساجد ، مؤسسات المجتمع؛ من اكثر ما تناولته سور القرآن العظيم. وتعد سورة النور العظيمة نموذجا للاهتمام بتأصيل وتعزيز الأمن الأخلاقي في الفرد والمجتمع. والدراسة إذ تعرض لبعض جوانب هذا التأسيس للأمن الأخلاقي تؤكد ان السورة المباركة حوت الكثير مما لا يتسع المقام لذكره بالتفصيل فيها. وتظهر اهمية هذه الدراسة في ظل الظروف والتحديات التي تواجه الأمن الأخلاقي بشكل خاص؛ من حيث إن المحور الأساسي الذي تدور حوله سورة النور هو التربية، التي جاءت بتوازن دقيق يجمع بين الرحمة والعدل والشدة واللين لأجل خلق وصناعة الضمائر الحية، ورفع المعايير الأخلاقية للفرد والأسرة والمجتمع في ظل العقيدة الإسلامية الناصعة السمحة وتعاليمها الأخلاقية الجمة. واسفرت الدراسة عن عدة نتائج من اهمها : اهتمام القرآن الكريم بالأمن بكل انواعه وخاصة الأمن الأخلاقي، ويقدم القرآن الكريم، وخاصة في سورة النور، اسس الأمن الأخلاقي من خلال التمسك بالقيم الدينية والأخلاقية، وتنشئة الفرد في الأسرة والمؤسسات التربوية، وتأهيل المؤسسات الإعلامية للحماية من الفساد ونشره، وتطبيق التشريعات الرادعة. تبرز السورة اهمية هذه الجوانب في تكوين مجتمع اخلاقي ومستقر.
الدراسات السابقة وقفت الدراسة على العديد من البحوث والدراسات التي تناولت الأمن الأخلاقي، بعضها استعمل مصطلح الأمن الأخلاقي، وبعضها لم يستعمل مصطلح الأمن الأخلاقي، ولكن جاء بمصطلحات المنظومة الأخلاقية او القواعد الأخلاقية . . . الا ان الغالب عليها انها ركزت على التحديات التي تواجه المنظومة القيمية والأخلاقية وخاصة لدى فئة الشباب. ومن ابرز التحديات التي تعرضوا لها : العولمة. ومن تلك الدراسات المهمة التي وقفت عليها الدراسة كذلك دراسة مروة بغدادي بعنوان: «الأمن الأخلاقي لدى طلاب الجامعة : دراسة الفروق في ضوء النوع والتخصص». تستعرض هذه الدراسة الفروق في الأمن الأخلاقي بين طلاب الجامعة وفقا للنوع (ذكور وإناث) والتخصص (علمي وادبي) . تهدف الدراسة إلى تحليل مدى تأثير القيم الأخلاقية على سلوك الطلاب في المرحلة الجامعية، وتأثير هذه القيم على شعورهم بالأمان النفسي والاجتماعي. تعتمد الدراسة على منهج تحليلي وميداني باستخدام مقياس للأمن الأخلاقي تم تطويره خصيصا لهذه الدراسة، يتضمن ابعادا متعددة مثل الالتزام الأخلاقي، المسؤولية الأخلاقية، والجزاء الأخلاقي. واشارت إلى وجود فروق ذات دلالة إحصائية في بعض ابعاد الأمن الأخلاقي بين الذكور والإناث، وكذلك بين الطلاب في التخصصات العلمية والأدبية. ومن الدراسات المهمة ايضا؛ دراسة اجراها طاهر بوشلوش عام ٢٠٢١م بعنوان: العولمة واثرها على الأمن الفكري والأخلاقي للشباب في المجتمع ؛ تهدف الدراسة إلى تحليل كيفية تأثير التغيرات العالمية والاتصالات الحديثة على وعي الشباب وثقافتهم الأخلاقية والفكرية. وتعتمد الدراسة على منهج تحليلي يستخدم بيانات نوعية وكمية من استبيانات ومقابلات مع عينة من الشباب، والنتائج تشير إلى ان العولمة تلعب دورا مزدوجا حيث تسهم في توسيع افاق الشباب الفكرية من جهة، لكنها في الوقت نفسه تشكل تحديات على القيم الأخلاقية التقليدية. ومن الدراسات المهمة كذلك ؛ رسالة ماجستير قدمها الباحث علي محمد العجوري بعنوان: الأمن الأخلاقي.. دراسة قرآنية موضوعية. يتناول هذا البحث قضية الأمن الأخلاقي في القرآن الكريم، وهو موضوع ذو اهمية بالغة في زمننا الحاضر الذي شهد تراجعا في الالتزام بالأخلاق الإسلامية. يهدف البحث إلى توضيح اثر الأمن الأخلاقي في إرساء القيم والمفاهيم التي اقرها ديننا الحنيف، مما يسهم في استقرار المجتمع وامنه. يتكون البحث من تمهيد وثلاثة فصول: التمهيد يتناول تعريف الأمن والأخلاق واهميتهما في الإسلام؛ الفصل الأول يناقش الأمن الأخلاقي للفرد من خلال المعاملات، والمال، والحدود؛ الفصل الثاني يتناول الأمن الأخلاقي للأسرة من خلال واجبات بين الفروع والأصول، نحو الأقارب والأرحام، ونحو الأزواج؛ والفصل الثالث يتناول الأمن الأخلاقي للمجتمع من خلال الأخوة والسلام، التعاون والوحدة، والتكافل وحسن الجوار. وتوج البحث بخاتمة تلخص اهم النتائج والتوصيات. وثمة دراسات اخرى وقفت عليها الدراسة تناولت تفسير سورة النور وبعض آياتها ، منها كتب التفاسير المعروفة قديمها وحديثها إلى جانب دراسات خصصت الحديث عن سورة النور لما لها من مضامين تربوية واسرية واخلاقية وقيمية واضحة. بعد استعراض الدراسات السابقة، يتضح ان هناك اهتماما كبيرا بموضوع الأمن الأخلاقي ومنظومة القيم وتأثيراتهما على المجتمعات. كما تبرز بعض الدراسات اهمية التربية الأخلاقية ودور توظيف القيم الدينية والأخلاقية في مواجهة التحديات المعاصرة التي تواجه المجتمع. كما هذه تظهر الدراسات مدى تأثير العولمة والتكنولوجيا الحديثة على القيم الأخلاقية للشباب، مما يتطلب استراتيجيات تربوية واجتماعية فعالة لتعزيز هذه القيم والمحافظة عليها. الا ان تناول الأمن الأخلاقي في القرآن الكريم ما يزال بحاجة إلى المزيد من الدراسات والاهتمامات البحثية التي يمكن ان تتناول بعض السور وبيان تطبيقات بناء الأمن الأخلاقي من خلالها ، كما في هذه الدراسة.
أهمية الدراسة تأتي اهمية هذه الدراسة في تقديم رؤى وتوصيات اصيلة منبثقة من تدبر سورة النور لتعزيز الأمن الأخلاقي والقيمي، وآليات تحقيقها في خضم متطلبات التحديات المعاصرة وبروز اشكاليات اخلاقية كبيرة تتعلق بتهديد ما بات يعرف بالسلامة الرقمية للأفراد والمجتمعات الواقعة تحت ازمات العديد من الجرائم الإلكترونية الأخلاقية كالتنمر والاستغلال والتحرش الإلكتروني بأنواعها المتعددة وصورها المتزايدة؛ بما يسهم في بناء مجتمع متماسك يتمتع بالسلامة الأخلاقية والنفسية.
تقسيم الدراسة جاءت الدراسة في مبحثين رئيسين؛ إلى جانب مبحث تمهيدي يتعلق بالتأطير المفاهيمي للأمن الأخلاقي. اما المبحث الأول فقد جاء فيه الحديث فيه عن اسس الأمن الأخلاقي وركائزه بشكل عام بالاستناد إلى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية. وجاء المبحث الثاني بالتركيز على سورة النور المباركة؛ مقاصدها واهدافها ، دعائم واسس الأمن الأخلاقي فيها ، ودور المؤسسات الداعمة للأمن الأخلاقي.
المبحث التمهيدي: الإطار المفاهيمي للأمن الأخلاقي وأهميته
أولا : مفهوم مفردة الأمن في القرآن الكريم ودلالته
الأمانة والأمن والإيمان مصطلحات قرآنية مركزية متقاربة متناغمة في جذرها الاشتقاقي واصوات حروفها كما في دلالتها ومعناها كما يقول محمد جبل جاء ذكر لفظة ( الأمن) في كتاب الله ومشتقاته في نحو ثمانية واربعين موضعا ، وباشتقاقات عدة . ويرى الأصفهاني في مفرداته ان اصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف، والأمن والأمانة والأمان في الأصل مصادر، ويجعل الأمان تارة اسما للحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن، وتارة اسما لما يؤمن عليه الإنسان... و (آمن) تقال على وجهين: احدهما متعديا بنفسه، يقال: آمنته اي جعلت له الأمن، ومنه قيل الله : مؤمن؛ والثاني غير متعد ، ومعناه صار ذا امن. (...) والإيمان هو التصديق الذي معه امن (...) ، وليس من شأن القلب - ما لم يكن مطبوعا عليه ان يطمئن إلى الباطل. وواقع الأمر ان تعدد مفردة الأمن في القرآن، دليل على ما يحققه تتبع هذه المفردة في كتاب الله من حقائق حولها . فكلما تدبرنا اي كلمة قرآنية متعددة المواقع، في موقع جديد من مواقعها فإن تعداد المواقع إنما هو تحقيق الاستجابة لحاجاتنا إليه. من هنا فإننا يجب ان نتدبر كل مفردة قرآنية من خلال اتصالها بمواقعها وعلاقاتها في القرآن كله. وعلى هذا فكلمة الأمن في القرآن مرتبطة بجنسها من مفردات وردت لفظة الأمن في القرآن بمعنى الأمانة ضد الخيانة، ومنه قوله سبحانه وتعالى:
فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَنَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ( سورة البقرة : ٢٨٣ ) ونحو ذلك في سورة آل عمران: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ (سورة آل عمران: ٧٥). وجاء في معاني الأمن في كتاب الله المقابل للخوف كما في قوله تعالى في سورة الأنعام: الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمَنُ (سورة الأنعام: ٨٢) من هنا تتضح اهمية الاهتمام بالمفردة القرآنية والنظر في سياقات ورودها ، وكما ذكر الأستاذ العفيفي رحمه الله فإن كل كلمة في القرآن تعطيك مع اتصالها فصلا خاصا بها وحدها. وعند تتبع مفردة الأمن في القرآن الكريم، يتضح لنا تجاوزها للمعنى المعجمي وعمق الترابط بين المعاني التي وردت لها بحسب السياق، كما تتضح الصلة الوثيقة فيما بين تلك المعاني للمفردة؛ فكل لفظ منها يتضمن معنى اللفظ الآخر بنحو ما ؛ فـ ( الإيمان) يفيد الطمأنينة والسكينة والأمان؛ و ( الأمانة ) تفيد التصديق بمن تأمنه على شيء ، والاطمئنان له؛ و ( الأمن) يفيدها كلها فهو يتحقق بوجود الإيمان والأمانة. الأمر الذي يشير إلى ان الأمن ثمرة ونتيجة ومحصلة نهائية ينعم بها الأفراد والمجتمعات عند تحقق شروطها ومقتضياتها. وثمة امر اخر يتضح للمتدبر حين يقف عند مفردة الأمن في القرآن الكريم ويبحث في السور التي وردت فيها المفردة. لقد وردت هذه المفردة غالبا في سور مكية وسبع سور منها فقط مدنية. ولا تذهب الدراسة إلى ما ذهب إليه بعض المؤلفين ان الحكمة من وراء ذلك؛ حاجة العهد المكي إلى مزيد من الأمن المفقود يومئذ للمؤمنين، فلما هاجر المسلمون إلى المدينة المنورة وقامت لهم دولة اصبح الحديث عن الأمن حسب الحاجة والضرورة بل ترى الدراسة ان منظومة الأمن بدأ العمل على تحصيل مقتضياتها منذ بدء الرسالة القرآنية في مكة فكانت الحاجة إلى ورود مفردة الأمن قوية، ثم لما انتقل المؤمنون إلى المدينة بات تحصيل ثمرة الأمن واضحا في حياتهم ومجتمع المدينة الأول فكان ورودها في سبع سور فقط. ومفهوم الأمن لم يعد مقصورا على جانب معين فقط ولكن تعددت جوانبه، الا ان المتبصر لذلك يجد انها تصب في اتجاه واحد ومنظومة واحدة ، وهو تحقيق الأمن بمفهومه الشامل المتكامل، كما انه عند امعان النظر نجد ان هناك صورا متعددة للأمن، كلها ترجع إلى ما قررته الشريعة الإسلامية من حفظ الضروريات الخمس وصيانتها ، مما يؤكد ان هناك ارتباطا وثيقا بين الأمن بمفهومه الشامل ومقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ الكليات الخمس وما يخدمها ويكملها ، لذا فإن اي خلل يطرأ على اي من الضرورات الخمس يحدث نوعا من الإخلال بالأمن. اما تعريف الأمن الأخلاقي : فهو الشعور بالطمأنينة الذي يتحقق بحفظ العرض والنسل والقيم والأخلاق وعدم انتهاكها او المساس بها إما في صورة جرائم يعاقب عليها حدا او تعزيرا وإما في صورة نشاط خطر يدعو إلى اتخاذ تدابير الوقاية والأخذ بالوسائل الوقائية والزجرية التي شرعها الإسلام لتحقيق ذلك ، كما يمكننا تعريفه بأنه الشعور بالطمأنينة الذي يتحقق من خلال المحافظة على العرض والنسل والقيم والأخلاق وحمايتها من الخروج بها عن قواعد الضبط الاجتماعي من خلال ممارسة الدور الوقائي والقمع والعلاج الكفيل بتحقيق ذلك. فالأمن الأخلاقي يشير إلى الحالة التي يتم فيها الحفاظ على المعايير والقيم الأخلاقية في المجتمع، مما يضمن استمرار النظام الاجتماعي وتجنب الفوضى والفساد الأخلاقي. يتعلق الأمن الأخلاقي بكيفية تصرف الأفراد والجماعات وفقا لمبادئ اخلاقية معينة، ويتضمن ايضا كيفية تأثير تلك التصرفات على السلم الاجتماعي والعلاقات بين افراد المجتمع.
المبحث الأول : دعائم وأسس الأمن الأخلاقي
يعد الأمن الأخلاقي اساسا لتحقيق الأمن بشكل عام، إذ يساهم في استقرار المجتمع، فالحفاظ على القيم الأخلاقية يعزز الاستقرار الاجتماعي ويمنع انتشار السلوكيات الضارة، والمجتمع الذي يلتزم بأخلاقيات قوية يشجع على بناء الثقة بين افراده، ومن ثم الحد من الجرائم والانحرافات السلوكية، كما يساعد في تعزيز العلاقات الإنسانية الإيجابية والتعاون بين افراد المجتمع.
المطلب الأول : مكونات الأمن الأخلاقي ودعائمه
يشمل الأمن الأخلاقي العديد من المكونات الأساسية التي تتكامل فيما بينها لتحقيقها ، وهي العناصر التي تعمل مجتمعة على تعزيز وتثبيت القيم والمبادئ الأخلاقية في المجتمع. هذه المكونات ليست منفصلة، بل هي مترابطة وتتداخل لتعزز بعضها البعض؛ على النحو التالي:
أولا : القيم الدينية والأخلاقية
تعد القيم الدينية من الاسس الرئيسية للأمن الأخلاقي، حيث توفر التعاليم الدينية إطارا واضحا للسلوك الأخلاقي المقبول وغير المقبول. هذه التعاليم تتضمن مبادئ مثل الصدق، الأمانة، العدل والإحسان. وتشكّل المعتقدات في كافة الحضارات الإنسانية؛ القوة الحافزة لبناء وقيام الحضارة. من هنا كان التوحيد في شريعة الإسلام هو المحور الذي تدور عليه القيم الدينية والأخلاقية كافة. فهو المقصد الكفيل بتحقيق الحياة الطيبة للإنسان على هذه الأرض وفي الآخرة. إذ يفرض التوحيد على الإنسان الالتزام بالقيام بكافة التكاليف والمسؤوليات التي اوجبها الله سبحانه عليه، والعمل ضمن إطار النهج الالهي، الأمر الذي يدفع بالإنسان نحو البناء الحضاري المتوازن، الذي يقيم العلاقة بين الإنسان والكون باتساق لم تتمكن مختلف الحضارات من صناعته. كما يسهم التوحيد في تشكيل عنصر المسؤولية الذاتية في الإنسان ليجد المسلم نفسه مندفعا لأداء التكليف الالهي بالالتزام ببناء الحضارة في الواقع والحفاظ على مكتسباتها ومنجزاتها. وإطار التوحيد هذا يؤسس لرؤية حضارية معرفية شاملة تقدم تصورا كاملا لعلاقة الإنسان بالله تعالى وبالكون، مما يؤثر على نمط التفكير والسلوك الفردي والجماعي، ويجعل من العمل الصالح الغاية العليا والهدف الأسمى للإنسان. بترسيخ عقيدة التوحيد في حياة الإنسان، تتجلى جميع ثمارها الحسنة، وتظهر آثارها في علاقته الصحية مع الله سبحانه ، ثم في علاقته مع اخيه الإنسان، والكون من حوله. فالتوحيد يحقق للإنسان ارقى انواع الحرية التي تعتبر من اهم ادوات بناء الحضارة. فالتوحيد كفيل بتخليص الإنسان من الشعور بالعبودية لغير الله من خلال الإحساس بتسلط الغير عليه؛ الذي هو اساس الظلم ومبدؤه على الأرض. فهو إفراد الله خالق كل شيء بالربوبية والألوهية وإفراده بالعبودية فينتج عن هذا الإقرار؛ تحرير الفرد من كل سلطة وهيمنة اخرى غير هيمنة الله ، تحريرا ماديا ومعنويا شاملا لكل مناحي الحياة. فالتوحيد بهذا البعد المقاصدي يحرر الانسان من الخضوع لأي اسلوب تفكير يبعد به عن جادة الصواب، ابتداء من اتباع الإنسان لأهواء نفسه او غيره. يقول تعالى:
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ( الجاثية: ٢٣) وقال في آية اخرى: أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ( سورة يوسف : ٣٩). وبهذا التحرير للإنسان عقلا وقلبا وسلوكا ، تتحدد حركة الإنسان وسلوكه الاجتماعي، وتتسق موجبات الأمانة ومقتضيات الاستخلاف، فيتضح امام الإنسان الهدف والغاية من الوجود الإنساني في تحمل الأمانة بتوحيد الله ومقتضيات الاستخلاف بعبادته دون سواه في أداء العمل الصالح بمختلف مستوياته وانماطه. من هنا كان لعقيدة التوحيد اكبر الأثر في تحقيق امن الفرد والمجتمع بكل اشكاله وخاصة الأخلاقي، ولا تحل محل هذه العقيدة فلسفة او تثقيف او .... فالتوحيد يحقق التوازن الداخلي للفرد، مما يجعله يعيش في سلام مع نفسه ومع مجتمعه ، ويوجه طاقاته بشكل رشيد بحيث يكون الدين رقيبا عليه ، فلا يرتكب ما يضر بالإنسان او المجتمع او غيره؛ ولا توجد عقيدة اخرى تجمع بين الدنيا والآخرة، وتربط بين عالم الغيب والشهادة ، وتنظم علاقات الأفراد والأمم كما تفعل العقيدة الإسلامية. قال تعالى: الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ( الأنعام : ٨٢). وبهذا تعتبر عقيدة التوحيد احد الاسس الرئيسية للأمن الأخلاقي، إذ تجمع بين افراد المجتمع، بل بين شعوب متباعدة، من خلال ربطهم بالله رب البشرية جمعاء. كما تشكّل العقيدة عنصرا اساسيا في التماسك الداخلي للمجتمع، إذ تغرس القيم الأخلاقية والتراحم وتنبذ التعصب، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتحمي الإنسان بالتقوى ومخافة الله، وتفرض الحدود لحماية الفرد والمجتمع، مما يعزز الأمن العام بشكل عام.
ثانيا : التنشئة الأسرية والتربوية في سورة النور
الأسرة هي الجماعة الأولية التي تكتسب النشء، الحدود خصائصه النفسية والاجتماعية. فالأسرة هي التي تزود الفرد بالرصيد الأول من القيم التي ترشده في سلوكه وتصرفاته. وهي مهمة ملحة في جميع مراحل نمو الإنسان، وتكون اكثر اهمية في مرحلة الطفولة (الطفولة الأولى ، الطفولة المتأخرة ، المراهقة). حيث يكون التدريب على السلوك المناسب لإشباع الحاجات الأولية، وتعلم اللغة وترسيخ العادات والتقاليد، والأعراف، وغرس العقيدة والقيم والأخلاق، وتكوين الاتجاهات والميول والولاء، وتحديد العلاقات، والحقوق والواجبات. وتقدم سورة النور منظومة متكاملة لتعزيز التنشئة الأسرية الصحيحة وتحقيق الأمن الأخلاقي في المجتمع الإسلامي. من خلال مجموعة من القيم والمبادئ التي تبدأ من الأسرة وتنتقل إلى المجتمع الأوسع، تساهم هذه التوجيهات في بناء مجتمع قائم على الفضيلة والاحترام المتبادل. وتبدأ هذه التنشئة من التربية الروحية المتمثلة في تربية النفوس على التقوى والخشوع لله، وتحقيق السلام الداخلي من خلال الإيمان والالتزام بالأوامر الشرعية. كما تؤكد آيات سورة النور ضرورة التربية الأخلاقية في المنازل، وتحث الأسر المؤمنة على غرس قيم العفة والطهارة في نفوس الأبناء منذ الصغر. يلاحظ ذلك على سبيل المثال من خلال الاهتمام بموضوع الاستئذان، وهو احد الجوانب الرئيسية التي تسهم في تعزيز القيم الأخلاقية داخل الأسرة والمجتمع. يقول الله تعالى:
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا (سورة النور : ٢٧) ثم يؤكد اهمية احترام الخصوصية من خلال تحديد اوقات معينة يجب فيها الاستئذان، وهي اوقات يمكن ان يكون فيها الناس متخففين من ثيابهم. هذا التنظيم يعكس حرص الإسلام على احترام الخصوصية الشخصية داخل الأسرة الواحدة، والحفاظ على النظر والعفة والطهارة ، حتى مع المحارم، حتى مع الأهل من الأبناء والبنات والإخوة والأخوات في نفس البيت، فلا يقع البصر إلا على صورة طاهرة تليق بإنسانية الإنسان وكرامته، حتى النظرة العفوية التي يمكن ان تحصل نتيجة لدخول الإنسان بدون استئذان منعها القرآن: يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِيَسْتَأْذِنَكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ( النور : ٥٨) وفي الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد؛ نتحدث فيها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: «غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» يظهر هذا التوجيه النبوي بشكل واضح العلاقة الوثيقة بين التنشئة الأسرية والتربية الأخلاقية والاجتماعية. إذ ينطوي الحديث على توجيهات تربوية تهدف إلى تنظيم السلوكيات العامة وضبطها بما يتناسب مع القيم الإسلامية والمجتمعية. كما يظهر الأسلوب القرآني الفذ المتمثل في تجنيب النفوس اسباب الإغراء والغواية، فيبدأ بآداب البيوت والاستئذان على اهلها ، والأمر بغض البصر والنهي عن إبداء الزينة للمحارم، والحض على إنكاح الأيامى، والتحذير من دفع الفتيات إلى البغاء ، وكلها اسباب وقائية لضمانة الطهر والتعفف في عالم الضمير المحفوف بالتقوى وإيقاف ودفع المؤثرات التي تزيد في دفع الإنسان نحو الغواية. كما لا يخفى ذاك الوصل الواضح بين مدلول الإيمان وكف النظر والجوارح عما لا ينبغي. من هنا جاء باسم الفاعل ( المؤمنين والمؤمنات ) لبيان ان رسوخ الإيمان هو الدافع لامتثال الأوامر واجتناب النواهي. أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (النور: ٦٤) والمتأمل في الواقع المعاصر اليوم؛ يلحظ بعضا من نتائج ما يحصل نظرا لإطلاق الكثيرين للبصر! . إذ بات النظر إلى المحتويات غير اللائقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة من اكثر مهددات السلامة الرقمية للأفراد، بما تنشره من فساد وانحراف اخلاقي وتأثير بارز على النفسية والسلوك ، وتفكك العلاقات الأسرية ، والبعد عن القيم الدينية والأخلاقية. من هنا جاءت هذه السورة تمثل منهجا ربانيا لإقامة مجتمع يسوده الطهر والعفة من خلال اتباع تعاليم الله والتزام اوامره مع التذكير المتواصل بعهد الإيمان في دلالة واضحة على العلاقة بين الإيمان والالتزام باوامر الله وحدوده ، بما يؤدي إلى نشر السكينة والطمأنينة والتزكية في المجتمع ككل . ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (سورة النور: ٣٠) فالتزكية هي الثمرة الحاصلة في المجتمع الذي يسير وفق هذه الأوامر الربانية. ولا تقف تلك التعليمات عند الأسرة ودورها بل تتعداها إلى مختلف المؤسسات التربوية من المدارس والإعلام والمساجد والجمعيات والوسائل المختلفة ذات العلاقة بالتربية. إذ يتجلى دور المعلم على سبيل المثال في تعزيز الجانب الوقائي في تعليمه الطلاب احكام البلوغ والمراهقة، التي تعد واجبا على الأهل والمعلمين على حد سواء ، حيث ترتبط هذه الأحكام بتنظيم العلاقات بين الذكور والإناث. على المعلمين ان يكونوا على دراية بالأحكام الشرعية ومسؤوليتهم امام الله عز وجل في توجيه الطلاب بطريقة صحيحة. يشمل هذا التعليم ايضا معرفة احكام النكاح، وحسن المعاشرة بين الزوجين، وحسن تربية الأولاد بالإضافة إلى ذلك، يجب تعزيز الجانب البنائي للطلاب من خلال تأكيد المعلومات الأساسية التي يتلقونها من الوالدين. كما ينبغي على المعلم في مختلف المراحل العمرية خاصة المراهقة والشباب؛ القيام بالدور المنشود وان يكون صريحا مع طلابه حول الموضوعات المهمة ، ويعلمهم ضبط النفس، ويساعدهم على التوازن الانفعالي، وتنمية الاتجاه السليم نحو الأمور الأساسية في الحياة. وهذا يتطلب من المعلمين التثقيف الديني المستمر والاطلاع على اساليب التربية النبوية والإسلامية، واستثمار الوسائل والطرق العلمية المناسبة لتنمية الأخلاق والمبادئ الإسلامية في نفوس الطلاب. من بين هذه المبادئ مبدأ العفة ، الذي يتم تعزيزه من خلال تعليم الطلاب التحكم في النفس وتجنب المثيرات والوصول إلى المحتويات غير اللائقة على الأنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، والحفاظ على الذات من الأذى والانتهاكات. تواجه التربية تحديات غير مسبوقة في العصر الحديث ، ناجمة عن عدة عوامل، منها : التغيرات السريعة في المجتمع والتكنولوجيا ، وما لحقه من الاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية والتعرض المبكر للمحتويات غير المناسبة، التي تؤثر سلبا على تطور الناشئة القيمي والنفسي والاجتماعي، وتهدد امنهم الأخلاقي، بل وامن المجتمع. وتتجلى آثارها اليوم في ارتفاع مستويات القلق والاكتئاب بين الأطفال والشباب، فضلا عن انتشار ظواهر التحرش والتنمر بأنواعه، والإهمال والاستغلال. إن دور الأسرة والمؤسسات التربوية والتعليمية في مواجهة هذه التحديات يعد ذا اهمية بالغة ويتطلب جهودا كبيرة. يتعين على المربين فيها توفير بيئة داعمة ومراقبة الاستخدام التكنولوجي بشكل مناسب، إلى جانب تشجيع الحوار المفتوح حول التحديات التي يواجها النشء كما ينبغي تعزيز القيم الإيجابية والأخلاقية التي تشكل صمام الأمن.
ثالثا : التشريعات الرادعة
الهدف من العقوبة هو حفظ نظام الحياة الذي يمس المجتمع باسره، وانها وسيلة لردع النفس عن تكرار الجريمة وتغيير سلوكها ، بالإضافة إلى منعها من الانجراف وراء الشهوات والغرائز. فالتشريعات الرادعة والقوانين الزاجرة في الإسلام تعمل على تحقيق الأمن الأخلاقي للفرد والمجتمع من خلال توجيه سلوك الأفراد، ومنع انتشار الشائعات، وتعزيز القيم الإيمانية. هذا النظام التشريعي يعزز من وحدة المجتمع وترابطه، ويحميه من التفكك والانحلال الأخلاقي. والقرآن الكريم في سورة النور يبدأ بتذكير المؤمنين بالعقوبات الأخروية لأنها تعمل على تربية مجتمع واع واخلاقي. فالعقوبات الدنيوية مهمة لكنها محدودة بالزمن والتوقيت، بينما العقوبات الأخروية هي عقوبات ابدية تعكس جسامة الفعل. في سورة النور، نجد عقوبات واضحة مثل حد الزنا وعقوبة القذف، لكن التركيز الأكبر هو على العقوبة الأخروية التي تردع الفعل من جذوره في كل الأحوال، كما في قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (سورة النور: ١٩) فإقامة حد الزنا ، على سبيل المثال، تحقق الردع وتعزز الالتزام بتعاليم الله، وفي ذلك فائدة اخرى وهي ردع الآخرين عن ارتكاب المعاصي. وتأكيد القرآن العظيم يؤسس لمحاصرة قضية المجاهرة بالمعصية؛ فإقامة الحد تتطلب وجود اربعة شهداء على جريمة الزنا بحيث لا يحصل التواطؤ بذات الوصف الدقيق الذي اشترطه القرآن في الكشف عن هذه الجريمة البشعة إلا حين يكون هناك مجاهرة بالزنا. فالأمر يتعلق بالمجاهرة بالمعصية التي تدعو المجتمع وضعاف النفوس بالذات من شباب وغيرهم إلى الفاحشة ، فحين تصل قضية الجرأة والمجاهرة بالمعصية إلى هذا الحد الخطر فالمؤشر خطير جدا لا بد حينها من إقامة الحد لحماية امن المجتمع اخلاقيا. من هنا جاء قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ من الآية ٢. ذكر القرطبي رحمه الله: «الرأفة نعمة ملذة من جميع الوجوه، والرحمة قد تكون مؤلمة في الحال، ويكون في عقباها لذة». من اجل ذلك قال تعالى عن إقامة الحد: وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (النور من الآية : ٢) فالله امر بإقامة الحد عليهما، وذلك فيه رحمة بهما لتطهيرهما من الذنب، وليرتدعا عن ذلك ، فلم ينف رحمته بهما . ولكنه نهى عن الرأفة التي من اجلها ربما عطلوا حد الله عليهما او انقصوا منه ، فربطها بقضية الإيمان، واشترط فيها هذه القضية ، وجعل إتمام إكمال إيقاع الحد على هؤلاء إنما هو من تمام الإيمان وشروطه، ومن علامات ومقتضيات الإيمان بالله واليوم الآخر. فالذي يقوم بتحقيق وتحمل امانة الأمن الأخلاقي للمجتمع المسلم هم اولئك الذين آمنوا من خلال شهود إقامة الحد على هؤلاء الذين جاهروا بجريمة الزنا. وحادثة الإفك المذكورة في السورة تقدم نموذجا واضحا لكيفية التعامل مع الشائعات والقذف. الشخص الذي بدأ الفتنة وتولى كبرها ، مثل رأس المنافقين، يتلقى عذابا عظيما. والقرآن لا يصف هذا العذاب بالتفصيل لترك المجال لتصور بشاعة الجرم الذي ارتكبه. وحادثة الإفك تمثل واحدة من ابرز الأحداث في سيرة النبي محمد ووردت في آيات سورة النور كما وردت تفاصيلها في صحيح البخاري ان السيدة عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها خرجت مع النبي وفي طريق العودة ، تأخرت عن الركب بسبب بحثها عن عقدها المفقود. وجدت بعد ذلك نفسها وحدها ، حتى وجدها صفوان بن المعطل واعادها إلى الجيش. انتشرت شائعات سيئة بقيادة عبد الله بن ابي بن سلول، مما ادى إلى اضطرابات كبيرة بين المسلمين. استمر الوضع حتى نزل الوحي ببراءة السيدة عائشة ، مما اعاد السلام إلى المجتمع واظهر حكمة التشريعات الإسلامية في التعامل مع مثل هذه الأزمات. وكانت هذه الحادثة اختبارا عظيما للمؤمنين واكسبتهم ثوابا كبيرا . ويضيف الزمخشري ان الحادثة نزلت فيها ثماني عشرة آية تحمل تعظيما لشأن النبي صلى الله عليه وسلم وتسلية له، وتنزيها لأم المؤمنين عائشة، وتطهيرا لأهل البيت، وتهويلا لمن تكلم فيها او لم يرفضها. كما وضحت العديد من الفوائد الدينية والأحكام والآداب. كما اوضح ابو السعود في تفسيره ان التعبير بالذي وتكرار الإسناد وتنكير العذاب ووصفه بالعظم يحمل تهويلا كبيرا للخطب، مما يعكس خطورة الشائعة وتأثيرها السلبي الكبير على المجتمع. ومن اللافت للنظر ان الآيات نزلت تعلّم المؤمنين من خلال العقوبة الرادعة بضرورة تصحيح الأوضاع الناجمة عن الوقوع في الأخطاء وخاصة ما يتعلق بالآخرين: لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكُ مُّبِينٌ (النور: ١٢) تدعو المؤمنين إلى حسن الظن بأنفسهم وبالآخرين، مما يعزز من وحدة المجتمع وترابطه. هذا الظن الحسن ينبع من العهد الإيماني الذي يربط المؤمن بربه. فالآيات ايضا توضح الأثر النفسي والاجتماعي للعقوبات، فالاستهتار بإطلاق الاتهامات دون دليل يزعزع الثقة بين افراد المجتمع. الآية وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ (النور: ١٥) تبيّن خطورة الاستهانة بالكلمات والإشاعات. هذه الأفعال تعتبر عظيمة عند الله وتستوجب العقوبة الرادعة.
رابعا : التهيئة الإعلامية ودورها في تحقيق الأمن الأخلاقي
وسائل الإعلام الحديثة تلعب دورا كبيرا في نشر الفساد والقيم الفاحشة، مما يؤثر سلبا على امن واستقرار المجتمع الأخلاقي. التشريعات القرآنية تقدم إطارا واضحا للوقاية من هذا الخطر، من خلال توجيه الأفراد للابتعاد عن نشر الشائعات والفواحش، وتعزيز القيم الأخلاقية في المجتمع. في العصور السابقة كانت وسائل إشاعة الفاحشة تنحصر في نقل الكلمات من شخص لآخر. اما اليوم، فقد تنوعت وتقدمت الوسائل بشكل كبير لتشمل الصحف، والإعلام القديم والحديث، والإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي. هذه الوسائل الحديثة تمكنت من جعل الفاحشة اكثر شيوعا وسرعة في الانتشار، حيث يمكن للكلمة او الصورة او الفيديو ان ينتقل من مكان لآخر في ثوان معدودة. والقرآن الكريم في سورة النور يقدّم خطوات وإجراءات عملية واضحة يمكن تطبيقها في كل زمان وبيئة في كيفية التعامل مع تلك الأزمات الأخلاقية ومحاصرتها والحد من انتشارها حفاظا على الأمن الأخلاقي للمجتمع. يقول الله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (النور: ١٩) كما باتت وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورا كبيرا في إشاعة الفاحشة؛ إذ تنتقل الشائعات وقالة السوء بسرعة هائلة وتنتشر انتشار النار في الهشيم، مما يجعل من الصعب التحكم في الأضرار التي تلحق بالمجتمع. ومع وجود الأجهزة الإعلامية في كل بيت، اصبح من السهل إشاعة الفاحشة ودخولها إلى كل بيت. إذ تنتشر السلوكات والأقاويل والشائعات السلبية السيئة عبر وسائل التقنية الحديثة التي دخلت بقوة، مما يجعل من الضروري إشاعة ثقافة تنزيه الأسماع والأفواه والأبصار، وربطها بالإيمان الحق والسلوك الخير. ويتجلى اهتمام السورة العظيمة ببناء السياج الأمني الأخلاقي من خلال العديد من الآيات، فكثير من الناس يعتقدون ان نشر الأخبار والشائعات امر هين، ولكن الله تعالى يقول: وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ (النور: ١٥) محذرا من استسهال نشر الفواحش. وهذا التحريم لا يقتصر على الكلام الفردي بين الأشخاص، بل يشمل ايضا وسائل الإعلام والصحف التي تعرف بالصحافة الصفراء، والتي تستغل الأخبار المثيرة وغير الموثوقة لتحقيق الربح. هذه الأخبار تنشر الفتنة وتؤرق حياة الناس، مما يؤدي إلى تدمير المجتمع باكمله. انتشار الشائعات وتداولها بشكل مستمر يؤدي إلى تفكك الروابط الاجتماعية وتدمير الثقة بين الأفراد. وفي قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (النور: ٢٣) فكان اللعن الذي هو طرد وإبعاد من رحمة الله في الدنيا والآخرة؛ الجزاء الرادع لهذه الجريمة. فالحياة الحقة في القرآن هي التي تحفظ كرامة الإنسان، وعرضه، وشرفه، وسمعته؛ ولذلك حافظ عليها الشرع ايما محافظة، هذه المحافظة التي يحدثنا عنها في سورة النور هي التي جعلت الجزاء بعد ذلك في الآيات نصا هو اللعن والطرد والإبعاد من رحمة الله؛ وفي هذا دليل صريح على بشاعة هذه الجريمة وآثارها الخطرة على المجتمعات. وإن ظاهرة الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تشكل تهديدا حقيقيا للشباب والمجتمع. الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية لهذه الظاهرة تتطلب تدخلا عاجلا من قبل المجتمع والأسرة والمؤسسات التعليمية لتوعية الشباب بخطورتها وتعليمهم كيفية التعامل معها بفعالية. التوعية والتثقيف هما الأساس للحد من انتشار الشائعات وحماية المجتمع من آثارها السلبية. وهكذا تبني سورة النور العظيمة سياجا يحمي الأمن الأخلاقي للفرد والمجتمع؛ الذي دونما شك إذا ما التزم به المسلمون في حياتهم ومجتمعاتهم وجماعاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية؛ اضاء النور في جنبات حياتهم وقلوبهم وفي بصائرهم وفي علاقاتهم الإنسانية. وسورة النور بتعاليمها القوية والشديدة وضعت حارسا على اعراض الناس، حيث فرضت عقوبات صارمة على من يخوض في اعراض الآخرين؛ إقامة الحد على الزاني والزانية، وكذلك عقوبة القذف بثمانين جلدة، تعد رحمة للناس، حيث تحميهم من الأذى وتحفظ كرامتهم. هذه الشدة في العقوبات تعكس رحمة الله بعباده، حيث تمنع انتشار الفواحش وتردع الناس عن الخوض في اعراض الآخرين. فالشائعات على سبيل المثال تؤدي إلى إفساد العلاقات الإنسانية بشكل كبير، حيث تزرع الشك وعدم الثقة بين الأفراد، ويمكن ان تحطم سمعة الشخص وتدمر حياته المهنية والاجتماعية ، وفي سياق العلاقات الأسرية ، يمكن ان تؤدي الشائعات إلى تفكك الأسرة وخلق نزاعات بين افرادها. والآيات والأحكام التي جاءت لتحمّل الإنسان مسؤولية الكلمة التي يتلفظ بها. والقرآن العظيم في التشريعات الأولى وفي الآيات الأول من سورة النور جاء يبين ان من عظمة إيمان الإنسان ان يراقب ما يقوله ، فلا يتلفظ بما لا ينبغي وما لا يليق. وذكرنا فيما ذكرنا ان الصعوبة والعقوبة تكون اشد حين يكون الأمر متعلقا بأعراض المسلمين. اعراض الناس من الخطوط التي ضرب القرآن العظيم سياجا حولها ، سورا حولها يقيها من عبث العابثين، ومن يرغب في ان يتسلى بالحديث عن الآخرين وضع القرآن حدا له في سورة النور. كما إن الشائعات يمكن ان تسبب اضرارا نفسية كبيرة للشباب، وتؤكد دراسات حديثة ان الشباب الذين يتعرضون للشائعات عبر الإنترنت يعانون من معدلات اعلى من الاكتئاب والأفكار الانتحارية نتيجة لتدني تقدير الذات، القلق، والعزلة الاجتماعية. بل انها يمكن ان تؤدي إلى تأثيرات اقتصادية سلبية ايضا ، كنشر معلومات خاطئة عن شركة معينة يمكن ان يؤدي إلى انخفاض قيمة اسهمها وتدمير سمعتها. بالإضافة إلى ذلك، الشائعات التي تتعلق بالأمن او الصحة العامة يمكن ان تسبب حالة من الذعر والهلع، مما يؤثر على استقرار المجتمع وامنه العام. وسورة النور في هذه الآيات العظيمة جاءت بالوسائل والاساليب التي يتحقق معها الأمن الأخلاقي في المجتمع، الذي بدونه لا يمكن لمجتمع ان يستقر ، فاستقرار المجتمع في واقع الأمر مرتبط بالأمن الأخلاقي. وفي ظل التحديات الحالية والمغريات التي تواجه الشباب، يجب على جميع المؤسسات التربوية والإعلامية والاجتماعية العمل معا لمواجهة الانحلال الأخلاقي، وتعزيز قيم العفة والطهارة. يجب ان تبدأ هذه الجهود من الأسرة، مرورا بالمدرسة، وصولا إلى وسائل الإعلام المختلفة. كما يجب محاسبة اولئك الذين يروجون للفاحشة في المجتمع، وتعزيز الردع الداخلي لدى الشباب لمنعهم من الوقوع في المحرمات، وهذا يتطلب جهدا وتعاونا مستمرين.
خاتمة البحث الأمن من اعظم النعم التي يمن الله بها على خلقه، إذ إنه عنصر من عناصر حياة الأفراد واستقرار المجتمعات وعاملا اساسيا في تقدم ورقي المجتمعات. وتستعرض هذه الدراسة مفهوم الأمن الأخلاقي في القرآن الكريم من خلال دراسة تحليلية لأمثلة من سورة النور، معتمدة على المنهج الاستقرائي التحليلي. وقد قسمت الدراسة إلى مبحث تمهيدي يتناول المفاهيم الأساسية للأمن الأخلاقي، ومبحثين رئيسيين يركزان على تطبيق هذه المفاهيم واستعراض ركائز الأمن الأخلاقي من خلال امثلة تحليلية مستمدة من سورة النور. وقد خلصت الدراسة إلى عدة نتائج ابرزها: شمولية مفهوم الأمن في القرآن: تبين من خلال الدراسة ان القرآن الكريم تناول الأمن بمفهوم شامل يغطي جوانب متعددة من الحياة بما في ذلك الأمن الأخلاقي. دعائم الأمن الأخلاقي: تناولت سورة النور اسس الأمن الأخلاقي بشكل مفصل، حيث اكدت على اهمية القيم الدينية والأخلاقية في تعزيز الأمن الأخلاقي. دور التنشئة الأسرية والتربوية : اكدت الدراسة على اهمية التنشئة الأسرية والتربوية في بناء وتعزيز القيم الأخلاقية لدى الأفراد، مما يسهم في تحقيق الأمن الأخلاقي في المجتمع. اهمية تأهيل المؤسسات الإعلامية: شددت الدراسة على دور المؤسسات الإعلامية في نشر وتعزيز القيم الأخلاقية من خلال المحتوى الإعلامي الهادف. فعالية التشريعات الرادعة: ابرزت الدراسة اهمية التشريعات والقوانين الرادعة في الحفاظ على الأمن الأخلاقي ومنع التعديات الأخلاقية في المجتمع.
كما توصي الدراسة ب : تعزيز التربية الأخلاقية : توصي الدراسة بضرورة تعزيز التربية الأخلاقية في المناهج الدراسية والمؤسسات التعليمية لضمان تربية الأجيال على القيم الأخلاقية السامية. تطوير الإعلام الهادف: تدعو الدراسة إلى تطوير وسائل الإعلام لتكون اداة فعالة في نشر القيم الأخلاقية وتعزيزها بين افراد المجتمع. تفعيل القوانين والتشريعات: توصي الدراسة بتفعيل القوانين والتشريعات الرادعة للتعديات الأخلاقية لضمان حماية المجتمع من الانحرافات الأخلاقي، بما فيها الإلكترونية والرقمية لآثارها الواضحة على الأفراد والمجتمع. تشجيع البحث العلمي: توصي الدراسة بضرورة تشجيع البحث العلمي في مجال الأخلاق والأمن الأخلاقي لاستنباط حلول مبتكرة وفعالة لمواجهة التحديات المعاصرة. كما تؤكد الدراسة فعالية التعاليم الربانية والآداب والأخلاقيات التي وضعتها الآيات الكريمة في إقامة مجتمع نزيه يقوم على العفة والطهارة مهما تغيرت الظروف وتعددت التحديات. إن رسالة القرآن الكريم وصلاحيتها لكل زمان ومكان هي شهادة على عظمة هذا الكتاب العظيم وقدرته على مواجهة كافة التحديات الأخلاقية عبر العصور.
المراجع المراجع باللغة العربية
- البقاعي، إ. ب. ع. (۱۹۸۷). مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور (الطبعة الثانية، المجلد ۲، ص ۳۰۹). الرياض: مكتبة المعارف.
- بوشلوش، ط. (٢٠١٥). العولمة واثرها على الأمن الفكري والأخلاقي للشباب في المجتمع. مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة البليدة، العدد الثاني عشر.
- بغدادي، م. م. (۲۰۲۱). الأمن الأخلاقي لدى طالب الجامعة: دراسة الفروق في ضوء النوع والتخصص. المجلة العربية للقياس والتقويم، العدد الثالث، يناير. مصر.
- الجوزي، ج. أ. (۲۰۰۲). زاد المسير في علم التفسير (تحقيق: ع. المهدي، المجلد ٣، ص ٢٧٥). بيروت: دار الكتاب العربي.
- الزحيلي، و. (n.d.). التفسير المنير في العقيدة والتشريع والمنهج. دمشق: دار الفكر.
- الزمخشري، م. ب. ع. (۱۹۸۷). تفسير الزمخشري (ضبطه وصححه ورتبه: م. ح. احمد، الطبعة الثالثة، المجلد ٣، ص ۲۰۸). القاهرة: دار الريان للتراث، بيروت: دار الكتاب العربي.
- شرف الدين، ج. (۱۹۸۰). الموسوعة القرآنية خصائص السور (تحقيق: ع. ب. ع. التويجري، المجلد ٦، ص ٧٣-٧٤). بيروت: دار التقريب بين المذاهب.
- العبد، ش. النصيرات، ج. (۲۰۱۷). الانفرادات اللفظية في سورة النور، دلالتها وعلاقتها بالوحدة الموضوعية للسورة القرآنية. مجلة الميزان للدراسات الإسلامية والقانونية. جامعة العلوم الإسلامية العالمية، عمادة البحث العلمي، ٤ (٢)، ٤٥٩-٤٩٩.
- العجوري، ع. م. (۲۰۰۹). الأمن الأخلاقي دراسة قرآنية موضوعية. رسالة ماجستير منشورة، الجامعة الإسلامية غزة. ص ٨. الرابط: الأمن الأخلاقي.
- عرفات، ع. ع. (۲۰۱۸). دلالة اسماء السور القرآنية على محاورها وموضوعاتها. بيروت: مؤسسة الرسالة ناشرون. ص ١٤.
- العلواني، ط. ج. (۲۰۱۲). تفسير سورة الأنعام. القاهرة: دار السلام.
- العلواني، ر. ط. (۲۰۱۹). نحو إطار عالمي للقيم الحضارية. مجلة مسارات الفصلية، العدد ٢٠. تونس: مركز مسارات للدراسات الفلسفية والإنسانيات.
- علي، إ. (۲۰۱۹). المنظومة الأخلاقية في الإسلام واثرها في تحقيق الأمن الفكري. جامعة الأزهر. الرابط: المنظومة الأخلاقية.
- العليمي المقدسي الحنبلي، م. ب. م. (۲۰۰۹). فتح الرحمن في تفسير القرآن (تحقيق: ن. طالب، المجلد ٤، ص ٥٠١). دمشق: دار النوادر. (إصدارات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إدارة الشؤون الإسلامية).
- الغنام، م. ع. ش. (۲۰۰۱). مسؤولية التربية والتربية المستدامة بين الواقع والمأمول: دراسة تحليلية من منظور التربية الإسلامية. مجلة كلية التربية، جامعة المنصورة، العدد ١٠٠، مايو. ص ٤٥-٤٦.
- الفايز، ف. س. (۲۰۱۷). تعليم التربية. مجلة البيان، العدد ٣٦٣، المنتدى الإسلامي، الكويت. ص ٣٥.
- فرغلي، ج. ع. ع. أ. (۱۹۹۵). التربية الجنسية في المنظور الإسلامي. مجلة التربية، جامعة سوهاج، كلية التربية، المجلد ١٠، العدد ١، يناير. ص ١٤٧.
- الكيلاني، ج. (٢٠١٤). مقاصد العقوبة في الشريعة الإسلامية. مجلة النجاح للعلوم الإنسانية، جامعة النجاح الوطنية، فلسطين، مجلد ۲۸، العدد ١، يناير، ص ١١١.
المراجع باللغة الإنجليزية
- Allik, Jüri & Realo, Anu. (2004). «Individualism-Collectivism and Social Capital». Journal of Cross-cultural Psychology, 35, 2949-. doi: 10.11770022022103260381/.
- Chowdhury, Muhammad. (2016). “Emphasizing Morals, Values, Ethics, and Character Education in Science Education and Science Teaching". Malaysian Online Journal of Educational Science.
- Kay, R. H. (2012). “Exploring the use of video podcasts in education: A comprehensive review of the literature". Computers in Human Behavior, 28(3), 820831-.
- Kohlberg, L. (1984). “Essays on moral development, Vol. II: The psychology of moral development." Harper & Row.
- Livingstone, S., & Helsper, E. J. (2007). “Gradations in digital inclusion: Children, young people and the digital divide". New Media & Society, 9(4), 671696-.
- Poff, D. (2020). "Academic Ethics and Academic Integrity". In Poff, D., & Michalos, A. (Eds.), Encyclopedia of Business and Professional Ethics. Springer, Cham.
- The Internet and Loneliness. (2022). Journal of Ethics, American Medical Association.
- Tomlinson, J. (1999). “Globalization and Culture". University of Chicago Press.
- Zarsky, T. Z. (2017). “Incompatible: The GDPR in the Age of Big Data". Seton Hall Law Review, 47(4), 9951020-.
- Zubiaga, Arkaitz. (2016). “Analyzing How People Orient to and Spread Rumors in Social Media by Looking at Conversational Threads”. PLOS ONE. doi: 10.1371/journal.pone.0150989.
الروابط الإلكترونية
- https://www.researchgate.net/publication/367223229_Impact_of_Corporate_Social_Responsibility_Business_Ethics_and_Corporate_Reputation_on_the_Retention_of_Users_of_Third-Sector_Institutions
- https://bfrt.journals.ekb.eg/article_66601_22c1584735f2a7870fa6e09fb80820f1.pdf
- https://mobt3ath.com/pdf.php?ext=pdf&id=20949&tit=D8B1D8B3D8A8D988D882D8A7D8ACD8B3D8B0D8A9D984D8A9D886D988D984D8A9D884D8A9D8B4D8B4D98A_D8A8D8B9D981D981D980D988D983D98A.86
- https://archive.org/details/mujamalfazquran01/Mujam-alfazQuran-01
- https://ia803006.us.archive.org/34/items/mufridate-raghib-unicode/mufridate-raghib-unicode.pdf
- https://u.ae/ar-ae/information-and-services/justice-safety-and-the-law/cyber-safety-and-digital-security
- https://ruqaia.book-with-cover.pdf/03/com/wp-content/uploads/2020
- https://shamela.ws/book/1681/1110#p1
- https://shamela.ws/book/22915
- https://quranpedia.net/surah/1/24/book/18
- https://shamela.ws/book/23589
- https://shamela.ws/book/21769